الصحة والغذاء

أشهى الأطعمة من بذور الأقطان

تم توجيه دعوة لأحد الإعلاميين لتجربة وجبة في المختبر من القطن. وقد قبل الإعلامي الدعوة وهو متشكك ومتردد. لكنه غيّر رأيه بعد تناول الطعام حيث هتف قائلاً: (هذا خبز رائع). فقال له خبير الأغذية والتغذية: (إنه مصنوع من دقيق بذور القطن والسجق). ثم قدم له طبقًا من حساء ساخن وقال: (جرب هذا..). ولشدة إعجاب الزائر صاح: لذيذ جدًا ومشبع.. رد عليه الخبير: هذا من بذور القطن أيضًا.. ثم قدم إليه طبقًا من الحلوى ولدهشته وجدها لذيذة بحيث يصعب تخيل أنها تحوي أي قدر من القطن.

في طابور البروتين

عند إعداد الطعام اليومي، يجب أن يوضع البروتين في المقدمة.. فهو أحد أصول الغذاء الرئيسية. بالإضافة إلى الأصلين الآخرين (السكري والدهني)، فهما يزودان الجسم بالطاقة من حرارة وحركة، لكن البروتين يبني هذه الأبدان وينشئ أعضاءها. 

وينقسم البروتين إلى نوعين: حيواني، ونباتي. والحصول على البروتين الحيواني يتطلب توفير قدر هائل من الطعام النباتي.. ولذلك، فالبروتين الحيواني، هو الأغلى ثمنًا، والأندر وجودًا وهو ما جعل العلماء يستهدفون توفير مصادر غير تقليدية للبروتين أو تحسين نوعية البروتين النباتي.

ومنذ بضع سنين فكر باحثو التغذية في بذور القطن والإمكانات التكنولوجية والتغذوية الباهرة لهذه البروتينات، وبالنسبة لمكونات بذور القطن المقشورة الغذائية، فقد خرج التحليل بالأرقام الآتية، في المتوسط: 6.28% ماء، و24.34% كربوهيدرات، و5.38% رمادا، و37.62% دهنا، و32.66% بروتينا. ولأنها غنية بالدهون، فقد استخدمت في استخراج أنواع من زيوت الطعام. إن البذور تعطي بالاستخلاص نحو ثلث وزن مكوناتها الصلبة زيتًا. ولذلك بدأ النقاش بين العلماء من أجل استخلاص البروتين النباتي مباشرة من بذور القطن، ثم وضعه على موائد الآكلين!

وقد ابتكر علماء التغذية طرقًا كيماوية وتكنولوجية تكفل الوصول إلى الحد الآمن المطلوب، كما شرع آخرون في إجراء تحسين وراثي لبذور القطن، بغية توليد سلالات جديدة. وأصبح في مقدور باحثي كيمياء الأغذية والتغذية أن يترجموا دقيق بذور القطن إلى عشرات المنتجات: خبز، لحم، بسكويت، حليب، جبن، أغذية أطفال، حلويات، ولقد فعلوا ذلك ببراعة وحذق.

معجزة غذائية

عالم التغذية الشهير (Scrimshaw) في معـــــهد أمريـــكا الوسطـــى للتــغذيــة (Institute of Nutrition of Central America) أعد خلطات غذائية للأطفال، تحتوي على كل الأحماض الأمينية الأساسية تحتوي على 38% من دقيق بذور القطن، و3% من مسحوق الخميرة، و1% من كربونات كالسيوم، و58% من دقيق ذرة أو دقيق أرز أو خلطة منهما تعادل هذه النسبة، كما تحوي 4500 وحدة من فيتامين (أ)، وسمي هذا المنتج (Incaparina- وهي مأخوذة من الحروف الأولى لاسم المعهد، ومن كلمة هارينا، التي تعني بالإسبانية– دقيق.

وقد ظهر أن المنتج يحتوي على 27.5% من البروتين الحيوي، وأن قيمته البيولوجية 72%، أما قيمة بروتيناته فتعادل القيمة المناظرة لبروتينات الحليب. وبعد أن أضاف الباحثون إليه الماء أصبح مشروبًا لذيذًا وصحيًا، قدموه إلى الأطفال الذين يعانون سوء التغذية بمعدل ثلاث مرات في اليوم.  وبعد شهور ثلاثة تحسنت صحة الأطفال. وتبين أن الكوب الواحد منه يكافئ في قيمته الغذائية قيمة كوب من الحليب، كما أنه يحتوي على سعرات حرارية تساوي ثلاث أوقيات من اللحم، ويوفر ثلث حاجة الجسم اليومية من البروتين. إضافة إلى رخص سعره موازنة بأسعار الحليب المجفف أو الطازج، أو البيض الكامل الذي يحتوي على القدر نفسه من البروتين.

هذه النتائج أغرت الباحثين بتقديم (الإنكابارينا) في دول أخرى فقيرة، يشيع بين أطفالها سوء التغذية أو نقصها، وتكررت قصة النجاح نفسها مرة أخرى. وكان ذلك إيذانًا بمولد معجزة غذائية، مادتها من بذور القطن.

لحوم نباتية

ومع الارتفاع المستمر في أسعار إنتاج اللحوم، سعى الخبراء لأن يتحول اللحم الصافي إلى خليط من اللحم والبروتين النباتي. وتقدم بعض المطاعم في الولايات المتحدة وأوربا، همبورجر مصنوعًا من اللحم وبروتينات الصويا، وبذور القطن.

وقد نجح علماء تكنولوجيا اللحوم في تجهيز خلطة جديدة للسجق، ذات قيمة غذائية وحيوية رفيعة، تحتوي على 14% من مسحوق الحليب، كمادة مالئة، بدلاً من دقيق بذور القطن. كما نجحوا في إعداد مصنعات لحوم بها 10% من معزول بروتين بذور القطن (منتج بروتيني تتراوح نسبة البروتين فيه بين 80 و90%).

لقد ثبتت بروتينات بذور القطن أقدامها في عالم مصنعات اللحوم، بعد أن رحب بها المستهلكون. فالواقع أنها إذ تضاف بنسب مضبوطة إلى المنتجات (كبديل للحم)، لا تؤثر في نكهتها أو لونها أو قوامها أو طراوتها. كما أنها منخفضة الأسعار. وهذا النجاح يطلق العنان للخيال في عالم جديد ورخيص من مصنعات اللحوم.

جبن من البذور

ويمتد الأمل إلى عالم الحليب والأجبان، إذ يتوقع خبراء التغذية أن أكثر من نصف الجبن سيكون مصنّعًا من بروتين النبات. وثمة أجبان يمكن تصنيعها من حليب دقيق بذور القطن لذيذة الطعم.

الفكرة تعتمد على وضع ماء في جهاز للخلط الميكانيكي – مقدار ثلثيه – ويكون الثلث الأخير من دقيق بذور القطن. لعدة دقائق، يضرب الخليط فتظهر رغوة كثيفة على سطحه مثل الكريمة التي تعلو سائلاً أبيض كالحليب.

وعندما يضاف حليب بذور القطن بنسبة 20-30%، إلى حليب بقري أو جاموسي، مع قليل من حمض لاكتيك، أو كلوريد كالسيوم، على درجة حرارة 70، تتكون (الخثرة) ويحدث التجبّن المطلوب، ويعطي جبنًا طريًا (توفو) يحتوي على البروتين.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم