الصحة والغذاء

أطعمة شعبية عربية.. السختورة والمومبار

سنتناول   بعض الأطعمة الأصيلة الأهلية ودورها في توحيد المشاعر والعواطف العربية ونتحدث عن طريقة صنعها والتشابه في الطرائق في البلاد العربية .

أسماء لطعام واحد

        ولعلنا نبدأ بنوع من الطعام بدأ ينقرض وتعزف عنه ربات البيوت لما يتطلب من جهد وتعب وهو ما يسمى في السعودية بالباجة وفي دمشق بالقبوات وفي حماة بالسختورة وفي مصر بالمومبار.

 وهذه الأسماء المختلفة إنما هي لطعام واحد قد تختلف بعض صفاته ولكنه يكون على الغلبة متطابقا. وهذا الطعام كان ولا يزال من أطايب الطعام وأكثرها لذة ، وغلبتها ندرة لما يتطلب من تعب ومال .

       ونحب أن نتحدث عن ظروف نشأة هذا الطعام قبل أن نتحدث عن صفاته وطرق تصنيعه .

فمن المعروف أن طعام العرب الرئيس كان التمر واللبن  واللحم الذي ينالونه من ذبح الغنم أو الإبل  أو الصيد ، وكان العربي إذا ذبح شاة عصفت به رباح الكرم فيولم عليها ويدعو أهله وبعض أفراد قبيلته .

وقد كانت تمر بالعربي فترات من الفقر والقحط وضيق ذات اليد ومثل هذه الحال كانت تفرض على العربي الاستفادة من كل ما في الذبيحة.

 ولقد ذكرنا في مقالات سابقة إن العربي في الجاهلية كان يجمع دم الذبيحة ويعجنه بالصوف ثم يشويه ويأكله وكانوا يطلقون على هذا الطعام اسم  (العلهز).

 لذلك لم يكن غريبا الاستفادة من رأس الخروف وكرشه وأمعائه وأرجله ، ويكون ذلك من طليعة اهتمامات الذابح .

       وقد وجد العربي حلا لطبخ الرأس والكرش في الجزيرة العربية فطبخها مع جسم الشاة وجعلها مع الكبد أو ما يسمى بالمعلاق مترئسة المنسف  ، حتى بات من المألوف أن من لم يجعل هذه العناصر الثلأثة غلى المنسف فانه لم يذبح ولم يولم على ذبيحة.

       ولما كانت الكوارع أي الأقدام  لم تدخل قي حلبة الطبخ فان أهل الشام ومصر قد وجدوا مخرجا فقرنوا الرأس مع الكوارع ، وفصلوا الكرش عن المنسف وجعلوه مع بقية الأحشاء أساسا لطبخ الباجة أو القبوات .

تنظيف الكوارع والأحشاء                       

        تكمن مشكلة الكوارع والأحشاء والرأس عند النساء في عملية التنظيف وصعوبته ، وقد تطورت عملية التنظيف اليوم عما كانت عليه قبل ستين سنة  ، ففي دلك الحين كان يؤتى بالرأس والكوارع فتغمر في ماء ساخن قد أضيف اليه بعض المواد القلوية كالكلس والقلي وكاربونات الصوديوم وتترك لدقائق ثم تسحب وتكشط بالسكين، حتى يزول أكثر الشعر ، وما تبقى من الشعر فانه يعرض على النار فيحترق . ونحب أن نشير إلى أن طرق تنظيف الرأس والكوارع متشابهة في البلاد العربية   .

        واليوم ولمن له ولع بالنظافة فانه بعد أن يزيل الشعر فانه يدخل رأس سكين بين الظلف وبقية القدم ثم يستخرج الظلف ويشق مابين الاصبعين ويستخرج كيسا من الشعر كثيرا ما يغفل الناس عنه  ،ثم تعرض الكوارع على النار حتى يحترق ما تبقى من الشعر عليها .

         أما الرأس فيشق حنكه حتى يتسع لدخول النار إلى الحلق حيث يسهل بواسطتها قشر قشرة اللسان السوداء وجلد أطراف الحنك وسقفه، ويعرض خارج الرأس لنار قوية تحرق ما تبقى عليه من الشعر وتسلط النار على الأذنين لحرق الشعر داخل الأذنين ثم يؤتى بسيخ حديدي من الأسياخ التي يشوى به لحم الكباب فيجعل على النار حتى يصبح محمرا ثم يدخل من فتحة الأنف  ويمسك الرأس من الأذنين ويضرب على فمه على الأرض ضربات قوية فيتساقط من فتحتي الأنف ومن حفرتين تحت العين مجموعة  من الديدان متوضعة هناك . وتكرر العملية عدة مرات .

 ومن المعروف أن أهل مصر يعتنون بالعجول الصغيرة التي يسمونها البتللو والكندوز لذلك فان أكثر الرؤوس والكوارع عندهم هي للعجول  وكذلك الأمعاء التي يسمونها المومبار وهي في تنظيفها وطهيها لاتخنلف في الطريقة عن الغنم .  

         ولا بد من الإشارة إلى  أنه في الأيام الحاضرة لم تعد ربة البيت تعانى من تنظيف الرأس والكوارع إذ أنشئت محلات لتنظيف الرأس والكوارع يسمى راعيها الرواس، فهو يتكفل بنزع الشعر والتنظيف والحرق، ولكن شتان بين ما يصنعه وما تصنعه ربة المنزل ومع هذا فان الناس يأكلون.

 كما أن الرواس قد يتولى طبخ الرأس والكوارع ويبيعها لمن أراد الشراء ، ولكن عملية التنظبف  بالأسياخ المحمية على النار لا تتم إلا في البيوت وهذا ما يسمى في العراق بالباجة السريعة ، وقد تخلص أصحاب الذبيحة اليوم من الجهد والتعب فرموا الكوارع وطلبوا من اللحام ان يسلخ لهم رأس الخروف  ، ومع هذا فانه لابد من تنظيف المنخرين والفم وهذا على الغالب لا يتم  ابتعادا عن التعب والجهد ، اللهم الامن كان حريصا على الطعام النظبف طعما ورائحة .

طريقة مثلى للطبخ

         ونحب أن نشير إلى أن كثيرا من الناس تعزف عن طبخ الكرش والأمعاء لما تحتاجه من وقت وجهد ولاسيما في التنظيف ويستعيضون عن ذلك بالاكتفاء بطبخ الرأس والكوارع .

وسنبين فيما يلي الطريقة المثلى لطبخها فانه بعد أن يتخلص من الأشعار والقشور والديدان تغسل بالماء والصابون عدة مرات حتى تزول رائحة الغنم القبيحة وروثها ثم توضع في قدر ويصب عليها الماء ويضاف إليها بعض ورق الغار وقطع خشب الدارسين ( القرفة ) ثم تغلى على النار فتطفو على المرق مادة سمراء كريهة الطعم والرائحة تسمى  (الزنخة) فترفع وترمى ويرمى المرق ويعاد غسل الرأس والكوارع بالماء والصابون ويضاف ماء جديد نظبف ويضاف له ورق الغار والدارسين وأكباش القرنفل وبعض حبات الهال وتغلى على النار فان ظهرت طبقة جديدة من الزنخة وعادة ما تكون رقيقة  وقليلة فانها تكشط وترمى ويترك الباقي على النار حتى ينضج .

ومن تمام الفائدة أن نشير إلى طرق أكل هذا الطعام فهو أما أن يؤكل ثريدا فيسقى الخبز بالمرق ويصب على وجهه اللبن الممزوج بالطحينة وحمض الليمون ثم تقطع الكوارع إلى قطع  ويفصل لحم الرأس عن العظم وتصف فوق اللبن وتزين ببعض أوراق البقدونس ويصب فوق الجميع السمن البري الحار .

وإما أن يفصل اللحم عن العظم ويتبل بقطع الليمون والبصل وورق البقدونس ويؤكل بالخبز ويسمى سلطة الرأس وللحقيقة فان لحم الوجنتين في الخروف  أطيب لحمه على الإطلاق .

       وان كان من كلمة أضيفها عن خبرة ومعرفة فان كلا الطريقتين تقدمان طعاما لذيذا ولحما طيبا، ولكن قل لي بحق من هي المرأة المستعدة لهذا الطبخ؟

بقلم محمد سعيد المولوى                                                 

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم