الصحة والغذاء

الليكوبين.. ينبوع الشباب والحيوية

لا يعتبر اللون الأحمر القاني لكل من الطماطم والبطيخ الأحمر، مجرد واجهة لشد الأنظار وحمل لعاب الآكلين على السيلان. لكن له وظيفة صحية أيضًا هي مكافحة الأمراض. فهذا اللون يعود إلى وجود الليكوبين النباتي وهو من مضادات الأكسدة التي تمنع تراكم الشوارد الحرة الغادرة داخل الشرايين والأوعية، كما تقمع نزعات التمرد في الخلايا والأنسجة.

مزيد من الأسرار

لقد اكتشف باحثو التغذية أسرارًا جديدة عن الأغذية النباتية وعلاقتها بصحة الإنسان. عثروا فيها على الآلاف من مواد كيميائية طبيعية ذات تأثير صحي مفيد. وهي ليست من المغذيات كالبروتينات والدهون والكربوهيدرات والمعادن والفيتامينات، بل مواد تعرف «بالكيميائيات النباتية» أو كيميائيات الفايتو «Phytochemicals».

لكن المدهش أن العديد من هذه الكيميائيات ليست سوى مرادفات لذات الأصباغ الطبيعية التي تتلون بها النباتات. أي أن القيمة الصحية والوظيفية التلوينية في النبات هما في الحقيقة شيء واحد وفقًا لهذا المقياس، فإن الليكوبين النباتي (Phyto Lycopene)، هو صبغ شاف وصحي فضلًا عن كونه يسعد العيون قبل أن تلذ به الأفواه.

هل تعرف الليكوبين؟

في أعماق خلايا النبات ينطوي سر (البلاستيدات) التي تبدو سابحة في السيتوبلازم كأجسام بروتينية دقيقة عدسية الشكل، كما يعزى إلى أصباغها لون أجزاء النبات.

 إن اللون الأخضر لثمار الطماطم غير الناضجة إنما يعود إلى غلبة أصباغ اليخضور (الكلوروفيل) وقلة الأصباغ الكاروتينية في البلاستيدات. في حين يعود لون الثمار أثناء تطور عملية النضج إلى غلبة الأصباغ الكاروتينية، الصفراء منها والبرتقالية والحمراء.

وعلى هذا النحو فإن الصبغ الذي يضفي رواء الحمرة على ثمار الطماطم تامة النضج، إنما هو أحد أنواع الكاروتينويدات غير الحلقية الذي يعرف بالليكوبين ويستمد اسمه من الاسم العلمي للطماطم  «Lycopersicum esculentum»، بحسبان ثمارها هي المصدر الأهم له والأساسي.

أما على جبهة التشييد الحيوي للصبغ، فإنه يجرى بصفة عامة كجزء أساسي في تركيب البلاستيدات الخضراء، كما يحدث متزاملًا مع تطور البلاستيدات الملونة، على الأخص أثناء مراحل نضج الثمار.

فالواقع أن تركيز صبغ الليكوبين الأحمر يتضاعف مرارًا بتقدم عملية النضج، في الوقت الذي يزيد فيه تكسر الكلوروفيلات الخضراء. وهو ما يفسر نتائج التحليلات الكيميائية التي تظهر أن تركيز الليكوبين في ثمار الطماطم الخضراء لا يتعدى 0.11 ملليجرام لكل مائة جرام. في حين يبلغ التركيز في الثمار نصف الناضجة 0.84 ملليجرام لكل 100 جرام. وفى الثمار تامة النضج يصل التركيز إلى 7,85 ملليجرام لكل مائة جرام. وعلى أية حال فإن مالا يقل عن 90% من محتوى الكاروتينويدات في الطماطم الناضجة الحمراء لابد أن يوجد في صورة ليكوبين.

وظائف جديدة

ظل الاعتقاد زمنًا طويلًا بأن وظيفة الليكوبين هي تلوين بعض أنواع الثمار على نحو يشد الأنظار ويحمل لعاب الآكلين على السيلان. على أن باحثي التغذية أضافوا في السنوات الأخيرة وظيفة أخرى غير متوقعة إذ تبين لهم أن هذا الصبغ من أقوى مضادات التأكسد، (ومضادات الشيخوخة) التي اختبرت حتى الآن.

وهذه هي المواد التي تقف بحزم ضد جحافل الشوارد الحرة، هي عبارة عن الجزيئات أو الذرات التي فقدت أحد إلكتروناتها فصارت من ذوات العدد الفردي من الإلكترونات، مما يجعلها قابلة للاتحاد بمركبات أخرى متعددة. فهي لا تتوانى أثناء بحثها المجنون عن الإلكترون المفقود عن أن تدمر في طريقها الخلايا السليمة لتنتج حزمة أخرى من الشوارد الحرة في تفاعلات انقسامية ثنائية تصبح بدورها تفاعلات متسلسلة، لا تكاد تتوقف عن التدمير والتخريب. وهذا هو ما يعضد دورها في ظهور أعراض الشيخوخة في الأبدان.

فالواقع أن تغضن الجلد هو تعبير عن حدوث تكسير في بنية كولاجين بفعل هذه الشوارد. كما أن ابيضاض الشعر هو إعلان عن عدوانها على بصيلات الشعر التي تفقد قدرتها على إنتاج صبغتها الملونة.

وهكذا على كافة أعضاء الجسم وأجهزته فإن الشوارد الحرة تؤكد وجودها وتثبيت دورها التخريبي. وطبيعي أن مثل هذا العمل يوجب حشد المزيد من مضادات التأكسد في الأبدان لرصد تحركات الشوارد ومعادلتها قبل أن تتعرض للخلايا بالسوء.

وعند هذا الموضوع فإن خبراء التغذية وجدوا أن الليكوبين النباتي يعد من أقوى مضادات التأكسد الفاعلة في الأبدان والقادرة على أسر الشوارد المؤذية وتجريدها من سلاحها قبل أي تتمكن من القيام بأي أذى. ولذلك فإن بعض خبراء التغذية يعدون أطعمة الليكوبين بمثابة «محطات توليد الطاقة والمناعة ضد الشيخوخة» ويعدها آخرون بمثابة «ينابيع الشباب الدائم والحيوية».

د. فوزي عبدالقادر الفيشاوي – أستاذ علوم تكنولوجيا الأغذية   

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم