هذا السؤال المثير للجدل لم يزل يحتل اهتمام العلماء لسنوات. وقد أظهرت بعض الدراسات أن تناول البيض يرفع من الكولسترول السيئ، أو الكولسترول “الضار”، ومؤشرات الالتهابات المرتبطة بأمراض القلب والسكري، بينما أبرزت دراسات أخرى فوائد استهلاك البيض نظرًا لغناه بالمغذيات.
أجرت كاثرين ج. أندرسن، الأستاذة المساعدة في علوم التغذية في كلية الزراعة والصحة والموارد الطبيعية في جامعة كونيتيكت، دراسة نشرت في مجلة المغذيات تقدم رؤية أوسع حول التأثيرات الغذائية لتناول البيض لدى البالغين الأصحاء.
تناول البيض مفيد
تركز معظم المقالات البحثية المعاصرة التي تقيم التأثيرات الصحية للبيض على نطاق ضيق من المقاييس السريرية المعتادة، وتدرس المؤشرات الحيوية لأمراض القلب والسكري وتكوين الجسم والالتهابات والصحة المناعية وفقر الدم على حدة، وليس ككل. كما أن المشاركين في هذه الدراسات غالبًا ما يكون لديهم عوامل خطورة للإصابة بالأمراض المزمنة. وغالبًا ما يتبعون أيضًا تغييرات إضافية في نظامهم الغذائي مثل خطط فقدان الوزن. يمكن أن تجعل هذه العوامل من التفسيرات كيفية تأثير البيض على علامات صحية لدى السكان عامة أو الشباب الأصحاء معقدة.
أجرت أندرسن وزملاؤها دراسة أشمل وأكثر تحديدًا سريريًا تأخذ في اعتبارها عددًا من المقاييس الصحية التي قد يفحصها طبيب خلال فحص بدني روتيني.
تقول أندرسن: “إنه يساعد على تقديم صورة شاملة لتأثيرات تناول البيض على صحة الشباب باستخدام المؤشرات الحيوية السريرية والروتينية”. “نعتقد أن هذا يسمح بتطبيق أكبر لعامة ناس.”
البيض الكامل وبياض البيض
قارنت الدراسة بين ثلاثة مجموعات مختلفة: المجموعة الأولى التي لم تتناول بيضًا، والمجموعة الثانية التي تناولت بياض ثلاث بيضات يوميًا، والمجموعة الثالثة التي تناولت ثلاث بيضات كاملة (بما في ذلك الصفار والبياض) يوميًا. وتُرك للمشاركين في الدراسة حرية طهي البيض بالطريقة التي يفضلونها.
ووجدت الدراسة أن هناك زيادة كبيرة في مستوى الكولين، وهو عنصر غذائي أساسي موجود في صفار البيض، في نتائج تحاليل الدم عند المشاركين الذين تناولوا ثلاث بيضات كاملة يوميًا. ويرتبط تناول الكولين بزيادة في تكوين مركب يعرف باسم TMAO، والذي يُعرف أيضًا بصلته بأمراض القلب. ومع ذلك، أظهرت الدراسة أن مستوى TMAO لم يتغير في هذه الفئة من السكان على الرغم من الزيادة في مستوى الكولين.
تقول أندرسن: “هذا هو السيناريو المثالي”. “نريد الحصول على كميات غنية من هذه العناصر الغذائية المهمة، ولكن لا زيادة في هذا المستقلب الذي يمكن أن يسبب أمراض القلب والأوعية الدموية.”
ولم يلاحظ الباحثون أي تغيرات سلبية في الالتهاب أو مستويات الكوليسترول في الدم أيضًا. ووجدوا أيضًا أن تناول البيض الكامل كان له تأثير سلبي أقل على العلامات المرتبطة بخطر الإصابة بالسكري مقارنة بتناول بياض البيض.
بشكل عام، وجدت الدراسة أن المشاركين الذين تناولوا البيض الكامل كانت لديهم كثافة أعلى من المغذيات في نظامهم الغذائي. كما لاحظت ارتفاعاً في مستوى الهيماتوكريت، وهو مؤشر يقيس كثافة خلايا الدم الحمراء، ويمكن أن يكون منخفضاً في حالة فقر الدم.
وفي هذا الصدد، قال أندرسن: “إن وجود نطاق شامل للقياسات يسمح لنا بتقييم تأثيرات تناول البيض بشكل أفضل وبالتالي نستطيع رؤية التغيرات الإيجابية في سياق علامات أخرى، حتى إذا كان هناك تغيير واحد أقل إيجابية”.
حبوب منع الحمل وتناول البيض
شملت الدراسة مشاركين من الجنسين، وكانت نسبة تقريبية من نصف المشاركات تتناول حبوب منع الحمل عن طريق الفم. وهذا سمح لأندرسن بدراسة الاختلافات المحتملة في النتائج الغذائية بين النساء اللاتي يتناولن حبوب منع الحمل وأولئك اللاتي لا يتناولنها.
وأضافت أندرسن: “أن حبوب منع الحمل هذه شائعة جدًا، وهناك نقص في الدراسات التي استكشفت تأثير تناول هذه الأدوية على استجابة الشخص للتدخل الغذائي”.
وعلى الرغم من أن هذه النتائج ليست ذات دلالة إحصائية، إلا أن الباحثين لاحظوا بعض الاختلافات في هذه الفئة الفرعية.
فقد تبين أن عينات الدم المأخوذة من المشاركات الإناث اللاتي لم يتناولن حبوب منع الحمل أظهرت زيادة أكبر في نسبة الكوليسترول الكلي إلى الكوليسترول الحميد، الذي يعتبر عامل خطر لأمراض القلب.
وفي هذا السياق، صرحت أندرسن: “كان هذا مغايراً لتوقعاتنا الأولية. فعادةً ما يرتبط استخدام أدوية منع الحمل الهرمونية بتغيرات ضارة في الأيض. ولكن في هذه الحالة، يبدو أن لها دورًا وقائيًا أكبر في استجابة الجسم لتناول البيض”.
وأظهرت النتائج أيضًا أن المشاركات الإناث اللاتي لم يتناولن حبوب منع الحمل سجلن زيادة أكبر في وحيدات الدم مقارنةً بالمشاركات اللاتي تناولن حبوب منع الحمل. وتعد وحيدات الدم جزءًا من نظام الدفاع المناعي الأول للجسم. ومن اللافت للانتباه، بغض النظر عن استخدام الدواء، أن التغيرات في المؤشرات المناعية السريرية نتيجة تناول البيض الكامل ترتبط بمقاييس مستويات الدهون الكولسترولية العالية الكثافة (HDL) في الدم.
العلاقة بين تناول البيض والمناعة
تُعَدُّ هذه الدراسة الأولى في سلسلة من الدراسات التي تجريها أندرسن حول التفاعلات المرتبطة بتناول البيض والعلاقة بين HDL والمناعة. وتشمل التساؤلات الأخرى التي تبحثها في مختبرها تكوين جزيئات HDL وقدرتها على تنظيم نشاط الخلايا المناعية، حيث تُبيِّن الأبحاث الحديثة أن HDL يحمل مئات البروتينات، ليس فقط الكوليسترول. وتعتزم أندرسن أيضًا استكشاف الاختلافات في النتائج الغذائية المتعلقة بتناول البيض بين المشاركين في فئات عمرية مختلفة.
وفي هذا السياق، صرحت أندرسن: “الاتجاه السائد في مجال التغذية هو تطوير إطار عمل لتوفير توصيات غذائية دقيقة وفردية، واستكشاف كيف يمكن للاختلافات في العمر والجنس والوراثة وتكوين البكتيريا المعوية وغيرها أن تؤثر على استجابة الفرد للتدخل الغذائي”. “وبالتأكيد، فإن الباحثون يعملون حاليًا على استكشاف هذا الجانب بشكل أعمق”.