الصحة والغذاء

الخميرة.. أعظم اكتشاف غذائي في التاريخ

يتناول أ.د.  فوزي عبد القادر الفيشاوي، أستاذ علوم وتكنولوجيا الأغذية، هذا الموضوع، فيقول: في محاضراتي العامة، كثيرًا ما يتساءل الحضور عن الإحساس بالتعب والوهن الذي يجتاح المرء من وقت لآخر دون سبب ظاهر، ويسألون عن الوسائل التي يجب اعتمادها لتدارك هذا الإحساس. ويكون جوابي أنه لا يوجد سبب لانحطاط القوى والتعب الدائم غير الطبيعي سوى نقص بعض فيتامينات المجموعة «ب» التي يؤدي نقصها لدى البعض إلى أن تغدو أعصابهم في أطراف أنوفهم كما يقولون.

والحقيقة أنه مهما كان نوع الأطعمة التي تتناولها لتعطيك هذه الفيتامينات فينبغي أن تضيف إليها الخميرة قبل كل وجبة طعام أو خلالها وقبل أن تنام أيضًا.

إعادة الاكتشاف

  ولا عجب، فإن الخميرة تحتل اليوم مكانًا يقع في صميم نظم التغذية الصحية للإنسان. ويؤكد علماء التغذية الذين تتملكهم حماسة الرواد المستكشفين أنها أعظم اكتشاف غذائي في جميع العصور، وإنهم ليزيدون بأنك إذا تناولت في كل يوم وباستمرار ما أشرقت عليك الشمس قدرًا مناسبًا منها فإنك تتمتع على طول الأيام بالقوة والشباب والحيوية. تلكم (العجيبة) هي الخميرة.. نعم، خميرة الخباز!

 والخمائر أحياء نباتية دقيقة، تقع من أقسام مملكة النبات في أقسامها البسيطة الدنيا. وتتألف الخميرة من خلية واحدة، وتصنف في تقسيم النبات ضمن الطائفة Class، المعروفة بالفطر Fungi. وتظهر تحت عدسات المجهر على شكل كروي أو بيضاوي أو أسطواني، والنوع الشائع بين أيدي الناس منها يتراوح قطرة بين 2 إلى 8 ميكرونات Micron (جزء من ألف من الملليمتر)، ويتراوح الطول بين 3 إلى 15 ميكرونًا.

والخميرة ليست غريبة على الإنسان فقد استخدمها من قديم في عمليات تخمير العجين ولكن الناس ظلوا لسنوات طويلة يعتمدون على الخميرة التي يربونها كيفما اتفق دون أن يعرفوا الصالح من الطالح، ولهذا كان العجين لا ينتفخ كما يجب أن يكون الانتفاخ.

على أن باحثين بيولوجيين عرفوا كيف ينتقوا السلالات الجيدة التي تقوم بالتخمر السريع، وإطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يتخلل العجين ويجعله مساميًا مرغوبًا على نحو حاز إعجاب أصحاب المخابز وثناء ربات البيوت.

وبحسب بعض الباحثين، فإن الخبز الذي تضاف إليه سلالات الخميرة الجيدة لا بد أن يرتفع كما لا بد أن ترتفع الشمس في كل صباح. وعندما تأمل باحثو التغذية مليًا في سلالات الخميرة الشائعة، لاسيما خميرة الخباز Saccharomyces cervisiae، وخميرة التوريولا (Torulopsis utilis) Torula yeast، فوجئوا بأن لديها قدرات جبارة على تخليق وتجميع الكثير من المغذيات.

ولأجل أن تعرف المزايا الغذائية المدهشة للخميرة، أقدم فيما يلي نتيجة تحليلها وسترى أنها تحوي ثمانية عشر فيتامينًا يدخل في نطاقها المجموعة الكاملة لفيتامينات «ب»، كما تحوى ستة عشر حمضًا أمينيًا وأربعة عشر معدنًا جوهريًا لحياة الإنسان.

ومع مطلع القرن الحادي والعشرين بدأ باحثو التغذية العلاجية في إعادة اكتشاف الخميرة، كما أعادوا النظر في خصائصها الغذائية والشفائية. والحق أن القليل منا من تأمل في هذه الخصائص.. وهذا أمر طبيعي فهي معرفة حديثة مازالت بنت اليوم.   

سحر الثياميـن

تعلو الدهشة وجوه محللي الأغذية وهم ينظرون إلى نتائج تحليل الخميرة، إذ يجدونها تنطوي على سائر أفراد عائلة فيتامينات «ب» العظيمة، وبتركيزات عالية. إن هذه العائلة تشمل نحو أربعة عشر مركبًا أو أكثر. وهي جميعًا تذوب بالماء تمامًا كما يذوب السكر أو الملح، ولا يدخر منها في الأبدان أكثر مما تدخر الماء، ولذا تتطلب الصحة أن تقدم لها هذه المركبات كل يوم. إن أشهر أفراد هذه العائلة هو فيتامين «ب1» المعروف بالثيامين Thiamin.

وإن الخميرة لتبدو من أغنى المصادر الغذائية في الثيامين. ففى كل مئة جرام من الخميرة 9.7ميللجرام من الثيامين، بينما لا يتجاوز الفيتامين في مئة جرام من كل: السبانخ 1.2، فول الصويا 0.65، ردة القمح 0.5، اليوسفي 0.5، البندق 0.4، البسلة 0.36، الحمص 0.35، الفول السوداني 0.3، الجوز 0.26، اللحم 0.14، البامية 0.13، الطماطم 0.1 ملليجرام.

ويوصي خبراء التغذية دومًا بتناول الأغذية الغنية بالثيامين، كلما تناول المرء مزيدًا من الكربوهيدرات رغبة في توفير الطاقة في الأبدان ووقاية من تراكم حامض البيروفيك الذي ينذر بالتهاب الأعصاب.

وإننا لنعلم اليوم أن المراحل الأولى لنقص الثيامين، تتسم بحدوث اضطرابات تؤثر سلبًا في الروح المعنوية للإنسان. إذ يغدو المرء كسولًا خائر القوى ضعيف الهمة فاتر العزم منحرف المزاج يثور ويهيج لأتفه الأسباب.

ومع استمرار هذا النقص تلتهب الأعصاب الطرفية شديدًا وتجتاحها الآلام. لقد عالج الباحثون الطبيون اضطرابات عصبية من هذا القبيل بكميات وافرة من فيتامين «ب1» وشفيت. وكان النجاح في الشفاء أعظم بإعطاء مصدر طبيعي للفيتامين بتناول قدر مناسب من الخميرة.

الفيتاميـن الأصفر

في عام 1932استطاع الألمانيان «واربورج» و«كريستيان» استخلاص مادة صفراء من الخميرة، وأثبتا أن لها دورًا مهمًا في تنفس الخلايا، هذه المادة هي فيتامين «ب2» المعروف الريبوفلافين Riboflavin.

وهكذا فالخميرة هي مصدر أساسي للريبوفلافين، إذ يوجد في كل مئة جرام منها نحو 5.45 ميللجرام، بينما يوجد في مئة جرام لكل من: الكبد نحو 3.5، فول الصويا 0.35، البيض 0.34، السبانخ 0.31، اللحم 0.30، الجرجير 0.30، السالمون 0.28، اللوبيا 0.25، اللبن الطازج 0.20، لحم الدجاج 0.16، العسل الأسود 0.16، الخيار 0.15، الخس 0.12، البرتقال 0.09 ميللجرام.

ولهذا فإن الفيتامين يلعب دورًا مهمًا في عمليات تمثيل الكربوهيدرات وإنتاج وحدات الطاقة منها، وكذا تمثيل الدهنيات والبروتينات. كما يساهم في امتصاص الحديد وفي بناء هيموجلوبين الدماء.

 وبإيجاز نقول إن الريبوفلافين هو فيتامين الصحة والحيوية حيث يؤدي نقصه إلى انحطاط حيوية الأبدان، وتدهور وظائف خلايا البشرة والعيون. وإذن ليس غريبًا أن نعرف أن الكثيرين مازالوا يستخدمون الخميرة كمقو عام لزيادة الحيوية، ومواجهة عوارض نقص الريبوفلافين.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم