الصحة والغذاء

الانفتاح الغذائي… والبوفيهات المفتوحة !!

عاشت بعض الدول العربية مصاعب اقتصادية جمة انعكست على المجتمع إبان انطلاقة ما سمي في حينه الانفتاح الاقتصادي وهو المصطلح الذي حمل أكثر مما يحتمل ونتج عن بعض مراحله تركة اقتصادية ثقيلة ربما تكون حسنتها الوحيدة أنها أطلقت شرارة الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة ومشاريع التخصيص في بعض هذه البلدان.

وسبب الاستهلال بالانفتاح هو حكاية «البوفيه المفتوح» الموضة التي انطلقت من الفنادق ثم انتشرت حتى شملت مطاعم «الصنادق»، مرورًا بمناسبات الأفراح ومناسبات الشركات وغيرها، فأصبحنا نرى بوفيهات مفتوحة في مناسباتنا تبدأ بالخرفان وتنتهي عندها وهي الوجبة المفضلة في الأعراس لتعطيك انطباعًا أن القصة هي تكميل وبهرجة وتفاخر أكثر منها كرمًا وتغذية وتنويع المقدم للضيوف حتى يلائم جميع الأذواق.

المشكلة أن بعض الناس فهم الحكاية بالغلط فبدلًا من أن يكون البوفيه المفتوح مقننًا لكميات الطعام المستهلكة ومساعدًا على توفير غذاء لكل ذوق أو ظرف صحي، انقلب إلى كارثة غذائية اقتصادية مع تعامل البعض مع الموضوع وكأنه تحد لجمع أكبر كمية من الطعام.

الأصل في البوفيه المفتوح البدء بالمقبلات، ثم العودة لأخذ طبق رئيس، وأخيرًا الفاكهة أو الحلويات، لكن لأن ثقافة الاصطفاف معدومة في المجتمع وبالذات في  الأعراس يحرص الجميع على أخذ كل شيء دفعة واحدة رغم اليقين باستحالة أكل كل هذه الكمية.

أيضًا البوفيه المفتوح عادة يكون «للمخمخة» على الطعام بهدوء وروية أو «رواء» كما يلفظها الإخوة اللبنانيون، كما أنه بين كل مرحلة وأخرى فيها يكون هناك نوع من الحركة والذهاب والعودة تساعد على إتمام الوجبة بسلاسة، لكن وبالصورة المذكورة أعلاه تفتقد كل هذه اللمسات.

ويبدو لي أن بعض الأعراس سيحتاج أصحابها إلى توزيع أرقام للدخول في «السرا» على المدعوين، وإذا لم تنجح الفكرة فسيقومون بعمل حملة توعوية إعلانية تتولاها إحدى شركات الدعاية والإعلان.

وربما يتطور الموضوع ويصبح الأمر مفيدًا في خلق المزيد من فرص العمل حيث سيعمد كل صاحب مناسبة إلى استئجار رجل أمن خاص «سيكيورتي»  لحفظ النظام، لكن المشكلة إذا فسد هذا النظام ووجد بين المدعويين من كان ذا قرابة برجل الأمن ثم تبدأ الشفاعات والواسطات والازدحام عليه حتى يضطر لتعيين سكرتير وربما تكبر العملية ويحتاج إلى مدير مكتب.

البوفيه المفتوح فيه من روح إكرام الضيف بما يحب حيث تكون الخيارات متنوعة، وفيه كما يفترض من روح الاقتصاد والتقنين التي حث عليها الدين الحنيف، فضلًا عن أنه ممارسة حضارية وصحية لو أحسن استخدامها، ولو أحسن أيضًا تقديمها فبعض المطاعم ودور المناسبات تجهل أساسًا أبجديات إعداد مثل هذه البوفيهات أو توكلها إلى من لا علاقة له بها وهنا تصبح المشكلة مزدوجة وكأنها الصف الذي نراه في بعض هذه المناسبات.

محمد اليامي

المقال نشر في مجلة عالم الغذاء عام 2008م

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم