الصحة والغذاء

(المختار من الأغذية).. شكرًا لأجدادنا العظماء

مخطوطة «المختار من الأغذية» لابن النفيس – رحمه الله – عمل إبداعي إسلامي تتمثل فيه نظرية العلاج بالغذاء لا الدواء بشكل يثير الإعجاب ويتجاوز المرحلة العلمية التي عاش فيها المؤلف.

يبدو «المختار من الأغذية» كما لو كان دستورًا غذائيًا وضعه ابن النفيس لطلابه أو لأحد معاصريه فهو يقتصر على وصف الأغذية الواجبة التناول في سائر الحالات التي تعرض للجسم.

وينقسم المختار للأقسام التالية:

أغذية أصحاب الأمراض الحادة، وأصحاب حمى الرَّبْع، وأصحاب حمى الورد، وأصحاب السعال والمسلولين والربو وضيق النفس، وأصحاب الإسهال، وأصحاب القولنج، وأصحاب السوداء، وأغذية المجذومين والمبروصين، والمصروعين والمفلوجين وأصحاب الرعشة والسكتة والكزاز، وأغذية النفساء والناقهين من الأمراض، وأصحاب المعدة الضعيفة والكبد الضعيفة واليرقان، وأصحاب الجنب والمطحولين وزائدي الجماع، والأغذية المجففة للمني قاطعة الاحتلام، وأغذية تسمن الأبدان، وأغذيتها تهزل الأبدان وتنحفها، وأغذية تدر اللبن في ثدي النساء، وأغذية تدر الطمث، وأغذية تدر البول، وأخرى مساكة للبول والطمث، وأغذية أصحاب الديدان الكبار والصغار، وأغذية قريبة من الاعتدال موافقة في أكثر الأحوال لجميع الناس من الأصحاء وبعض المرضى.

تدبير المأكول

قال المحقق: اهتم ابن النفيس بالأغذية اهتمامًا كبيرًا واعتبرها العامل الأول في تحقيق الجزء العملي من الطب، ذلك الجزء الذي ينقسم عنده إلى فرعين: علم حفظ الصحة، وعلم العلاج.

ويبدأ ابن النفيس كلامه في حفظ الصحة بالحديث عن «تدبير المأكول» فيقول: كل صحة أردنا حفظها على حالها أوردنا عليها الشبيه في الكيفية، فإن أردنا نقلها إلى أفضل منها أوردنا الضد، ولنقتصر من الغذاء على الخبز النقي من الشوائب واللحم الحولي والحلو الملائم ومن الفاكهة التين والعنب والبلح والرطب في البلاد المعتاد فيها أكله. أما الأغذية الدوائية كلها فلا يلتفت إليها إلا لتعديل مزاج أو مأكول. (الموجز في الطب ـ ابن النفيس).

وكان المنهج العلاجي عند ابن النفيس ـ كما قال المحقق ـ يعتمد على الغذاء جُلَّ اعتماده، ولهذا نراه في مؤلفاته العديدة ينصح بالبدء بالأغذية، فيقول في (الموجز في الطب): وحيث أمكن التدبير بالأغذية فلا تعدل إلى الأدوية.. وإنا لا نؤثر على الدواء المفرد، ومركبًا، إن وجدنا المفرد كافيًا.

وهنا يترك ابن النفيس للمناعة الطبيعية للجسم أن تعمل ويتحاشى الدواء قدر الإمكان ويتدرج في استعماله.

وابن النفيس يؤكد دائمًا على البدء بالدواء المفرد الذي هو أقرب إلى طبيعة الغذاء ويتحاشى استعمال الأدوية المركبة لتأثيراتها الجانبية.

ونورد فيما يلي نماذج من محتوى (المختار):

– أغذية أصحاب السعال والمسلولين وأصحاب الربو وضيق التنفس

قسمها ابن النفيس إلى قسمين: أغذية باردة للسعال الحار، وأغذية حارة للسعال البارد.

– الأغذية الباردة:

 حسو الشعير، وحسو النشا، وحسو الباقلي الأخضر، وحسو الماش والقطف البقلة اليمانية والرجلة «البربير» الخبازي، والملوكيا «الملوخية»، والخشن والرمان الحلو، والسمك الصغير الطري والعنب المستوي والتين الأخضر النضيج، وأكارع الخراف، وأكفان الخشخاش الأبيض، وشراب الجلاب، وشراب البنفسج، وشراب النيلوفر، وماء القرع الصغار بالسكر، وماء الدلاع «البطيخ الأخضر»، ولب الخيار، ولب القثاء، ولب البطيخ، ودهن حب القرع.

– الأغذية الحارة:

حسو الحواري «لب القمح»، وحسو نخالة الحنطة، والأرز الأبيض، والبيض النيمرشت، وكارع الكباش والضأن واللحم الفتي، وحسو الحلبة مع التين أو التمر،  وحسو الحمص والفراريج والبصل المشوي والعنب الحلو النضيج والكرنب والتين اليابس والجوز واللوز والصنوبر والموز وقصب السكر وحب الصنوبر مع الزبيب والتمر الفانيد والعُنَّاب الصحيح الشراب الحلو، والعسل المدير والفالوذج الحلو والمتخذة بالجلجلان الحلو والمتخذة باللوز والفستق وحب الصنوبر والخبيص واللوزينج، ودهن اللوز والشيرج، والزبيب الحلو، ولبن الأتن ولبن النوق ولبن الماعز وشحم الطير والزبد واللفت، والفجل مطبوخًا على سبيل الدواء.

– أغذية أصحاب المعدة الضعيفة والقيء والوحم العارض للنساء  

السفرجل والتفاح والكمثرى والبسر وزيتون الماء والكبر المخلل والزيتون واللفت والمخلل، والزيت العفص والشَّاهبلوط، لا سيما بالتين الحلو الحديث الرطب، وحب الآس والفستق والشراب الصرب والخل.

– أغذية لأصحاب الكبد الضعيفة  

كل غذاء سريع الانهضام كخبز الخنشار المختمر، والخبز المكون من حنطة رخوة خفيفة بيضاء، ولحوم الطير كالفراريج والدراج والطيهوج واليمام والزرازير البيض، والحجل ولحوم الجدي والبيض وحسو الفتات وكشك الشعير والخبز المعسول والسكر والزبيب إذا أكل بنواه ـ فإنه يسمن الكبد المهزولة بخاصية فيه ـ والفستق يقوي الكبد ويفتح سُدَدَها ويجلو ما فيها من الغلط، والمشمش خاصته إخراج ما في العروق من الفضول وأكباد البط للإسهال الذي من ضعف الكبد، واللوز يفتح سُدَد الكبد، والمشمش بلب الفستق غذاء جيد للكبد الباردة ومفتح لسددها، والتفاح الحامض يبرد الكبد تبريدًا قويًا، والسفرجل يقوي المعدة والكبد، ماء الحصرم ـ مفردًا مقو للكبد الخشن، والرازيانح «الشمر»، والانسيون كلها مفتحة سداد الكبد المائلة للبرد.

– أغذية تسمن الأبدان وتخصبها

 خبز السميد إذا عجن باللبن أو بالزيت وقلل ملحه وخميره، خبر الحواري المحكم الصنعة، والهريس باللحم السمين وبالشحوم وبالدجاج المسمنة، والأرز والحنطة المسلوقة، والحمص بالحلم وبغيره الباقلى واللحم باللبن الفجج بفصوص البيض واللحم بالجوز والدجاج المسمنة ولحم الخروف الراضع ودماغ الثور ولحوم العجول المحاح «حمع مح» والقلوب أجنحة الأوز السمك الرطب الطري وجميع الألبان، لا سيما اللبن الغليظ مثل لبن البقر والنعاج والجبن الطري ونبيذ العسل والمربى بالبرية ونبيذ التين والشراب الحلو الأحمر الخليط وشراب البر والبطيخ والتمر الحلو والشلجم «نوع من أنواع اللفت أو البنجر» والجوز وجميع اللبوب ـ كاللوز والفستق والبندق والنارجيل «جوز الهند» والفانيد واللوز بالسكر والعنب الحلو الحديث والتين الأخضر.

– أغذية تهزل الأجسام وتنحفها «التخسيس»  

الإدمان على خبز الشعير والذرة والبقول وكل غذاء حامض كالخل والزيتون والصبر، وكل حريف كالثوم والبصل والكرات والجرجير وما أشبه ذلك.

ومداومة الصوم والأكل مرة في اليوم ومصابرة الجوع والعطش وشرب الشراب الرقيق العتيق والإقبال على أكل الحوت المملوح العتيق وإطالة المكث في الحمام والتعرق الكثير فيه «أي في الحمام» وفي الشمس.

وهكذا سبق ابن النفيس أطباء عصرنا في فهم أهمية الغذاء والتغذية في الصحة والمرض.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم