الصحة والغذاء

ماذا تعرف عن التسمم بالزئبق؟..

هناك عدد لا بأس به من أشكال نادرة للضرر السمي الذي لا تستطيع طرق العلم الحديث تصحيحه. وأهم أشكال الضرر هذه تقع بسبب معادن معينة مثل الرصاص والزئبق والكاديموم والألومنيوم، التي لا يستطيع الكبد أن يتعامل معها. ولحسن الحظ فإن حالات التسمم الناجمة عن تلك العناصر هي غير مألوفة. ويجب أن يكون تشخيص تلك الحالات صحيحًا؛ لأن معالجتها قد تكون خطرة.

إن كميات تلك المعادن التي تستهلك عادة هي في منتهى الصغر، ولكننا الآن نستطيع أن نقيسها باستخدام تقنيات تحليلية حساسة وممتازة ومتوافرة لدينا. وفي الحقيقة، فإن التأثيرات السامة تحدث فقط في حالات التعرص الصناعي طويل الأمد، أو التلوث، أو الطعام والشراب الملوث، أو الإصابة بأمراض وراثية نادرة. وللمركبات الكيماوية متلاحمة الذرات مكانتها في معالجة تلك الحالات النادرة.


إن تلك المركبات هي كيماويات تعلق بقوة بمعادن معينة، وتجعلها قابلة للإفراز عن طريق البول. وهي ليست خالية من الخطر، وإنه لمن عدم المسؤولية أن يروج لاستخدامها في حال عدم وجود دواع واضحة لاستعمالها، ولا ينبغي استخدامها أبدًا لتخليص الجسم من كميات المعادن الضئيلة، غير الرئيسة، وغير الضارة، التي توجد عادة في أطعمتنا.


لقد أجريت دراسات جيدة تتعلق بالتسمم بمادة الزئبق، وكان هذا شائعًا عندما كانت تلك المادة تستعمل في صناعة القبعات. وأدى استنشاق الدخان المعدني إلى تلف في الدماغ، ولهذا أطلق على الشخصية الكرتونية التي تودي دورًا في قصة (أليس في بلاد العجائب) اسم مبني على أساس طبي وهو «ذو القبعة المجنونة»؛ لأنه كان يرتدي قبعة. وقد اختفى التسمم بمادة الزئبق كليًا من مسرح الأحداث، عندما سلم بسمية الزئبق المعدني. ولكنه ظهر مرة أخرى في الساحة، وفي اليابان تحديدًا، عندما سبب أكل السمك الموجود في خليج ميناماتا مرضًا في الدماغ. وكان الخليج ملوثًا بالزئبق المثيل، وهو شكل من أشكال الزئبق العضوي (لتميزه عن الزئبق اللاعضوي أو المعدني)، الذي كل من نتاج الصناعة المحلية المتدفقة.

إن الأسماك التي تسبح في ذاك الخليج امتصت واحتفظت بالزئبق العضوي في جسمها إلى درجة كبيرة جعلت من يأكلها بكميات كبيرة منها يصاب بشكل من أشكال التلف الدماغي. واختلفت طبيعة هذا الزئبق عما ينتجه الزئبق المعدني، ومع ذلك فقد كان مرتبطًا بالزئبق. وابتلي ما لا يقل عن ألفي شخص بما أصبح يعرف بمرض ميناماتا، وتوفي نصفهم. إن التسمم بالزئبق العضوي هو حقيقي وقاتل، ولكن لحسن الحظ نادر جدًا، إلا في الحالات التي تنجم عن التسمم الصناعي.


إن إمكانية قياس تركيب أطعمتنا وتدوينها أظهر أن أنواعًا أخرى من الأسماك الدهينة، بما فيها الأسماك التي تسبح في البحار المنفتحة، لديها إمكانية نقل كميات متناهية الصغر من الزئبق العضوي الموجود في محيطها وتخزينه في أجسامها. ومع أنه من الواضح أن الزئبق ليس ضارًا للأسماك ذاتها، فإن كميات الزئبق الموجودة في لحمها وبشكل خاص في دهنها، تقاس بسهولة باستخدام التقنيات التحليلية الحديثة. وقد أدى ذلك إلى الخوف الحتمي من أن سمك «التونة» وأسماكًا كبيرة مفترسة أخرى تعيش في المحيطات ويحتوي جسمها على الزئبق العضوي، الذي جعلنا نعتقد أنه «غذاء الدماغ» المثالي، وهو في الحقيقة ليس كذلك. وحاليًا فإن التحذيرات الملصقة على عبواته تفيد بأنه من المحتمل أن يؤدي إلى تسمم الدماغ، ولا سيما للسيدات الحوامل؛ لأنه قد يؤثر في الأجنة. إن كميات الزئبق التي نتحدث عنها هي ذات أحجام مختلفة من تلك الموجودة في أسماك مياه خليج ميناماتا، والمقارنة بين مخاطر تناول «تونة» المحيط مع تناول الأسماك الموجودة في الخليج هي مقارنة سخيفة. وعلى الرغم من ذلك، فقد أجريت تلك المقارنة من قبل السلطات الضابطة فقط من أجل الحفاظ على السلامة.
ولكن، وبينما الخوف من الزئبق جراء أكل أسماك المحيط قد انجلى، فلقد حل محله خوف آخر يتعلق بالزئبق. إنه الزئبق اللاعضوي في حشوة أسناننا ما يسبب لنا التسمم. إن الكميات التي تدخل إلى أجسامنا فعليًا من حشوة الأسنان هي قليلة جدًا، بحيث لا تسبب لنا أي ضرر. وعلى الرغم من هذا، فإن بعض أطباء الأسنان قد استغل هذا الخوف الذي ولد من وجود السم المحتمل في أفواه مرضاهم، فأقنعوهم بإزالة حشوة الملغم وتعويضها بمواد صناعية جديدة. وقد أجريت حسابات تفيد بأن درجة التعرض إلى الزئبق في أثناء إزالة حشوة الملغم هو مساو للتعرض إليه مدى الحياة إن بقي في مكانه.

ويختلف الوضع كليًا لدى أطباء الأسنان ومساعديهم؛ لأنهم يتعرضون إلى دخان الزئبق عندما يقومون بتحضير حشوة الملغم، وإلى أي إراقة قد تقع، وقد يسبب هذا، وفي ظروف خاصة، إحداث مستويات عالية من السمية التي قد تسبب أعراضًا. ولذلك، فمن السهل أن ندرك لماذا يكون أطباء الأسنان حذرين من استعمال الملغم الزئبقي الآن، وقد توافرت مواد أفضل؟ وقد اقترحت الهيئة الأوروبية منع استخدام الملغم الزئبقي في موازين الحرارة وضغط الدم ومقاييس الضغط الجوي، وما هذه إلا نماذج قليلة من أدوات المنزل التي تستخدم في صناعتها تلك المادة التي من المفترض أن تشكل خطرًا على صحة هؤلاء الذين يقومون بتصنيعها. وهنا يجب أن نسأل: هل الخوف من التسمم بمادة الزئبق قد زاد على حده؟
بقلم: فينسينت مارك

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم