الصحة والغذاء

العوامل النفسية لمشاكل التغذية لدى الأطفال

للحالة النفسية للطفل دور هام في مدى تقبله لتناول الغذاء بعناصره المفيدة دون عناء ومشقة، لذا يجب الاهتمام بدور التربية والغذاء، أثناء وبعد الولادة، وطوال المراحل الدراسية الأولى للطفل. ويجب الإشارة هنا إلى المقاصف المدرسية وعلاقتها بصحة التلاميذ، وهؤلاء قد يكونون ضحية للنظام غير الصحي المتبع، خاصة تلك الأساليب المتبعة في حفظ الأغذية وتخزينها. كما يجب أن تتضافر الجهود لإيقاف تلك السموم المسماة بالوجبات السريعة التي تسبب فقر الدم وأمراضًا أخرى، وقد يكون الدافع الأكبر وراء تلك الوجبات وعدم الالتزام بالوجبات الصحية المنزلية، عوامل نفسية وجسمية كثيرة من أهمها:

– الإنهاك الجسمي والنفسي للطفل، كقلة النوم، وقلة ممارسة الرياضة والترويح عن النفس، والاستذكار لساعات طويلة، ما قد يؤدي إلى ضعف الشهية للأكل. والملاحظ أن الأطفال يأكلون صيفًا أكثر مما يأكلون شتاء، في حين أنهم يحتاجون في الشتاء إلى طاقة حرارية أكبر، لأنهم في الشتاء يعانون ضغط الدراسة وعناءها والعمل المستمر في الدراسة والاستذكار ليلاً ما يؤدي بهم إلى الشعور والإجهاد أحيانًا.

– الانفعالات النفسية كالغضب والحزن والغيرة والشعور بالنقص، ما يزيد من توتر الطفل نفسيًا وجسميًا، فيلجأ إلى إنقاص التوتر بالأكل أكثر مما يحتاج إليه جسمه، أو يعزف بعض الشيء عن الطعام فيصاب بفقدان الشهية.

– المرض النفسي: فمن أعراض الأمراض النفسية الشعور بالذنب، أو بالامتناع عن الأكل في بعض الأكلات، وقد يلجأ الطفل الذي يعاني الشعور بالاضطهاد إلى الامتناع عن الأكل كوسيلة لعقاب الأم.

– التقليد: إذا يلجأ كثير من الأطفال إلى تقليد الأم التي تنقطع إلى حد كبير عن تناول الطعام (عند عمل رجيم) لتخسيس نفسها وإنقاص وزنها، أو تقليد الأب الذي لا يتناول طعام العشاء، أو لا يتناول طعام الإفطار بصفة دائمة مكتفيًا بكوب من الشاي وسيجارة.

ويمكننا القول إن الأطفال الذين يعانون مشاكل سلوكية في التغذية هم الأطفال سيئو التكيف الانفعالي بسبب أمومة أو بيئة منزلية غير سليمة، وليس هناك ما يفسد جهود الآباء في تكوين عادات الأكل الطيبة في أطفالهم، أكثر من أن يدرك الطفل مدى الاهتمام الذي يظهره الأب أو تظهره الأم نحو تغذيته، لأن التغذية عملية يجب ألا تقترن بالقلق، والانفعالات النفسية.

 نصائح للآباء

– يجب أن يكون الآباء على درجة كبيرة من المرونة، وعدم اتباع نظام صارم في إطعام الأطفال، حتى لا يصبح تناول الطعام بالنسبة للأم، وبالنسبة للطفل مشكلة، فيرتبط الأكل بانفعالات نفسية ضارة، وبكراهية سلطانهم، وضعف الثقة بالنفس.

– يجب أن يدرك الآباء أن البدانة ليست دليلاً على الصحة وأن التغذية السليمة هي التي تحتوي على الفيتامينات والأملاح والمعادن والدهون اللازمة للجسم بنسب معقولة، وإن ذلك لا يتأتى بإرغام الطفل على تناول أكبر قدر ممكن، بل يتحقق بالتغذية على أساس علمي سليم.

– يجب ألا يصر الآباء على أن يأكل الطفل أطعمة مشهورًا عنها أنها غنية بنوع من الأملاح أو الفيتامينات، كالسبانخ أو الجزر، إن كان الطفل يرفض أكلها، فالطفل سيحصل على الحديد الموجود في السبانخ، وعلى فيتامين (أ) الموجود في الجزر من أصناف الخضراوات الأخرى. فإن ترك الطفل على حريته مع إفهامه بطريق غير مباشر، أهمية أكل الخضراوات التي لا يأكلها، أمر ضروري، لأن إجباره على أكلها يزيد من كراهيته لها، ويؤدي به إلى ثورة نفسية مكتومة قد تؤدي به إلى مشكلة سلوكية غذائية، كالقيء أو التقزز من هذا النوع من الطعام كلما سمع عنه أو رآه.

– يجب ألا يقلق الآباء والأمهات من عدم تناول الطفل الكمية اللازمة له في إحدى الأكلات، بل حتى إذا أضرب عن تناول الكمية الكافية إلى الأكلة القادمة، ذلك لأن القلق يدفع الطفل إلى استعمال التغذية كوسيلة للسيطرة على البيئة ولاستدراك العطف وجعل نفسه مركز اهتمام الوالدين.

– يجب أن ندرك أن مناسبة تناول الطعام فرصة ملائمة ليتعلم الطفل خلالها الاعتماد على نفسه، والتعاون، ومساعدة الآخرين واحترام المواعيد.

– لا يصح إرغام الطفل على تناول الطعام وهو في حالة غضب أو ضيق، أو أي انفعال آخر، كما لا ينبغي أن نرغم الطفل قسرًا على ترك اللعب إذا كان مشتغلاً به مع أقرانه ليحضر لتناول الطعام فجأة، بل يجب أن نطلب إليه أن يحاول أن ينتهي من لعبه، أو يؤجله ويحضر لتناول طعامه لأن الطفل الذي يحضر لتناول طعامه قسرًا، أو وهو في حالة انفعال شديد نتيجة اللعب قد يجد نفسه فاقد الشهية للأكل.

– يجب أن نتأكد من أن سبب البطء في تناول الطعام ليس لوجود صعوبات في المضغ بسبب تآكل الأسنان أو تشويه بالفك، أو لشعور الطفل بالإجهاد، أو لأنه جائع، كما أنه كثيرًا ما يلجأ الأطفال إلى البطء في تناول الطعام لأنهم ينظرون إلى ذلك كنوع من اللعب. إن البطء في تناول الطعام يكون مشكلة سلوكية إذا كانت له صفة الاستمرارية، وإذا كان مصحوبًا بأحلام اليقظة وشرود الذهن أو الغضب وقت تناول الطعام، إلى غير ذلك من الانفعالات السلبية.

– يحسن استشارة الطفل بين الحين والآخر، وحبذا لو أمكن ذلك بصفة مستمرة، عن ألوان الطعام الذي يطبخ من يوم لآخر. إن إشراك الطفل في هذا القرار يجعله يتناول الطعام دون مقاومة أو اعتراض، ويجب طبعًا تنويع الطعام وتقديمه بطريقة شائقة وجذابة.

– يجب تفادي الآباء الإسراف في مد الأطفال بالحلويات والسكريات بين الأكلات الرئيسة، حتى لا يشعروا بعدم الرغبة في تناول الطعام، كما يجب أن يدركوا أنهم لو تركوا الأطفال لأنفسهم وحريتهم، فإنهم سيجوعون ويأكلون المقدار الضروري للصحة والنمو.

– عدم إثارة المشاكل حول تغذية الأطفال، ومساعدتهم على تناول طعامهم في جو هادئ يتسم بالشعور بالأمن والطمأنينة، أو الثقة بالنفس، فيتناول الأطفال طعامهم في شهية حسنة، مهما كان نوعه، ويتخلصون من العناء والضيق الذي يعانيه الكثيرون في حياتهم نتيجة عدم التكيف في الطفولة ومشاكل التغذية التي كانوا يعانونها في صغرهم.

وليس الأمر مقصورًا على الأطفال الصغار فقط، وإنما يمتد ليصل إلى الجنين في بطن أمه، فإن الأم التي تكون حاملاً للمرة الأولى قد تسمع نصائح زميلاتها أو جيرانها، وقد يكون بعضهن ليس لديهن خبرة سابقة، ورغم ذلك تتلقى منهن النصائح، وقد تكون تلك النصائح خاطئة، فتؤثر بالتالي على صحتها وصحة جنينها. إذن لا يجب أن تخرج النصائح، ولا يستمع إليها، إلا من المتخصصين في المجال الصحي.

أ.د. نبيل سليم علي

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم