الصحة والغذاء

العالم يرفع الظلم عن البيض

قد لا يذكر التاريخ طعامًا تعرض للظلم مثلما حدث مع البيض؛ فمنذ نحو نصف قرن وهذا الطعام مفترى عليه بأنه من أهم أسباب ارتفاع الكولسترول لدى الناس.

بداية الحكاية

فقد استفاق الأطباء في ستينيات القرن الماضي على دراسات تؤكد أن ارتفاع الكولسترول في الدم من أهم أسباب الإصابة بأمراض شرايين القلب. ولأن البيض هو أقرب وأشهر منتج غذائي يحتوي على كميات عالية من الكولسترول، فقد انصب جل الهجوم عليه وأصبح كبش الفداء للأطعمة الأخرى المحتوية على الكولسترول؛ حيث صدرت نصائح من جهات طبية وعلمية تحذر من تناوله وتحدد عدد البيضات التي يسمح للفرد بتناولها أسبوعيًا. ومما زاد من شدة الهجوم على البيض حقيقة أن محتوى البيض من الكولسترول يمثل تقريبًا نصف ما تحتوي عليه الوجبة النموذجية في الغرب.

واستمر الاعتقاد أن الكولسترول الموجود في الأغذية يساهم مباشرة في رفع مستوى كولسترول الدم، حتى ظهرت دراسات تفند هذا الاستنتاج الجائر.

ففي عام 2001،  نشر باحثون من جامعة «ولاية كنسناس» الأمريكية أول دليل علمي على أن امتصاص الكولسترول الموجود في البيض يقل بواسطة مكون آخر موجود في البيض يعرف باسم مركب الليثين Lecithin. وخلص هؤلاء الباحثون في دراسة أجروها إلى أن الناس الذين يتمتعون بمستويات كولسترول طبيعية في دمائهم وليس لديهم تاريخ مرضي في أمراض القلب والأوعية الدموية، لا يجب أن يقلقوا من استهلاك بيضة أو اثنين في اليوم. وأكد أصحاب الدراسة أن الفوائد الناجمة عن تناول البيض تفوق كثيرًا ما قد يحدث من أضرار جراء ذلك؛ حيث يعد البيض مصدرًا جيدًا للبروتين عالي الجودة ويتفوق في ذلك على بروتين اللحم واللبن والسمك. كما أن البيض مصدر جيد لفيتامينات أ، هـ، ب6، ب12 والفوليت الذي يعرف فائدته في تقليل مستوى مركب آخر في الدم يعرف باسم  الهوموسيستين Homocysteine وهو من عوامل الخطورة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

حملات تصحيحية

ومنذ صدور هذه الدراسة ودراسات تالية ذات نتائج متشابهة، بدأ الحديث في الأوساط الطبية والعلمية على استحياء حول ضرورة تصحيح المعلومات التي تربط بين استهلاك البيض ومستويات الكولسترول في الدم إلى أن وصلنا إلى بدء حملات طبية لتوعية الناس والأطباء بصفة خاصة بفائدة تناول البيض وإلى اعتراف هيئات طبية عالمية بأن النصائح القديمة لم تبن على أساس علمي سليم.

ومن هذه الحملات حمله شنها «الاتحاد التركي لمنتجي البيض» أوائل عام 2008 م وهدفت إلى رفع الوعي بفوائد تناول البيض وتصحيح المعتقدات الخاطئة ومنها اتهام البيض بأنه المسبب الرئيسي في رفع نسبة الكولسترول في الدم، واختتمت الحملة فعاليتها في أكتوبر 2008 وشملت مؤتمرات عامة وحلقات نقاش ومحاضرات في المدارس وتوزيع مطويات تعريفية.

وأكدت «ديزيا بالا» رئيسة «الاتحاد التركي لمنتجي البيض» أن الحملة حققت نتائج جيدة، لكن هناك حاجة لبذل المزيد من الجهود. وأوضحت أن منظمي الحملة أجروا دراسة مسحية حديثة تبين من خلالها أن المعدل الحالي لاستهلاك المواطن التركي من البيض سنويًا يبلغ نحو 161 بيضة، لكنها اعترفت أن هذا الرقم يقل في بعض المناطق ليتراوح بين 140 و150 بيضة للفرد سنويًا.

وأضافت أن هذه الدراسة من دلائل نجاح الحملة؛ حيث تحتل تركيا موقعًا متوسطًا بين الدول من حيث معدل استهلاك الفرد فيها للبيض سنويًا بنحو 115 بيضة وفقًا لـ«المرشد التنفيذي لاتجاهات استهلاك الدواجن عالميا ».

ووفقًا لهذا المرشد تقود المكسيك العالم في معدل استهلاك البيض بنحو 344 بيضة للفرد سنويًا، ثم اليابان بنحو 330 بيضة للفرد سنويًا.

هيئة للدفاع عن البيض

وفي أستراليا تشكلت «مجموعة النصيحة بفوائد البيض» من أطباء للقلب وأخصائيي التغذية على أعلى المستويات. ووضعت هذه المجموعة لنفسها هدفين، الأول هو دفع الناس إلى الاستفادة من العناصر الغذائية الموجودة في البيض التي لا تتوفر مطلقًا في أي منتج غذائي آخر بهيئة غنية ومتوفرة لكل الناس مهما كانت حالتهم المادية وأيضًا سهلة التناول والهضم. والهدف الثاني هو إعادة ترتيب فهم الأطباء والناس إلى أوليات حمية الكولسترول، فمن العبث الاهتمام بكولسترول الغذاء الذي لا يشكل نسبة مهمة على الإطلاق في مستوى كولسترول الدم. فقد تبين وجود خلل في الفهم محصلته النهائية النصيحة بالحد من تناول البيض، ما يحمل الأطباء في مجالي القلب والباطنية جهدًا كبيرًا لتوجيه النصيحة الطبية والسلوك الغذائي للناس نحو الطريقة السليمة للتعامل مع الكولسترول.

وسعت المجموعة في حملتها إلى توجيه الناس إلى حقيقة هامة وهي أن الأولوية للحد من ارتفاع نسبة كولسترول الدم هي التقليل إلى حد كبير من تناول الدهون المشبعة مثل تلك المتوفرة في الشحوم الحيوانية ومنتجات الألبان وزيت النخيل وجوز الهند. ثم الإكثار من تناول الزيوت النباتية غير المشبعة وبالأخص ما كان منها طبيعيًا مثل زيت الزيتون أو أي زيت نباتي آخر. فضلاً عن الحد قدر الإمكان من الشحوم الصناعية التي توصف بأنها متحولة كالتي في الحلويات المخبوزة مثل الدونات والكيك. وأخيرًا يأتي دور الكولسترول في الغذاء كالذي في البيض أو الربيان ومنتجات الألبان أي أنه أقلها أهمية.

ويؤكد هذا الدكتور «كارام كوستنر» أستاذ القلب المشارك بجامعة «كوينزلاند» في أستراليا وعضو «مجموعة النصيحة بفوائد البيض» قائلاً: الأدلة العلمية تشير بوضوح إلى دور مفيد للغاية يقوم به البيض متى ما أضيف إلى الوجبة الغذائية الصحية بما يفوق في الأهمية بمراحل الحديث الذي يذكره الناس عن علاقته بالكولسترول. وأضاف أن المجموعة راجعت بتمعن الدراسات الحديثة التي أشارت بوضوح إلى أن تقليل تناول الدهون المشبعة وإنقاص وزن الجسم وتناول أدوية ارتفاع الكولسترول هي أمور أهم بكثير من البحث في فوائد تقليل تناول البيض.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم