الصحة والغذاء

قصة دواء متلازمة الأمعاء … وقائع خفية في الصناعات الدوائية

ليست الأبحاث العلمية والدراسات النظرية إلا عنصرًا واحدًا من عملية شاقة لإنتاج أي دواء جديد وطرق للتداول بالأسواق. والتي تبدأ منذ اختيار اسم الدواء الملائم مرورًا بمعرفة المرض الذي سيتم علاجه وانتهاء بعملية الترويج.

الترويج لعقار جديد

قبل فترة وجيزة بدأت على شاشة إحدى محطات الفضائيات حملة للترويج لعقار جديد بدأت بتعريف النساء بأعراض مرض يصيبهن ويوصف بأنه متلازمة الأمعاء الاعتلالية، حيث استضاف البرنامج إحدى سيدات المجتمع المعروفات التي تحدثت فيه عن معاناة والدتها بسبب هذه المتلازمة.

وهذا البرنامج بعنوان «تحدثي إلى طبيبك» تموله شركة صناعة الأدوية الشهيرة «نوفارتيس Novartis» ويهدف إلى نشر الوعي بين النساء حيال هذا الاعتلال بالأمعاء وبالتالي زيادة الطلب على الدواء الذي أنتجته الشركة تحت اسم «زلنورم Zelnorm». وهو الوحيد الذي أقرته دائرة الغذاء والدواء الأمريكية حتى الآن لعلاج هذه المتلازمة كما قال أحد كبار موظفي عمليات الشركة في أمريكا كيرت غرافيس «نحن أول من أنتج هذا الدواء وعليه يتوجب علينا إبراز ذلك للأسواق، وإيداع ثقة الأطباء في هذا العقار أهم أولوياتنا. بعد ذلك يتوجب علينا زيادة الوعي لدى المستهلك حول أعراض هذا المرض ثم تشجيعهم على مراجعة أطبائهم للاطمئنان على حالتهم وتشخيص ما يعانون منه».

إن ما صرحت به شركة «نوفارتيس» يعد أمرًا شائعًا بين شركات صناعات الدواء العملاقة حيث تبدأ خطة إنتاج الدواء قبل عدة سنوات من إنتاجه وتقديمه للاعتماد من قبل دائرة الغذاء والدواء. ويحتاج هذا الاستثمار إلى مئات الملايين من الدولارات تصرف على البحث والتطوير العلميين قبل أن يصل إلى وقوف مبيعات الدواء. حيث من المهم جدًا إدارة هذه العملية المعقدة جيدًا لأن ذلك سينعكس على كيفية تقبل الدواء ورواجه في آخر المطاف.

وتقدر تكلفة تطوير وإنتاج الدواء بدءًا بالأبحاث ووصولاً إلى مرحلة الإنتاج من 100 إلى 900 مليون دولار. ووفقًا لما نشرته شركة IMS التي تختص بتقديم الاستشارات التسويقية للصناعات الدوائية فإن تكاليف التسويق التي صرفتها شركات الأدوية في عام واحد بلغت 19.1 بليون دولار منها 2.7 بليون دولار أنفقت على توعية وتثقيف المستهلك مباشرة. أما تكاليف الاستثمار في البحث والتطوير فبلغت 30.3 بليون دولار في العام نفسه.

وسائل جذب الزبائن والأطباء

لكل عقار جديد طريقة خاصة بالتسويق وتتفاوت طرق جذب الزبائن والأطباء للدواء بين مصنع وآخر. وفي نهاية المطاف يحقق بعض هذه الأدوية الجديدة مبيعات كبيرة ويدوم بالأسواق، والبعض الآخر يتلاشى بسرعة، وتدريجيًا.

ففي المرحلة (رقم 1) يتم تحديد الحاجة للدواء وحجم هذه الحاجة ثم يبدأ العلماء والباحثون بتحديد آلية عمل الدواء الجديد وكيف يعمل وما الذي سيحققه في شفاء مرض معين.

أما فريق التسويق فيبدأ في الوقت نفسه تقويم حجم مبيعات العقار الجديد. فبعض الأدوية الجديدة قد يكون رديفًا أو مشابهًا لدواء موجود ومتداول بالأسواق إلا أنه غير كاف.

وهناك مساحة شاسعة لتسويق أي دواء جديد. وبعضها ربما يكون أسهل من سابقه في ناحية الاستخدام أو أفضل من حيث المفعول. وبعض الأدوية الجديدة تكون أحدث ما طور في مجالها وعملها وتكون السبق من حيث علاج المرض الذي طورت من أجله.

يقول بروفسور «مايكي سميث» أستاذ إدارة التسويق بجامعة ميسيسبي في أكسفورد «غالبًا ما يبدأ المعنيون بالاعتقاد بأن الدواء الذي طور لتوه لن يحقق النجاح لسببين شائعين: إما أن السوق ليست مستعدة لاستقباله أو لأنها مكتظة ببدائل لهذا الدواء الجديد، لذا فبعض الأدوية تموت قبل أن تولد وبعضها يطرق الباب ويشق طريقه ليندثر بعد حين».

وبالنسبة لعقار Zelnorm الذي فاقت مبيعاته التوقعات فالحال مختلف لسبب واضح وهو أن المرض الذي طور من أجله معروف لدى المرضى الذين يعانون من متلازمة الأمعاء المضطرية إضافة إلى قيام الشركة الصانعة «نوفارتيس» بعملية مسح مكثف لشريحة أولئك الذين يعانون من هذا المرض وتحققت جيدًا بأن عقار «زلنورم» سيكون الحل الأمثل.

بعض الأدوية تسير عبر مسار أقل وضوحًا وربما تخرج عن النطاق الذي تم التخطيط له كما حصل في حالة دواء Viagra.

فقد تبين أن هذا العقار الذي طور لعلاج الذبحات لم يحقق   نجاحًا على هذا الصعيد، إلا أنه وبمحض المصادفة حقق مبيعات هائلة في علاج مشكلة صحية أخرى لا يتحدث عنها معظم الذين يعانون منها لأطبائهم.

الاسم المثالي للدواء

وبغض النظر عن مسار تطوير واكتشاف أي دواء فإن اختيار الاسم المناسب هي الخطوة الأولى والأكثر من حيث الأهمية بين سلسلة خطوات.

تبدأ عملية انتقاء الاسم المناسب بتكليف مجموعة من المختصين الذين يمكثون أوقاتًا طويلة أمام شاشات الكمبيوتر لتمحيص الأسماء وتدقيقها واستعراض المتداول منها وتقليص قوائم الأسماء الكثيرة إلى قائمة مصغرة من الخيارات المحتملة. وأحيانًا كثيرة لا يحظى أي من هذه الأسماء بالموافقة ولا يجتاز المتطلبات الكثيرة التي يجب أن تتوفر بالاسم.

فالاسم المثالي سيصبح علامة تجارية متداولة بين المكاتب وفي عدة دول ويجب أن لا يسيء من حيث اللفظ أو المعنى لأي لغة من لغات العالم. وألا يتقاطع مع أسماء أخرى كي توافق على اعتماد دائرة الغذاء والدواء الأمريكية، وبشكل عام فإن هدف الاسم يجب أن يكون متناغمًا مع ذوق الأطباء وأن لا يخدش أو يؤذي المرضى.

بعض الأسماء تشتق من المصطلحات المتعلقة بالمرض الذي طورت لعلاجه أو من المصطلحات المرتبطة بمفعوله ونجاعة الدواء. وبعضها يرتبط بأسماء علمية لأدوية كيماوية وبعضها الآخر لا يمت بصلة لتلك المصطلحات ولا يحمل أي معنى مثل أسماء «زانتاك» و«بروزاك» رغم أنهما شائعان ومعروفان لسهولة لفظهما وكتابتهما كما يتمتعان بحماية مميزة كعلامة تجارية مميزة. أما الاسم «زلنورم Zelnorm» فله دلالة تم اختياره على أساسها وهي مرتبطة بما يمكن للدواء أن يحققه للمريض حيث يعيده إلى حياته الطبيعية العادية ذلك المعنى الموجود وبكلمة Norm الإنجليزية.

ومن غير مبالغة، فإن اختيار الاسم الملائم يحتاج إلى سنوات حيث تبدأ هذه العملية في المرحلة الثانية من مراحل إنتاج الدواء. وهي عملية دقيقة وحرجة يصرف فيها وقت طويل وأموال طائلة ربما تضيع هباء إذا ما حدث وأن رفضت دائرة الغذاء والدواء اعتماده.

وعلى أية حال لا توجد أنظمة أو تعليمات يتفق عليه الجميع عند اختيار الاسم، إلا أن اختيار الاسم يجب أن يكون في مراحل مبكرة من تطوير الدواء حتى يكون إيصاله للمتسوقين سهلاً وميسرًا عند إنتاجه بين الأطباء والمرضى.

وللأطباء دور هام وحيوي في عملية تسويق أي دواء وهذا ما يفسر تواصل ووجود ممثلي شركات الأدوية ومندوبي المبيعات في عيادات الأطباء باستمرار. حيث يزودونهم بمنتجات دعائية تحمل اسم المنتج كالأقلام واللوحات والنشرات وغيرها من الدعايات المقبولة.

وهناك طرق أكثر أهمية وتأثيرًا رغم أنها قد تكون غير مباشرة وهي دعوة الأطباء إلى ندوات ومحاضرات ترعاها الشركة الصانعة لتزيد من مبيعاتها في النهاية. ومع أن الأطباء يترددون ويوجسون خيفة من مثل هذه الدعوات إلا أنهم يعترفون أنه ليس لديهم بديل آخر.

 كما تدعم الشركات باستمرار الأبحاث العلمية التي تصب بمصلحة منتجاتها من خلال توفير المختبرات للجامعات أو تقديم المنح للجامعات والطلبة الذين ينخرطون بالأبحاث المنشودة. لكن البعض يرى في ذلك مصدر قلق لأنه سيسلط الضوء على الجانب الإيجابي للدواء فقط.

ترجمة وإعداد: د. سعود سعيد سيد

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم