الصحة والغذاء

الخلايا البيضاء.. ماذا تفعل لأجسامنا؟

إذا كانت دماؤنا تحتوي على ملايين الخلايا الحمراء في كل واحد سنتميتر مكعب، فإنها لا تحتوي إلا على عدة آلاف من الخلايا البيضاء من نفس هذه الكمية من الدم.

ولا تختلف الخلية البيضاء عن الخلية الحمراء من حيث العدد فحسب، بل تختلف كذلك من حيث التكوين أو التركيب ومن حيث الوظيفة. ومن أبرز الاختلافات:

–  الخلية البيضاء أكبر حجمًا من الخلية الحمراء.

 – الخلية الحمراء توجد من نوع واحد بينما يوجد خمسة أنواع من الخلايا البيضاء.

–  الخلية الحمراء بسيطة التركيب بالنسبة للخلية البيضاء.

–  الخلية البيضاء لها نواة وملحقات (Organelle) ..وهو ما لا يتوفر للخلية الحمراء.

 – الخلية الحمراء لها وظيفة واحدة (نقل الأكسجين للخلايا.. ونقل ثاني أكسيد الكربون للتخلص منه.. أما الخلايا البيضاء فلها وظيفة مختلفة تمامًا ومتعددة الجوانب، فهي تحمينا من المرض بمطاردة الجراثيم، وتزيل المخلفات غير الحية للخلايا من مناطق العدوى والجروح.

–  وحتى تتمكن الخلايا البيضاء من القيام بهذه المهام الدفاعية فإنها تتمتع بقدرات خاصة لا تتوفر للخلايا الحمراء ولا لغيرها. فهي تستطيع أن تتحرك كالأميبا مما يمكنها من التجول داخل الأنسجة ورصد الأعداء.. كما يمكنها الالتهام، أي التهام جسم غريب أو عدو يصادفها (Phagocytosis).

وتبعًا لهذه الوظائف الدفاعية فإن أعداد خلايا الدم البيضاء تزيد في حالات العدوى عمومًا كنوع من الدعم لصفوفها وجبهتها حتى تتمكن من ملاحقة الجراثيم، كالبكتيريا والفيروسات، والقضاء عليها. وهذه الزيادة في أعداد الخلايا البيضاء عادةً ما تقتصر على الخلايا المتعادلة، كما سيتضح.

خمسة أنواع تدافع عنك:

والخلايا البيضاء لها أشكال مختلفة.. ومنها قسم يظهر به حبوب في السيتوبلازم (ولذا تسمى بالخلايا المحببة (granulocytes).. ومنها قسم آخر غير محبب (Agranulocytes).

دعنا نوضح أنواع كل قسم من هذين القسمين ووظيفته:

من هذه الخلايا نوع يتحرك كالأميبا ويتخلل الأنسجة متوجهًا ناحية أي عدوى أو إصابة حيث يقوم بالتهام الجراثيم أو الخلايا الغريبة والمواد التي اخترقت الجسم. يسمى هذا النوع بالخلايا المتعادلة.. ويشغل أكبر نسبة من الخلايا البيضاء تكون حوالي 60٪.

وهناك نوع آخر من هذه الخلايا يستطيع أيضًا التحرك كالأميبا واختراق الأنسجة لكنه مكلف بمهاجمة الديدان الطفيلية الغازية وليس البكتيريا أو الفيروسات، ولكن من الواضح أن هناك تفاوتًا في الحجم بينهما، ولذا فإن هذه الخلايا لا تستطيع التهام دودة وإنما تحاربها بوسيلة أخرى حيث تتجمع هذه الخلايا حولها وتفرز إنزيما هاضما لتكسيرها وتحليلها.

كما أن لهذا النوع من الخلايا وظيفة أخرى، ففي حالة حدوث التهاب تحسسي (أي حالة حساسية) فإنها تقوم بإفراز كيمياويات للقضاء على هذا الالتهاب.

تسمى هذه الخلايا بالخلايا المُحبة للأيوزين أو أيزينوفيل (Eosinophils)  وهذه تشغل نسبة بسيطة من أعداد الخلايا البيضاء عامة تكون حوالي 1٪. ومن الواضح بناء على ما سبق أن هذا النوع من الخلايا يزداد في حالات الإصابة بالديدان الطفيلية أو في حالات الحساسية.

أما النوع الأخير من هذه الخلايا المحببة فهو المختص بإثارة تفاعل الحساسية الذي سبق الحديث عنه.. فعندما يتعرض الجسم لأذى بسبب مادة غريبة غير مقبولة له (حساسية) تقوم هذه الخلايا بإفراز مادة كيميائية تحفز على خروج البلازما للأنسجة وبالتالي توفير المواد الضرورية للإصلاح والالتئام. كما تفرز هذه الخلايا مادة كيميائية أخرى مادة مقاومة للتجلط لأن حدوث تجلط يمنع عمل الهستامين.

إن عمل هذه الخلايا يتضح من خلال ما قد نتعرض له من حالات حساسية مثل لدغ حشرة أو استنشاق حبوب لقاح.. ففي هذه الحالة يتورم الجزء المصاب (أو مجرى التنفس) بسبب إفراز الهستامين من هذه الخلايا وحدوث رشح بالأنسجة كالذي يظهر في حالات سيلان الأنف أو تدميع العين أو تورم الجلد مكان لدغة الحشرة.

وعلى الرغم من أن هذا يعد رد فعل طبيعيا تمامًا إلا أنه قد يكون شديدًا وخارج قدرتنا على التحمل ولذلك نلجأ لتناول العقاقير المضادة للحساسية (المضادة للهستامين).

هذه الخلايا التي تحدث بأجسامنا هذه التغيرات والتي قد تصل إلى حد المضايقات تسمى الخلايا المحبة للمواد القاعدية وتشغل أقل نسبة من الخلايا البيضاء تكون عادةً أقل من 1٪.

وهناك نوع آخر من الخلايا البيضاء يعمل بمثابة المنظف للأنسجة لقدرته الكبيرة على الأكل والالتهام حيث يطوف بالأنسجة ويلتهم البكتيريا، والخلايا الميتة، وكل المخلفات.

ومن البديهي أن هذه الخلايا الأكولة الملتهمة تكون كبيرة الحجم نسبيًا وتتميز كذلك بوجود نواة أشبه بالكلية أو حبة اللوبيا.. ورغم حجمها الكبير إلا أنها تتمتع بقدرة كبيرة على الحركة بشكل أشبه بحركة الأميبا والتسلل عبر جدران الشعيرات الدموية. تسمى هذه الخلايا بوحيدة الخلية وتكون نسبتها حوالي 5٪ من إجمالي الخلايا البيضاء.

أما النوع الأخير من الخلايا البيضاء فله وظيفة دفاعية مختلفة.. فهو لا يلتهم وإنما مكلف بتوفير المناعة للجسم من خلال إنتاج الأجسام المضادة، وهي عبارة عن بروتينات خاصة تستخدم كأسلحة ضد الأعداء من الجراثيم الغازية. ومن الطريف والعجيب أن هذه الخلايا لديها (ذاكرة) بمعنى أنه إذا حدث غزو بنوع سابق من الجراثيم) البكتيريا أو الفيروسات) فإنها تتعرف عليه بسرعة وتحدده وتقوم بإنتاج أجسام مضادة له دون تأخير..

ومن هنا يحدث ما نسميه بالمناعة. تسمى هذه الخلايا بالخلايا الليمفاوية.. والجزء المختص منها بتكوين أجسام مضادة لأنواع محددة من الجراثيم. حيث إن هناك نوعًا منها لا ينتج أجسامًا مضادة لكنه يهاجم الخلايا الغريبة ويقتلها (كالخلايا البكتيرية، والخلايا الفيروسية، والخلايا السرطانية.(

وتبلغ نسبة الخلايا الليمفاوية حوالي 30٪ من إجمالي الخلايا البيضاء.

والخلايا الليمفاوية لا توجد سابحة مع تيار الدم فحسب وإنما تتركز كذلك في أنسجة اللوزتين، والغدد الليمفاوية، وغدة التيموس (بأعلى الصدر).. وهذه الأعضاء تمثل مكونات الجهاز المناعي للجسم.

ولذا لا ينصح بعض الأطباء باستئصال اللوزتين إلا في الحالات الضرورية (الالتهاب الشديد المتكرر) حيث يمثلان بذلك جبهة دفاعية ضد الجراثيم.

فترة الحياة

الخلايا البيضاء تتكون في نخاع العظم الأحمر ومن نفس الخلايا الجذعية المكونة لخلايا الدم الحمراء. وتخرج الخلايا في بادئ الأمر غير ناضجة ثم تنضج تدريجيًا ويكتسب كل نوع خصائصه المميزة.

وإذا كانت خلايا الدم الحمراء تعيش لفترة تصل إلى 120 يومًا، فإن الخلايا البيضاء عمرها محدود حيث تعيش لبعض ساعات أو ربما لبضعة أيام.. ولكن لماذا؟

إن الخلايا البيضاء وظيفتها شاقة فهي كالجيش الذي يحارب على الجبهة. ومن الواضح أن ذلك يعرضها لإصابات وتلفيات متكررة مما يختزل من عمرها.

لكن الله تعالى بفضله ونعمته علينا يعزز صفوف هذه الخلايا الدفاعية بخلايا جديدة شابة من وقت لآخر للحفاظ على كفاءة جبهتنا الدفاعية.

ومن الطريف أن عملية توريد خلايا بيضاء جديدة للدم لتعويض نقص الخلايا المتهالكة عملية معقدة للغاية تعتمد على إشارات ترسلها كيماويات من خلايا الدم البيضاء السليمة الموجودة.. ولم يستطع العلماء بعد كشف كل أسرار هذه الناحية.

د. أيمن الحسيني – استشاري الأمراض الباطنية

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم