كان طعام أهل الشام الرئيس الكبة, وهي عدة أنواع ليس نوعًا واحدًا، فمنها: الكبة النيئة والكبة المقلية والكبة المشوية والكبة بالصينية والكبة الحميص والكبة السفرجلية والكبة على السيخ والكبة اللبنية والكبة المشمشية.
ولابد لنا قبل أن نتحدث عن النوع الذي كاد ينقرض أن نشير بسرعة إلى طريقة تصنيع الكبة الأم التي تتفرغ عنها الأسماء السابقة. فمادتا الكبة الأساسيتان هما: اللحم الهبرة والبرغل، ويضاف لهاتين مواد أخرى حسب نوع الكبة.
يؤتى عادة بلحم الخروف الخالي من الدهن نهائيًا أو لحم البقر أو لحم الجمل فيطحن طحنًا عنيفًا حتى يصبح كالمرهم، وقد كان هذا يتم سابقًا بوضع اللحم في جرن حجري حيث يدق، أما اليوم فتستعمل الطاحونة الكهربائية. ويؤتى أيضًا بالبرغل فيغسل بالماء عدة مرات حتى يزول ما فيه من الحصى أو القش ويصبح طريًا ثم يطحن في الجرن الحجري قديمًا، وبالطاحونة الكهربائية اليوم، ثم يجمع البرغل واللحم معًا ويضاف إليهما البصل وتطحن جميعًا مرة واحدة حتى يختلط الجميع ثم يبدأ بتشكيل قوالب الكبة.
ومع أن قسمًا كبيرًا من الأنواع السابقة لا يزال يحتل مكانه من المطبخ الشامي لكن بعض هذه الأنواع بدأت تضعف وتسير في طريق الزوال. ومن هذه الأنواع المشمشية بالفول.
تتكون مواد هذا النوع من: الكبة المطحونة واللحم والنشاء والفول والسلق والدهن والجوز والبصل والطرخون واللبن، وعادة يؤتى باللحم فيسلق سلقًا تامًا حتى ينضج، ثم يؤتى بالفول فيسلق حتى ينضج وتتفجر قشرة حبة الفول الأخضر، ثم يطحن البصل مع الدهن والجوز ويضاف إلى الجميع الملح والبهارات.
ثم تكون الكبة كرات أكبر من كرات طابات «البينج بونج» وتفرغ الكرة من داخلها ثم تملأ بمطحون الجوز والدهن والبصل، وتغلق الكرة وتوضع جانبًا، ثم تثقب بعود كبريت أو رأس شوكة، أو عود أسنان بضعة ثقوب حتى يتسلل اللبن إلى داخل كرات الكبة.
أما اللبن فإنه يخلط مع بياض بيضة أو بيضتين بشكل جيد، وذلك حتى لا يفرط اللبن إذا وضع على النار، ثم يغلى اللبن مع إضافة محلول النشاء له، ويبقى في الغليان حتى يزول طعم النشاء، ثم يضاف حبات الكبة وتترك تغلي مع اللبن حتى تنضج، ثم يضاف اللحم المسلوق والسلق والفول المسلوق وأوراق الطرخون وهو نبات حريف مهيج للشهية، ولا يوجد إلا في دمشق، ويغلى الجميع مدة بسيطة حتى تشرب العناصر بعضها طعم بعض.
والسؤال الآن: لماذا كاد هذا الطعام أن ينقرض؟ والجواب عن ذلك واضح وبسيط، فإن هذا النوع من الطعام يكلف مالاً كثيرًا، والأهم من ذلك أنه يستغرق وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا وتعبًا مرهقًا، وأن هذا النوع من الطعام يحتاج إلى يومين أو ثلاثة، ونساء اليوم لسن مستعدات للالتزام بمتطلبات هذا النوع من الطعام.
محمد سعيد مولوي