الصحة والغذاء

باعوا حياتهم بمضغة قات

يرى المتعاطون للقات أنه يمدهم بنشاط ذهني وعضلي ويتوهمون أن له فوائد صحية، بينما يجزم الأطباء والمختصون بعكس ذلك تمامًا.

فقد أجرى الخبراء تجارب على الفئران لمعرفة تأثير المواد الكيميائية الموجودة في القات فوجدوها تعيش حالة من المرح الصاخب لمدة 24 ساعة عقب تناول الجرعة، ثم تعقبها حالة من الخمول. فاستدلوا على أن المواد الكيميائية هذه تشبه الأمفيتامينات في عملها حيث تعمل على تحفيز الخلايا العصبية مما يقلل الشعور بالتعب والإجهاد في الساعات الأولى للتعاطي ثم يعقب ذلك شعور بالكسل والقلق والاكتئاب.

 وللقات تأثيرات متنوعة من أبرزها تنشيط الجهاز العصبي وما يصاحب ذلك من مشاعر حسن الحال وتزايد القدرة البدنية ثم لا يلبث هذا الشعور أن يزول ويحل محله الخمول والكسل.

أيضًا يعاني متعاطو القات الأرق وعدم النوم، كما أن له تأثيرًا آخر حيث يبطئ من نشاط الأمعاء ويعمل على تقليل الشهية.

وهناك العديد من الآثار الجانبية التي تنتاب متعاطي القات، من أبرزها التوتر والقلق النفسي، حيث يمر المتعاطي بحالة من الشرود الذهني والتوتر والقلق، كذلك يتحدث الأطباء عن الضعف الجنسي كأحد نتائج إدمان القات، وأيضاً للقات تأثير على زيادة نسبة السكر في الدم، مما يجعل متعاطيه أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري، كما يقلل نسبة البروتين في الدم، مما يؤثر على نمو الجسم، ولعل هذا ما يفسر الهزال وضعف البنية لدى غالبية المتعاطين.

 ويختلف تأثير القات من شخص لآخر وفقًا لعدة عوامل منها نوعية القات ومدة التعاطي وعمر الشخص المتعاطي.

 ويسبب القات والإدمان عليه تقرحات مزمنة في الفم واللثة واللسان، وانبعاث رائحة الفم الكريهة، وإدمان وارتخاء اللثة مما ينتج عنه ضعف في اللثة والأسنان كذلك لاحظ الأطباء ارتباطًا بين ازدياد حالات سرطانات الفم والفك وبين إدمان القات خاصة في السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى عملية التخريش للفم أثناء عملية التخزين والتي تؤدي إلى تغيرات في بطانة الفم مما يساعد في حدوث السرطان.

   ويتسبب في عسر الهضم وفقدان الشهية والإمساك والبواسير وسوء التغذية. حذر أطباء أن أزمات قلبية حادة هي على ارتباط وثيق بعادة مضغ أوراق القات، وشددوا على ضرورة توعية الناس بمخاطر استهلاك هذه المادة.

فقد حذر تقرير نشرته مجلة الجمعية الملكية للطب في بريطانيا من أن استهلاك القات على المدى الطويل قد يزيد أيضًا من مخاطر الإصابة بأضرار الكبد وسرطان المريء، كما ثبت علميًا أن إدمان القات يؤدي إلى زيادة نسبة السكر في الدم مما يجعل متعاطيه أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري.

وتذكر الدكتورة كلير دوليري، المستشارة في الأمراض القلبية أن البحوث السابقة في اليمن وجدت أن معدل الإصابة بالنوبات القلبية بين المدمنين بشدة على مضغ القات هو أكثر بـ39 مرة مما هو عليه بين الناس الذين لا يتعاملون بهذه المادة.

وأضافت الطبيبة: «يبدو أن هناك خليطًا من الآثار تأتي على شكل انسداد أو نوبات في الشرايين التاجية للقلب تؤدي إلى زيادة ضربات القلب وتضيق في الأوعية الدموية مما يرفع ضغط الدم عند المصابين بالضغط. صعوبة التبول ونزول إفرازات منوية غير إرادية بعد التبول وفي أثناء المضغ وذلك لتأثير القات على البروستات والحويصلة المنوية ويؤدي ذلك كله إلى الضعف الجنسي.

ويتصف متعاطي القات بحدة الطبع والعصبية ويميل متعاطي القات للكسل الذهني بعد ساعات من التعاطي ثم سرعان ما يبدأ شعور بالقلق المصحوب بالاكتئاب والنوم المتقطع والأرق، ومن أشهر الخصائص المعروفة عن القات أنه يسبب الأرق، ويلجأ مدمنو المضغ غالبًا إلى المستشفيات يشكون من الأرق، ويطلبون العقارات المهدئة للأعصاب، مما يؤثر سلبًا على البشرة فيفقدها جمالها ونضارتها وشبابها وحيويتها وهذا بسبب السهر، كما يؤثر على الصوت فيجعله أجش مضطربًا، ويبكر في ظهور التجاعيد في الوجه.
من المعروف عن القات أنه يقلل بشدة شهية من يستعمله، ويميل المدمنون لأخذ وجبات خفيفة أو عدم تناول الطعام لفترات طويلة مما يعرضهم لأمراض سوء التغـذية وضعف عام ويكون المتعاطي للقات أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية.
وعندما يكون شخص ما تحت التأثير المنبه للقات فقد تزداد ثقته بنفسه، ويحاول القيام بمناورات خطرة أثناء القيادة، مثل هذا المسلك يؤدي إلى العديد من الحوادث.
جوانب اقتصادية واجتماعية

إن دراسة العواقب الاقتصادية والاجتماعية من جراء استعمال القات تشير بأنها تساهم في عدم التماسك العائلي بسبب النزيف الاقتصادي للموارد العائلية الذي ينعكس على مستوى العائلة الصحي والتعليمي. حيث يفقد المتعاطي الرغبة في العمـل، وتنخفض إنتاجيته، وتتعطل قـواه العقلية، ويفقده التعاطي الاهتمام بأسرته، وعدم مقدرته على تأمين احتياجاتهم.

ويمكن إيجاز بعض المخاطر الاقتصادية للقات في المظاهر التالية:

البطالة، وانتشار الـفـقـر، وانخفاض ساعات العمل ورداءة الإنتاج، والتفكك الأسري، وانحراف الأحداث وسوء تنشئتهم، والعزوف عن الزواج، الفساد الاجتماعي.

     وتنتشر البطالة بين مزارعي القات ومروجيه اعتمادًا على ما يدره القات من أموال طائلة على حساب صحة وأسرة المستهلك، وبالتالي إفساد المجتمع.

ويسبب تعاطي القات ارتباكات مالية في الأسر التي بها أفراد مدمنون بسبب الإنفاق المستمر عليه، وبسبب الوقت المهدر فيه والتأخر في الذهاب إلى أعمالهم بسبب السهر في جلسات تخزين القات، كما أن الفتور والخمول الملازم لهم بسبب تعاطي القات يجعل إنتاجيتهم في العمل منخفضة.

ومتعاطي القات يكون لديه استعدادات غير طبيعية تساعد على الانحراف إلى الإجرام، كما قد يؤدي إلى تقبل السلوك الانحرافي الإجرامي والشعور بالأنانية وضعف الإحساس بالواجب الاجتماعي وبالتالي اختفاء الولاء للأسرة والوطن مما قد يؤدي إلى تأثر الحياة الاجتماعية وإلى التفكك الأسري.

 كما يلعب القات دورًا كبيرًا في حدوث البطالة المؤدية إلى الفقر الذي يجر إلى ارتكاب السرقة، والجرائم المخلة بالشرف والمروءة، خاصة في غياب الوازع الديني القوي لهذه الفئة من الناس، وتكون نتائجه عدم الاستقرار الأسري وفقدان الأمن الاجتماعي.

 إن الإنفاق على شراء القات يمثل عبئًا اقتصاديًا على ميزانية الأسرة، مما يؤثر على الحالة المعيشية من الناحية السكنية والغذائية والصحية والتعليمية، وبالتالي يحدث التوتر والشقاق والخلافات الأسرية، نتيجة عدم تلبية رب الأسرة لمطالبها الضرورية، لضيق ذات اليد بسبب إنفاقه على شراء القات وتعاطيه.

نموذج سيئ

 يقدم المدمن للقات نموذجًا سيئًا من السلوك لأبنائه، حيث يتركهم يعانون الحرمان والحاجة، بسبب انشغاله بنفسه، واهتمامه بتأمين ما يحتاجه هو من أجل تعاطيه القات، فيحس الأبناء بالنقص تجاه أقرانهم ويحرمون أيضًا من الدورات التعليمية، أو المشاركات في الأندية الرياضية، أو بسبب ضياع وقت آبائهم في مجالس القات، فيفقد الأبناء الثقة في أنفسهم، ويزرع الحقد في صدورهم مما يدفع الأبناء إلى سلوكيات غير سوية، وقد يحترفون السرقة, ويتعاطون القات وغيره من المخدرات.

 كما أن الشباب الذين أدمنوا القات لا يستطيعون الوفاء بمستلزمات وتكاليف الزواج، وقد لا يجد يد العون من والده أو إخوته، كما أنه قد لا يوفـق في إيجاد شريكة حياته والتي قد ترفضه بسبب إدمانه على تعاطي القات.

ويؤدي تعاطي القات إلى مفاسد اجتماعية، والحصول على الرشوة، وقد يزداد الأمر بالتعاطف مع المهربين والمروجين، كما أن انتشار ظاهرة تعاطي القات بين المثقفين في المجتمع قد توجد لدى ضعفاء النفوس تبريرًا لأن يقوموا بعملية التهريب والترويج.

ولا نغفل ما يحدث في مجالس القات عادة من الغيبة والنميمة والوقيعة في أعراض المسلمين، والتعاون على الإثم والعدوان، وغير ذلك من المفاسد العظيمة التي يعرفها من ابتلى بمثل هذه المجالس الخبيثة.

يعتبر استخدام القات من أهم مصادر القلق لدى المستخدمين له مما يترتب على ذلك عدم الاستقرار النفسي لدى المستخدمين وتعرضهم للاضطرابات النفسية أكثر من غيرهم. وتتمثل تأثيرات المادة المنبهة من مضغ القات فيما ما يلي:

الانتعاش الموقت، وزيادة اليقظة، وزيادة النشاط، الهيجان، والأرق وتنتهي حالة القلق النفسي وشعور المتعاطي بالقلق النفسي والشرود الذهني ولا شك أن هذه الحالات تختلف من شخص لآخر حسب عوامل عدة.

دراسات ونتائج

وفيما يلي بعض من الدراسات التي أجريت على تعاطي القات ونتائجها:

– دراسة جامعة الدول العربية (1983م): بهدف التعرف وتحديد الآثار الصحية والنفسية لتخزين القات على عينة عشوائية مؤلفة من (221) من كلا الجنسين في الجمهورية اليمنية. اتـضح من نتائج الدراسة أن لتعاطي القات آثارًا على الفرد من الناحية النفسية والصحية.

– دراسة جامعة مقديشو (1983م): أظهرت أن للقات أثرًا على الناحتين الفسيولوجية والعصبية وله تأثير شبيه بتأثير الأمفيتامين.

– دراسة جون كنيدي (1983م): أظهرت أن هناك آثارًا سلبية مترتبة على تعاطي القات من الناحتين النفسية والفسيولوجية وأن تعاطيه يسبب انقيادًا نفسيًا وليس انقيادًا فسيولوجيًا.

– دراسة جورج وكوكسون في إنجلترا (1984م): أظهرت أن القات يسبب مرض التشويش النفسي كشكل من أشكال انفصام الشخصية.

– دراسة عبد الله عسكر وكمال أبو شهده (1993م) بهدف معرفة تأثير القات على الناحية الاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية أثبتت الدراسة أن تعاطي القات له آثار سلبية على الفرد من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية.

– دراسة جيجر واد (1994م) بأستراليا ومن خلال الفحوصات الإكلينيكية ثبت أن هناك ذهانًا ينتج عن تعاطي القات يشبه الذهان الناتج عن تعاطي الأمفيتامين وذهان البرانويا.

– ثبت بالبحث العلمي (1999م) أن تخزين القات ببطيء من حركة الأمعاء مما يسبب الإمساك.

الإقلاع عن القات

فيما يلي بعض الأمور التي تساعد المتعاطي في التخلص من إدمانه:

– صدق العزيمة وإخلاص النية لله وأن يكون القصد من الإقلاع عن تخزين القات هو التقرب إلى الله – عز وجل – بترك ما حرم وأن يتذكر أنه ليس في القات حل للمشاكل وليس علاجًا، بل هو من أكبر المشاكل.

– الاستعانة بالأطباء والمختصين ومسئولي الجمعيات المتخصصة في التوعية بأضرار القات في قطع هذه العادة السيئة والعمل بإرشاداتهم وتوجيهاتهم والالتزام بها.

– الصبر وعدم الانزعاج من الضيق والآلام التي سيشعر بها في بداية تركه للقات وعليه أن يستعين عليها بالله تعالي والالتزام بأداء الصلوات في أوقاتها والمحافظة عليها في جماعة وأن يترك تلك الأماكن التي كان يتعاطى فيها القات ويتجنب أصدقاء السوء وعليه بمجالسة الأخيار والصالحين وشغل وقت الفراغ بما هو مفيد من مزاولة الرياضة والترفيه المباح.

– إعادة النظر فيما ينفقه المتعاطي من مال ووقت على حساب نفسه وأسرته، والتركيز عـلى بذله في تعليم أبنائه وتحسين مستواهم المعيشي (الصحي والسكني)، فالمرء مسؤول عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وكذلك عن شبابه فيم أبلاه وعن عمره فيم أفناه، وتقيدًا بقوله – صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.

الإسلام.. وسلامة الفرد والأسرة

 الدين الإسلامي حريص على سلامة الفرد والأسرة والمجتمع «لا ضرر ولا ضرار» أي لا تضر نفسك ولا تضر غيرك، والشريعة الإسلامية جاءت للمحافظة على المصالح الضرورية للناس، وقد حصرها الشرعيون في خمس: الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

ولا شك أن لتعاطي القات أضرارًا بليغة على الدين وعلى الصحة والعقل والنفس والعرض والمال. إن المـبالغ التي يصرفها المتعاطي على القـات، والتي تكون أسرته وأولاده بحاجـة إليها والوقت الذي يقضيه المتعاطي في جلسات التخزين فانه بذلك يضيع زوجته وأولاده وفرائض الله تبارك وتعالى كتركه للصلاة أو تأخيرها عن وقتها، أو معصية للوالدين وعدم البر بهما، أو قطع لصلة الرحم، وكم من معـاص يقترفها أثناء تعاطيه القات كالتدخين وكمشاهدة الأفلام الخليعة.

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟”.

وقد صدرت في تعاطي القات فتوى مبنية على ما يلحقه القات من ضرر بالضرورات الخمس ومن تقصير في حقوق الوالدين ومن قطع لصلة الرحم، فله مضار صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية. ولقد أقر المؤتمر العربي لشؤون المخدرات في دورته الخامسة (1969م) بأن هذا النبات مخدر، ومضغ أوراقه منعش ومنبه، وأنه يمدد حدقة العين ويهيج الجهاز العصبي المركزي.

كما قرر المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات – والمنعقد بالمدينة المنورة عام 1402هـ تصنيف القات ضمن قائمة المخدرات وكان من توصيات هذا المؤتمر المادة التالية:

«يقرر المؤتمر بعد استعراض ما قدم له من بحوث حول أضرار القات الصحية والنفسية والخلقية والاجتماعية والاقتصادية أنه من المخدرات المحرمة شرعًا، ولذلك يوصى الدول الإسلامية بتطبيق العقوبة الشرعية الرادعة على من يزرع أو يروج أو يتناول هذا النبات الخبيث».

د. رمضان مصري هلال

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم