الصحة والغذاء

مائدة الفطريات

الفطريات مجموعة كبيرة من الكائنات الحية الدقيقة تنتشر انتشارًا واسعًا في الطبيعة حيث تضم أكثر من مئة ألف نوع. وتوجد الفطريات في البيئات الرطبة والحارة والمعتدلة والباردة أيضًا، وفي التربة والهواء والماء وفى كل ما يمكن أن يتخيله الإنسان من أماكن.

وتتمثل الفطريات في تلك الأعفان السوداء التي تكسو الخبز وفي تلك النموات الزرق أو الخضر التي تمتد على سطوح الموالح وهي تلك التي تتطفل على كثير من النباتات مسببة لها العديد من الأمراض مما تؤدي إلى خسائر فادحة في المحاصيل، وهناك من الفطريات ما يسبب أمراضًا جلدية وباطنية والتهابات في المسالك التنفسية والأذن الوسطى للإنسان والحيوان.

ولعل ما ذكرنا من أمثال يوحي بأن الفطريات كائنات تغلب عليها نزعات الشر والاستئثار فهي منتجة للعفن ومسببة للأمراض، ولكن في الحقيقة الفطريات مثلها مثل غيرها من الكائنات لها جانبها الضار ولها جانبها النافع حيث لها جوانب مشرفة في دنيا الإنسان، ومن هذه الفطريات النافعة ما يسمى بفطريات المائدة ومنها: الخميرة، وعيش الغراب، والكمأة، والبنيسيليوم.


فطر الخميرة
يوجد الفطر على المحاليل السكرية المعرضة للهواء وفى رحيق الأزهار وعلى أسطح ثمار الفاكهة الغضة كما توجد في التربة.
والخميرة فطر وحيد مستدير أو بيضاوي الشكل، وهي تحتوي على مواد بروتينية ودهنية وسكرية، وفطر الخميرة من الفطريات الأساسية للمائدة حيث يدخل في صناعة أهم مكونات المائدة ألا وهو الخبز. فرغيف الخبز الذي نتناوله إن لم تضف إلى العجينة المصنوع منها الخبز فطر الخميرة أصبح كتلة صماء لا يعتريها انتفاخ ولا تتخللها مسام، ولكن وجود الفطر يحول جزءًا من الدقيق إلى سكر بواسطة أنزيم الدياستيز، ثم يقوم الفطر بتخمير السكر وتصاعد غاز ثاني أكسيد الكربون وهو الذي يجعل الرغيف خفيفًا منتفخًا وذا مسام، وتدخل الخميرة في صناعة المعجنات بصفة عامة مثل البسكويتات والكيك حيث يعرف فطر الخميرة في أوساط الطهي بالخميرة الفورية.
فطر الكمأة (الفقع)
فطر الكمأة ينمو تحت سطح الأرض حيث يتكون في أواخر فصل الشتاء ويساعد على وجوده سقوط الأمطار وعندما يتضخم جسمه يحدث تفتق في قشرة التربة حيث يظهر جزء من الفطر على هيئة درنات، ولعل ذلك هو سبب تسميته بالفقع، أما تسميته بالكمأة فيرجع إلى استتاره بالأرض. وتعتبر البيئة العربية أهم وأشهر بيئاته على مستوى العالم، وللفقع أسماء كثيرة منها فاكهة الفقع، وبطاطس الصحراء، وشجرة الأرض، وبيضة الأرض، وبطاطا البدو، ويحتوي الفطر على قيمة جيدة من البروتينيات بنسبة 20%، السكريات بنسبة 13%، دهون بنسبة 3% كما يحتوي على معادن مثل الفوسفور، والصوديوم، والكالسيوم، والبوتاسيوم. ويحتوي أيضًا على فيتامين ب وعلى نتروجين، وكربون، وأكسجين، وهيدروجين، وهذا ما يجعل تركيبها شبيهًا بتركيب اللحم، وطعم المطبوخ منها يشبه طعم كلى الضأن، وكثير من الناس يهوون التهامه وينتظرون موسمه بشغف شديد.

موائد الفقع
يصنف الفقع كأحد أشهر وأغلى الأطعمة في العالم، فهو محبب لدى الكثيرين وله عشاقه في مختلف بلدان العالم، فهو يصنع منه الحساء اللذيذ وأيضًا يخلط مع كبد الإوز ليكون أهم مكونات الأكلات الفرنسية. أما بريطانيا فأدخلته في صناعة نوع من الجبن أطلقت علية اسم grana padano وهناك بعض الشركات الأوروبية أدخلت فطر الكمأة في صناعة الشيكولاته ومعاجين الطماطم، وإذا كان هذا هو حال الفقع في البلدان الأوروبية فهو بلا شك يحتل مكانة أرفع في البلدان العربية، خاصة شبة الجزيرة العربية.

وصفات من مطبخ الكمأة
يتفنن سكان دول الخليج العربي في طبخ الكمأة ولهم طرق شتى منها:
تنظف الكمأة ثم تسلق مع الشبت والكمون والزيت وطعمها في هذه الحالة يشبه طعم الكلى الضأن، أو تقطع إلى قطع صغيرة ويضاف إليها الليمون والماء ثم تترك على نار هادئة حتى تنضج تمامًا وتقدم ساخنة مع الأرز.
وهناك ما يسمى (يخنة الكمأة) باللحم حيث تنقع في الماء لمدة نصف ساعة ثم تغسل تحت الماء وتصفى ثم تقشر وتغسل وتقطع وتوضع مع البصل المفروم والزبدة والبهارات ويضاف إليها الملح والماء واللحم المفروم وتترك على نار هادئة لمدة 20 دقيقة. ويحذر خبراء الكمأة من أكلها نيئة لخطورتها حيث تسبب عسر الهضم، كما ينصح بعدم أكلها للمصابين بأمراض في معدتهم أو أمعائهم.
فطر عيش الغراب
يتبع الفطريات البازيدية ويتكون فطر عيش الغراب من جسم خضري وجسم ثمري يتكون فوق سطح التربة، وينمو الفطر في الحدائق المفتوحة وفى الأماكن المهجورة ذات الرطوبة العالية، وبعض أنواعه له روعة في الألوان مما يجعلك تتنهد لجمالها إلا أنها لا توجد هنا في أرضنا، بل مكانها الغابات.

والغريب أن هذا الجمال من النوع السام، ويمكن تنمية الفطر تجاريًا على بيئات تعرف بالكمبوست، وتقول جمعيات التغذية أن عيش الغراب “فطر صالح للأكل” فهو يحتوي على كميات كبيرة من الماء والبروتين وعلى ذلك يمثل أرضية خصبة لتكاثر الميكروبات بسرعة عليه وعلى ذلك فالأفضل تناوله مباشرة بمجرد التقاطه وبعد مسحه أو غسله بالماء، وإذا لزم حفظه في الثلاجة فيكون ذلك في وعاء يسمح بنفاذ الهواء ولمدة لا تزيد عن 24 ساعة، غير أن تلك الجمعيات الغذائية تطمئن محبي تناول الفطر أن إعادة تسخينه لتقديم وجباته الساخنة لا ضرر منه طالما تم تبريد الفطر فور الانتهاء من طهيه ويكون التسخين عند درجة حرارة لا تقل عن 70م، وهو يستخدم على نطاق واسع في الغذاء ويؤكل بصور متعددة حيث تعمل منه البيتزا وشطائر السندوتشات وبعض أنوع الجبن، وأيضًا يدخل في مكونات السلطة ويضاف إلى الشوربة ليكسبها طعمًا لذيذًا، وتعتبر ألمانيا أكثر الدول المنتجة له وأيضًا المستهلكة، ويباع هناك على هيئة أقراص أو مجففًا أو يعلب في علب كما هو الحال في الفواكه.


فطر البنيسليوم
تستخدم أجناس مختارة من الفطريات في إنتاج الأجبان المتميزة بوجود عروق لونها يميل إلى الاخضرار على سطحها يحسبها معظم الناس قطعًا من البقدونس، وأول من اكتشف هذا النوع من الفطريات هم الفرنسيون وكان ذلك بالصدفة حيث نما الفطر على كميات هائلة من الجبن التي احتفظوا بها لمدة شهور فهالهم ما رأوا وظنوا أن تجارتهم قد فسدت، ولكن تقدم أحد العمال ليتذوقها فأعجبه الطعم والنكهة، ومن يومها بدأت فرنسا في صناعة جبن الروكفورت. وهناك أيضًا أنواع أخرى من الجبن التي تدخل الفطريات في صناعتها وتشمل الأنواع التالية: ستاتون، بلو، قرقنزولا، ويستخدم لهذا النوع من الأجبان فطر البنسيليوم حيث يساهم في إنضاج هذه الأنواع ويعطيها النكهة المميزة لها عن طريق تفاعل إنزيم الليبيز الذي ينتجه الفطر مع دهن الحليب المصنع منه الجبن.
د. دينا بركة

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم