الصحة والغذاء

(المتبقيات) الزراعية ثروة اقتصادية مهدورة

المخلفات الزراعية هي ناتج حيوي من عملية إنتاج الغذاء من المحاصيل الزراعية المختلفة، ويميل الكثير من أنصار تلك المواد ذات القيمة الاقتصادية الهامة إلى تسميتها بالمتبقيات الزراعية بدلاً من لفظ المخلفات الزراعية ويروا أن تلك المواد الناتجة من عمليات استخلاص وتصنيع الغذاء من المحاصيل  الزراعية المختلفة هي “ناتج حيوي ذو قيمة اقتصادية عالية خاصة في البلاد والمناطق التي تعاني نقصاً كبيراً في الغابات الطبيعية ولديها حاجة كبيرة إلى سد الفجوة الخشبية من خلال عملية استزراع الغابات صناعياً أو البحث عن بدائل أخرى للمادة الخشبية ومنها استخدام تلك المتبقيات الزراعية”.

قد يظن البعض للوهلة الأولى أن المخلفات (المتبقيات) الزراعية أمر عابر ينتهي إلى أكوام من القش والأوراق والجذوع في مكبات البلديات ولا تعدو عن كونها هشيم يكفي عود ثقاب لإحراقها والتخلص منها لكن على الرغم من أنه قرار قد يبدو سهل بسيط لدى أغلب المزارعين لكن على من يُقدم على ذلك أن يدرك أولاً أنه يحرق ثروة اقتصادية ويُضيع على الدولة فرصةً يُمكن استغلالها، ليس هذا فقط بل ويكبدها ملايين الريالات التي تنفقها لمحو آثار وخطورة ذلك الأمر على صحته وصحة أولاده وجيرانه بل وعلى البيئة المحيطة به ككل.

انطلاقاً من اتفاقية كيوتو تحاول كثير من الدول إيجاد حلول لتقليل الضغط على النظام البيئي العالمي ومنها الأخطار التي تشكلها المخلفات كانتشار الأمراض والأوبئة وانبعاث الروائح الكريهة وتوالد وتكاثر الآفات ونواقل الأمراض وتلوث مياه الشرب وتصاعد الدخان والغبار والتأثير في القيم الجمالية والمعنوية.

وقد نشر البنك الدولي (١٩٨٠) ورقة علمية تتعلق بالسياسات الصحية مفادها أن سبب الوفيات في البلدان النامية يرجع إلى الأمراض التي تسببها الفضلات الآدمية والنفايات، والتي يتم التخلص منها إما بحرقها أو رميها في مرامي البلديات ولهذا مما لا شك فيه أضرار بالغة على البيئة علاوة على عدم الاستفادة من إعادة تصنيع هذه المخلفات.

وبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية يلاقي سنوياً نحو 4.3 مليون نسمة حتفهم في وقت مبكّر من جرّاء الإصابة بأمراض يمكن عزوها إلى تلوّث الهواء داخل المنزل بسبب حرق الكتل البيولوجية (الحطب والروث والمخلفات الزراعية) والفحم على نيران مكشوفة أو مواقد مسرّبة للدخان لأغراض الطهي وتدفئة منازلهم على نحو غير كفوء.

وقد نصت المادة الثامنة من النظام العام للبيئة في المملكة على أهمية تدوير المخلفات واستعمال تقنيات التدوير وإعادة استخدام الموارد، والتنسيق مع الجهة المختصة لوضع وتنفيذ خطة وطنية لتدوير المخلفات وإعادة استخدام الموارد وتشجيع الجهات التي تتبنى تدوير المخلفات وإعادة استخدام الموارد والتنسيق لإعداد خطة إعلامية وطنية بأهمية إعادة استخدام الموارد وتنميتها والمحافظة عليها وتشجيع إقامة ورش العمل والندوات والمؤتمرات العلمية المختصة بتطوير تقنيات التدوير وإعادة استخدام الموارد وتطوير التقنيات الموروثة ومن هذا المنطلق احتضنت الأحساء مؤخراً ورشة عمل تحت عنوان «المخلفات الزراعية وحماية البيئة.. فرص اقتصادية واعدة» برعاية صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن جلوي آل سعود محافظ الأحساء، وبحضور معالي وزير الزراعة الدكتور فهد بن عبد الرحمن بالغنيم.

وقد خرجت تلك الورشة التي بادرت بتنظيمها أرامكو السعودية وبمشاركة وزارة الزراعية ممثلةً في هيئة الري والصرف بالأحساء بالعديد من التوصيات لعل أهمها:

أولاً: تشجيع ودعم الاستثمار المحلي والأجنبي في مجال المخلفات الزراعية للحصول على منتجات ذات قيمة مضافة ووضع ذلك ضمن أولويات الدعم الحكومي.

ثانياً: تعظيم الاستفادة من المخلفات الزراعية عن طريق استخدام التقنيات الحديثة في تدوير تلك المخلفات لإنتاج غاز الميثان الحيوي، الكحول الإيثيلي كمصدر متجدد للطاقة، الفحم النشط، الفورفورال، الأسمدة العضوية ” كمبوست”، الخشب الحبيبي، أعلاف للحيوانات غير تقليدية وبروتين أحادي الخلية (SCP).

ثالثاً: حصر وتصنيف المخلفات الزراعية بمختلف مناطق المملكة وتقدير كلفة الجمع والفرز، والاستفادة من المزارع النموذجية التابعة لوزارة الزراعية بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) في إجراء تجارب تتعلق بتعظيم الاستفادة من المتبقيات الزراعية.

رابعاً: إعداد دراسات جدوى للمنتجات من المخلفات الزراعية وبالأخص الأعلاف الحيوانية غير التقليدية، الفحم، الكمبوست، الوقود الحيوي، استخدام نواة التمور في إنتاج مادة للتحكم بخاصية فقدان الجزء المانع في آبار النفط والغاز، وإضافة إلى استخدام المخلفات الزراعية في معالجة المياه.

خامساً:       تفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية لحل مشكلة الاستثمارات الكبيرة التي لا يستطيع المزارع تحملها خاصة في مجال تدوير المخلفات الزراعية وتأمين الفرامات اللازمة.

والتوصيات في مجملها جيدة ولكن ماذا عن آلية تنفيذ تلك التوصيات في ظل غياب بيانات وإحصاءات حقيقية عن كميات المخلفات الزراعية في المملكة إجمالاً وفي الأحساء بشكل خاص فكل ما هو متوفر من بيانات لا يعدو عن كونه تقديرات ولا ينطبق الحال فقط على المخلفات الزراعية بل يشمل أيضاً المخلفات بشكل عام.

ووفقاً لما هو متاح من بيانات يقدر حجم المخلفات في المملكة بأكثر من 13 ملايين طن سنوياً، فيما تقدر المخلفات النباتية بأكثر من 1.5 مليون طن سنوياً، وتزيد مخلفات جريد النخل على أكثر من 300 طن سنوياً، وتقدر مخلفات التمور بأكثر من 100 ألف طن.

وعلى الرغم من أن المملكة تأتي في مقدمة الدول انتاجاً للنفايات الا أنها من أقل الدول استفادة منها وانتاج الفرد السعودي من النفايات يصل الى 2 كيلو جرام يومياً وهو من أعلى المعدلات على مستوى العالم لكن يظل تصنيف تلك النفايات وفصلها وتحقيق الاستفادة منها أمر صعب التحقيق وهو ما يتطلب تكاتف الجهود لحل تلك الأزمة في ظاهرها والثروة الضائعة في حقيقتها.

ووفقاً لبيانات المصلحة العامة للإحصاءات فقد أنفقت المملكة ما يقارب بليوني ريال في منتصف التسعينيات على التخلص من النفايات بالإضافة إلى ما تنفقه وتتحمله من نفقات لمحو الآثار البيئية والصحية الناجمة عن عدم استخدام المخلفات بالصورة السليمة ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فمع التوسع العمراني وتغير أنماط الحياة وزيادة معدلات الاستهلاك أصبحت المملكة تنفق المليارات سنوياً على عملية جمع المخلفات ونقلها والتي تنتهي إلى مكبات البلديات مخلفةً ورائها أعباء أكبر وأضراراً بيئية.

إن الأمر لا يجب أن يتوقف فقط عند إقامة الندوات والورش والمؤتمرات والخروج بتوصيات بل يجب أن يتعدى ذلك ليجد رعاية أكثر من الدولة بسن تشريعات تحد من إهدار تلك الثروات والعمل على استغلالها الاستغلال الأفضل وتحد من حرقها للأثار البيئية الضارة التي تنجم عن ذلك التصرف الغير مسئول، وكذلك توفير الدعم اللازم للشركات التي ستعمل على جمع أو فصل أو تصنيع المخلفات وإعطاء أولوية لمنتجاتها وتوفير المعارض لها، وتقديم تسهيلات في منح التصاريح والتراخيص.

 ولعل أفضل الحلول لهذا الامر هو إقامة مشروع بنظام الشراكة بين القطاع العام والخاص (Public Private Partnership) يأخذ في عين الاعتبار الأهمية الاقتصادية للمشروع وما يوفره على الدولة من نفقات لا تبدو مباشرة عند احتساب جدوى المشروع) كالأثر البيئي والصحي والنقل الذي تتولاه البلديات وجهات مختلفة من الدولة (وهو ما قد يؤثر على جدوى المشروع ككل ويجعل القطاع الخاص يتردد في الإقدام على تنفيذه، ولإدراك الدولة الكامل للمنافع الإيجابية العديدة التي يحققها المشروع ومنها توفير نفقاتها و خلق فرص عمل جيدة تنجح من خلاله تلك الشراكة في تحويل المخلفات من عبء واقع على عاتق الدولة إلى قيمة اقتصادية مضافة.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم