الصحة والغذاء

أكلات العرب في الجاهلية والإسلام؟

لعلنا نبدأ بالحديث عن العصرين الجاهلي والإسلامي لتشابه الحياة الاجتماعية فيهما. ونستطيع أن نتصور أن المجتمع كان في ذلك الزمان على نمطين: المدني والبدوي، فحياة أصحاب المدن تختلف قليلاً عن حياة أهل الصحراء والبادية، لكن الخلاف بينهما لا يقضي على المشابهة والمشاكلة.

لقد عاش العربي في مجتمع أهم عناصره النخيل والإبل؛ لذا كان لهذين العنصرين العلاقة الوثقى بحياة العربي.

التمر والحياة البدوية

وتحدثنا كتب التاريخ والأدب عن كون التمر من أهم مقومات الحياة المدنية ومن العناصر الضرورية للحياة البدوية؛ ذلك أن المدن كانت تعج بأشجار النخيل.

وقد اشتد تعلق العربي بالتمر لميزات عديدة، فالتمر غذاء كامل يغني عن أي غذاء، وهو طيب وحلو، ونواه كان يدق وتغذى به الماشية، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تدق نوى التمر وتقدمها غذاء للماعز.

ومن أهم مميزات التمر أنه يمكن أن يُدخر على مدى السنة، فهو خير ذخر للعربي في حله وترحاله.

 ولعلنا نذكر ما أورده ابن هشام في السيرة عن غزوة الخبط حيث أرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- أبا عبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلا ليتلقى عيراً لقريش، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر، والسفر بعيد، فاستقبل أبو عبيدة واجبه بغبطة وتفاني، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم حفنة تمر، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم، وعندما فرغ التمر راحوا يتصيدون (الخبط) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء.. حتى بعث الله للجيش حوتًا إلى شاطئ البحر فأقاموا حوله عشرين يومًا يأكلون منه حتى صحت أجسامهم وسمنت وحملوا منه معهم إلى المدينة المنورة.

ولقد نصح الرسول عليه الصلاة والسلام بأكل سبع تمرات من العجوة يوميًا لمن أصابه سحر.

وفي الحقيقة أن التمر كان غذاء للعربي في المدينة وغذاء له في البادية.

 وتحدثنا الأخبار أن العرب كانوا يجمعون إلى التمر اللبن الحليب سواء أكان من النعم أو من الإبل.

أهم غذاء للعربي

ونستطيع أن نقول إن اللبن الحليب كان أهم غذاء للعربي في الجاهلية وصدر الإسلام إلى جانب التمر.

 ولعلنا نذكر كيف أتى غلام الرسول عليه الصلاة والسلام بقدح من لبن فشرب منه وحين استأذن الغلام عن يمينه أن يسقي الأشياخ أبا بكر وعمر فرفض الغلام.

 كما نذكر وفوده صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة على خيمة أم معبد، حيث وجد عندها شاه ضعيفة وهزيلة خالية من الحليب، فدعا النبي- عليه الصلاة و السلام- الشاة، ومسح بيده ضرعها، وسمَّى الله -جلَّ ثناؤه-، ثم دعا لأم معبد في شاتها حتى فتحت الشاة رِجليها، ودَرَّت. فدعا بإناء كبير، فحلب فيه حتى امتلأ، ثم سقى المرأة حتى رويت، و سقى أصحابه حتى رَوُوا (أي شبعوا)، ثم شرب آخرهم، ثم حلبَ في الإناء مرة ثانية حتى ملأ الإناء، ثم تركه عندها وارتحلوا عنها.

وسواء كان اللبن لبن شياه أو معزى أو إبل وسواء كان حلوًا أو حامضًا حاذرًا، فقد كان أحد عناصر الطعام الأساسية عند العرب، ولم لا يكون والعربي في صحراء مقيم أو راحل، إن عطش حلب ناقته وشرب، وكذا إن جاع والأمر نفسه إذا كان مسافرًا، وماذا يريد العربي من زاد إن كان معه تمر في جراب ولبن في ضرع.

ولقد حرص العرب على العسل لما ورد من الأحاديث الشريفة في فائدته، وكانوا يقصدون رؤوس الجبال وصدوعها، والأشجار الكبيرة يأملون أن يجدوا فيها العسل. وقصة (تأبط شرًا) الذي سطا على عسل بني هذيل قصة مشهورة.

اللحم والصيد

أما اللحم فكان غاية كل عربي سواء بدا أو استحضر، وكانت الشياه والإبل هي عمود تزويد الناس بالطعام وكثير من الناس كانوا ينحرون الإبل لإكرام الضيوف أو للمفاخرة.

وقصة مفاخرة غالب جد الفرزدق واحيحة بن الجلاح تنبئ كيف نحرت مئات الإبل من أجل تغليب أحدهما على الآخر.

وقد كانت الناقة خير صديق للعربي فهي راحلته في سفره وسبيل شبعه من لبنها ولحمها، وطريق ارتوائه من لبنها أو ما حوت كروشها من مياه.

 وما أظن شعرًا في العالم حوي الحديث عن عقر ونحر الإبل كما حوى الشعر العربي.

وإلى جانب الشياه والإبل كان الصيد أحد مصادر الطعام للعربي، وقد اشتمل الصيد على الطيور من نعام وقطا ودراج وحبارى… إلخ. كما اشتمل الصيد على الحيوانات كالغزلان والمها وبقر الوحوش وحمار الوحش.

وفي الشعر العربي قصائد رائعة في وصف الصيد نجد طرفًا منها عند امرئ القيس والحطيئة في قصيدته (وطاوي ثلاث).

وحين كان يشح الطعام ويذبح العربي شاه فإنه كان يعمد إلى صوفها فيعجنه بالدم ويشويه على النار. وبالطبع كان اللحم يؤكل مشويًا أو مسلوقًا، ولنا في الشعر العربي الجاهلي أو في صدر الإسلام معين ثر في هذا الباب.

وقد اضطر العربي في أيام الجوع إلى ذبح فرسه أو حماره وإطعامه للجائعين، وقصة حاتم الطائي في ذبح فرسه وإطعامه لقومه مثال رائع على ذلك.

أما الحمر الأهلية فقد كانت من طعام الناس في الجاهلية وصدر الإسلام وقد حرمت في غزوة خيبر.

وكان من طعام العرب في الأماكن القريبة من المياه أو على شاطئ البحر السمك وذلك أمر طبيعي، وقد ذكر فيما سبق كيف عكف المسلمون على الحوت الذي أرسله الله على سيف البحر فأكل منه الجيش عشرين يومًا.

الشعير والذرة والخضار

أما الخبز فكان خبز الشعير أو الذرة، وكان من أجود الخبز خبز الملة وذلك يصنع بإشعال النار ثم تركها حتى تهمد ثم يوضع ضمنها أو فوقها العجين حتى ينضج ببطء.

وفي المدن تبرز أنواع محدودة ومعدودة من طعام الخضار كالقرع، والقثاء، ومن الفواكه التي ذكرها القرآن الكريم أو السنة المطهرة كالرمان والتين والسفرجل والأترج والعنب.

 ولعلنا نذكر كيف قدم عامل في أحد بساتين الطائف قطفًا من العنب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بعد أن آذته قبيلة ثقيف.

كما نذكر قصة سيدنا علي كرم الله وجهه حين ذهب إلى عين البغيبغة، وسأل قيم البستان عما عنده من طعام فأجاب: قرع الضيعة بإهالة سنخة (أي مقلي بدهن بدأ يتفسخ) فغسل يديه وأكل من الطعام ثم غسل يديه.

محمد سعيد المولوي

—————

(هوامش)

– دُرَّاجٌ : طَائِرٌ مِنْ فَصِيلَةِ الدَّجَاجِيَّاتِ شَبِيهٌ بِالحَجَلِ وَأكْبَرُ مِنْهُ حَجْماً (القاموس الغني).

– (القَطَا): نوعٌ من اليمام يُؤْثِرُ الحياةَ في الصحراء ويتَّخذ أُفحوصَه في الأَرض( القاموس الوسيط).

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم