الصحة والغذاء

من وظائف الطعام: إشباع.. وإراحة للنفوس!!

يحتاج الإنسان إلى الغذاء من أجل الاستمرار في الحياة، ومن أجل سلامة نموه الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، ومن أجل القيام بالأنشطة والأعمال البدنية والذهنية المختلفة، بل ومن أجل الإبداع والابتكار وصفاء الذهن.

وللطعام وظائف وآثار أخرى، فهو رمز اجتماعي ونفسي، فغالبًا ما يجتمع أعضاء الأسرة حول مائدة واحدة للطعام، يشارك بعضهم بعضًا مشاعر الألفة والمودة والمشاركة الوجدانية والإخوة والأبوة والأمومة، ويزيد من شعورهم بالاتحاد والتماسك والتضامن الأسري. فالمائدة تنشئ جوًا من الدفء العائلي.

وتقديم الطعام لشخص ما يعني أن هناك من يعتني به ويقدم له هذا الطعام الذي يحقق له قدرًا من إشباع حاجاته الضرورية. ولذلك نحن نربط بين الطعام والرعاية الوالدية والعلاقات الحميمة.

والذين يغتربون عن الأسرة بسبب العمل أو الدراسة، عادة ما يجمعهم الطعام عند عودتهم في عطلات نهاية الأسبوع أو في الإجازات الصيفية فتزداد الروابط الأسرية والعاطفية بينهم.

وتقديم الطعام هو أحد ضروب كرم الضيافة الذي اشتهر به المجتمع العربي القديم وفي الريف والقرى حتى اليوم. فعادة ما يقدم الطعام بشكل جماعي في المأتم كما يقدم في الأفراح والمناسبات السارة. وقبول المرء للطعام يشير إلى قبوله للتعاطف مع من قدمه له، ورفضه قد يعني أنه يرفض هذا الصديق أو ذلك القريب، فالطعام إذا تعبير عن التقارب الاجتماعي.

وعلى ذلك فإن للطعام أكثر من وظيفة نفسية واجتماعية إلى جانب وظيفته الحيوية في بناء الجسم، ومده بالسعرات الحرارية اللازمة لتوليد الطاقة والحيوية، وللحماية من الإصابة بالأمراض الجسمية والنفسية ومن الضعف والهزال والذبول. والطعام يعكس ثقافة المجتمع المحلية، فقد يرتبط مجتمع ما بتناول البيض واللحوم والبطاطس والسكريات والكريمات والفاكهة واللحوم والأسماك. ووفرة الطعام تدل على الرخاء الزراعي وتوفر المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني.

والطعام يدعم الشعور بالتعارف الجيد، ولذلك فإن له وظائف نفسية وقيمة معنوية خلافا لقيمته الغذائية الصرفة. ومن الملاحظات العابرة ومن التجربة الذاتية أن الإنسان يشعر بالسعادة والبهجة وترتفع روحه المعنوية عندما يتناول وجبة غذائية يشتهيها، والعكس صحيح قد يعتريه شيء من الكآبة وتنخفض روحه المعنوية عندما يتناول طعاما غير شهي، وبعض الأطعمة ترتبط بالشعور بالسعادة كالحلوى وبعضها يساعد على الاسترخاء والهدوء.

وللأزواج لا ينبغي أن يتم تناول الطعام بطريقة آلية ميكانيكية أو جافة بعيدة عن التعاطف وإظهار الاهتمام بإعداد طعامه وشرابه، وتقديمه بصورة شيقة وشهية وجذابة مصحوبة بشيء من العاطفة أو التدليل. وتظهر علامات الشعور بالرضا هذه عندما يجلس الطفل منتظرًا انتهاء والدته من طهو طعامه وإعداده، ونحن الكبار نشعر بالاشتياق والرغبة القوية في تناول الطعام ونحن في انتظار موعد الإفطار في شهر رمضان المبارك مثلاً.

وهناك دراسات توضح أن إرضاع الأم من ثديها واحتضانها للطفل وضمه إلى صدرها يفيد أكثر من مجرد تقديم الطعام بصورة آلية.

ويشعر بعضهم بالانبهار عندما يكون أمامه مائدة تحتوي مفاخر الأطعمة، وخصوصًا إذا كان جائعًا ويشعر بالنشوة من رائحة الطعام الذكية، ولذلك من الآداب الإسلامية أن يحمد الإنسان الله تعالى بعد تناول كل وجبة.

وعلى العكس من ذلك، فإن الإنسان يشعر بالتوتر والقلق عندما يتعرض لحالة شديدة من الجوع والحرمان من الطعام ويعبر عنها شعبيا “بقرصة” الجوع، وكأن الجوع يؤذي ويقرص أو يلسع صاحبه.

وعندما يحرم الإنسان من الطعام لفترة طويلة، فإن معدلات السكر في الدم تنخفض.

وعلى الرغم من أن الغذاء مصدر متعة ولذة وإشباع وشعور بالرضا والسعادة، إلا أن عادات تناوله الطعام قد تختل، فيكف الإنسان عن تناول ما يحتاج إليه جسمه من الغذاء، وبذلك يحرم من متعة الغذاء وينحو بجسمه نحو النحول الزائد عن الحد، حتى يصبح كالهيكل العظمي.

ومن المؤسف أن هذه المجاعة لا تكون عن فقر أو عوز أو قصور ذات اليد، وإنما تكون طواعية واختيارًا عندما يعزف الفتى أو الفتاة عن تناول الطعام، مهما كان شهيًا، بل إننا نجد الفتاة تعزف عن تناول الطعام الشهي الذي تتسوقه بنفسها وتعده وتطهوه طهوًا جميلاً، ولكنها تقدمه الأفراد أسرتها وتمتنع عن تناول أي شيء منه يذكر.

فالمريض في هذه الحالة قد يكون ثريًا جدًا ومع ذلك هو نحيل جدًا.

فكيف يرتبط النحول بالثراء؟

بالطبع النحول مثله مثل البدانة المفرطة يقضي على الجمال والجاذبية والحيوية والأنوثة وخفة الحركة. وفي الغالب تعتري الفتاة هذه الحالة التي تجعلها تعزف عن الطعام إثر تعرضها لأزمات نفسية أو مشاكل اجتماعية. ويؤدي النحول الزائد إلى أن تصبح الفتاة الناضجة كأنها طفلة صغيرة الحجم، ويأخذ أنفها في التدبب ووجنات خديها في البروز وتختفي حمرة الشفاه الطبيعية من وجهها، ولا يعوض ذلك كثرة ما تضعه من أحمر الشفاه وباقي المساحيق، وتضطر لارتداء ملابس تخفي معالم جسمها. ومن الغريب أن مثل هذه الفتاة تنكر إصابتها بالنحول، وتدعي أن حجمها هذا هو الذي ترغب فيه، وقد تمارس الرياضة الشديدة يوميًا بغرض إنقاص وزنها. وإلى جانب فقدان الوزن والحيوية والجاذبية من جراء الحرمان من الغذاء الطبيعي، فإن المريضة تعرض حياتها لخطر الوفاة إذا استمرت في الإبقاء على نقصان وزنها بصورة حادة وإذا لم تتخلص من الخوف غير المبرر من زيادة وزنها أو إصابتها بالسمنة. إنه مجرد وهم نفسي وبعيد عن حقيقة وزنها وجسمها الطبيعي. ويصاحب النحول الناجم من الحرمان الشديد من تناول الطعام، وجود صورة عقلية مشوهة عن جسم المريضة في ذهنها، حيث تعتقد، خطأ أنها بدينة وأن وزنها أزيد من اللازم، وتخاف على جمالها وجاذبيتها من السمنة المفرطة. ويؤدي الضعف العام الناجم عن قلة الغذاء إلى انقطاع الدورة الشهرية للأنثى. ومن المؤسف أنه رغم مستوى المعيشة، ورغم انتشار الوعي الصحي والغذائي إلا أن مرض فقدان الشهية آخذ في الازدياد في هذه الأيام بسبب عوامل ثقافية غربية تنطلق من أن جمال المرأة يكمن في نحولها. مع أن شدة الجوع تؤدي إلى خلل في كيمياء الجسم، والإصابة بعدد من الأمراض التي تنتهي بالوفاة منها الأنيميا الحادة. ومع ذلك تنكر الفتاة فقدانها لأي شيء من وزنها، وتشغل بالها بالنظر في المرآة طوال اليوم لجسمها، وتعتقد أن جسمها أزيد من اللازم. وتنم حالة العزوف هذه عن رغبة لا شعورية لدى الفتاة في عدم الوصول إلى مرحلة الرشد والنضج، ومن ثم تحمل مسؤولية الحمل والولادة وتكوين الأسرة ورعايتها. إنها ترغب أن تظل طفلة. ولا ترغب أن يؤدي زواجها إلى بعدها عن حضن أسرتها. ويكشف تحليل شخصيتها عن كونها شخصية مثالية تبغي الكمال، وتؤمن بأن المرأة المثالية هي المرأة الخفيفة الوزن، وهذا خطأ بين. المؤكد أن الموقف المثالي هو المتمثل في التوسط والاعتدال، فيأكل الإنسان من كل خيرات وطيبات الرزق دون الخبائث أو المحرمات ودون إسراف أو مبالغة في إشباع شهوة الطعام. 

أ.د. عبدالرحمن العيسوي – أستاذ علم النفس

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم