الصحة والغذاء

كيد النساء وطبق حلوى

ثلاثة اجتمعوا في مقالنا هذا : طبق حلوى يسيل له اللعاب، وتتحلب له الآفواه  ، وتتطلع اليه العيون ، فهو طبق دمشقي أصيل صنع بأصالة أهل دمشق ، مواده الفستق الحلبي اللذيذ المحمص ، والسمن البري ( البلدي )

والطحين الحوراني ، وماء الزهر الطرابلسي ، والسكر الدمشقي الأبيض المصفى ، تفوح رائحته من بعيد فيأسر ويسحر .

ورجل بكل مافي الكلمة من معنى ، رجل ولا كالرجال لا تجرؤ العيون على النظر في وجهه الذي امتلآ صرامة وحدة وجدا الى جانب بسمة خفيفة تلمع معها عيناه فيطمئن الناظر اليه ، وجسم طويل  يكاد يبلغ المترين ، وأكتاف عريضة ، ولحية بين البيضاء والحمراء  وقوة عجيبة ، وجنان حاضر ، وقلب ثابت ، يدفعه الى أن يهوي بيده على رأس الثعبان الضخم الكبير ويجعل رجله على قسم من جسده فلا يستطيع الثعبان حراكا هذا الثعبان الذي التف على جسد الخروف في بستان البيت فكسر أضلاعه وكان سبب موته .

وابنتان هما أحب أولاده اليه احداهما متزوجة فيمن تزوج من أولاده والثانية عزباء .، وكانتا متحابتين بشكل عجيب ، وكان الأب موطن التقدير والاحترام ، لايرد له أمر ولايهمل له كلام ، محبته راسخة في قلوب أولاده مع أنه كان صارما وقوي الشخصية وقد زوج أولاده جميعا وأسكن الذكور منهم في  داره الفسيحة وبقيت عنده في البيت أنثى عزباء كانت سلوته عن بناته اذا غبن عنه وكان يحبها حبا شديدا ويعطف عليها ، وكانت تخاف عليه كثيرا فقد كان مبتلى بمرض السكري لذا كان همها أن تبعد عنه الحلويات والسكاكر التي كان مغرما بها ، والتي ماكان بيته يخلو منها .

وكعادته أحضر يوما عددا من أطباق الحلوى الشامية الجيدة ، وبادر الى رفع أحد هذه  الأطباق فجعله في خزانة في الحائط يسميها أهل الشام الكتبية ، وحظر على أولاده أن يمسوه.أو أن يأكلوا منه .

لم يكن الرجل بخيلا وانما كان كريما فاذا زارته احدى بناته أو أحد أنسبائه بالغ في الاكرام .

حضرت يوما كبرى بناته المتزوجات ولم يكن في البيت فتلقتها أختها بالترحيب والقبل ، وجلست الاثنتان تتحدثان ، وأحست الأخت العزباء أن عليها واجب الاكرام لأختها وفكرت فما وجدت في البيت شيئا سوى طبق حلوى أبيها فأحضرته وقالت الكبرى لاأريد أن آكل منه فان أباك اذا حضر ورأى أننا أكلنا من الطبق فسيغضب  وأنا لاأريد اغضابه ، وقالت الصغرى : لاعليك فقد وضعت خطة لايكتشف أنك أكلت من الطبق وراحت تروي خطتها وقالت الكبرى : حقا انك داهية ماكرة .

قعدت الأختان والطبق بينهما والأخت العزباء تأخذ قطعة الحلوى فتجعلها في فم أختها ولاتسمح لها أن تمس ما في الطبق  وهي لاتذوق الحلوى ولا تأكل منها حتى اكتفت الأخت الكبيرة فأعادت الصغرى الطبق الى مكانه في الكتبية .ولم يمض زمن حتى حضر الأب فقامت البنتان تقبلان يده وقبل ابنته الكبرى وقعد يسألها عن حالها وحال زوجها وأولادها ثم قام الى الكتبية فأحضر طبق الحلوى يريد اكرام ابنته .ووضعه أمام ابنته وكشف غطاءه فاذابالدهشة تسيطرعليه مما رأى فالتفت الى ابنته الصغرى قائلا : أنا بيدي وضعت الطبق في الكتبية مليئا وغطيته فمن أكل منه  ؟وقامت الصغرى تقسم الأيمان المغلظة بأنها ما أكلت شيئا من الحلوى ولا وضعت قطعة منها في فمها وما ذاقتها وقال الأب أكبر ظني أنك كاذبة والتفت الى الأخت الكبرى يسألها عن الطبق فأقسمت بأنها ما مست قطعة منه ولاحملت جزءا ، وفي هذه الفترة كانت الصغرى قد أحضرت مصحفا وقالت أنا مستعدة للقسم على المصحف بأني ما ذقت قطعة ،وقالت الكبرى وأنا مستعدة أن أقسم على أني مامسست قطعة .

وقف الأب والدهشة تسيطر عليه ففي الاسلام من أقسم يجب أن يصدق ولو كان كاذبا والقسم كاد يصل الى الحلف على المصحف وهو أمر مخيف ، والتفت الأب الى ابنتيه فقال لست حشاشا ولامجنونا وأنا وضعت الصحن بيدي مليئا فهل أكلت منه الجن ؟ وقالت الصغرى لعلك أكلت منه ونسيت وقال الأب : ويلكما أنا الذي تخافني الرجال وتفر مني الثعابين ويحترمني الجميع وتلعب بي ابنتان من بناتي  والواجب علي أن أصدقهما  ولست أقول الا انه من كيدكن وان كيدكن عظيم  ، ثم فتح الباب وخرج .

وتبسمت المرأتان وكتمتا ضحكة كادت تغلبهما ، وقالت الصغرى : أرأيت اننا لم نكذب فأنا ماذقت شيئا ، وأنت ما مسست شيئا فقد كنت أطعمك بيدي ، وسمعت الاثنتان صوت الباب الخارجي يفتح ،وصوت الأب يقول ان كيد النساء قد غلب كيد الرجال .

محمد سعيد المولوي

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم