الصحة والغذاء

الذين يأكلون ويأكلون.. ثم يأكلون

عندما تتاح الفرصة لبعض الناس فإنه يأكل ثم يعاود الأكل ثم يتبع ذلك بالحلوى، رغم إدراك أن ذلك سيكلفه ثمنًا باهظًا، وأن تلك السعرات الحرارية يجب ألا تبقى في الجسم. ورغم انتشار الحميات الغذائية على نطاق واسع إلا أن معظم الذين يفقدون أوزانًا باتباع الحميات تعود إليهم غالبًا أوزانهم الثقيلة من جديد.

المؤكد أن اللوم في هذه المشكلة يقع على الوجبات كبيرة الحجم ذات المذاق اللذيذ التي تتنافس المطاعم على تقديمها وتسهل الحصول عليها لمختلف الفئات الاجتماعية. رغم إدراك معظم الناس أن الأقل دسمًا وكمًا من الطعام هو الأفضل صحيًا، وأن الدهون الغنية بالسعرات الحرارية والنكهات تكثر في معظم الأطعمة.

فلماذا لا يتوقف الناس عن الإفراط في الأكل؟

يجب الاستمرار في التمارين البدنية والمعرفة والتثقيف الصحي، خصوصًا بين الأطفال، إلا أنه ينبه إلى أن من لديهم مشكلة في زيادة الوزن يحتاجون لمساعدة أكثر من ذلك. وأن المسألة لا ترتبط فقط بأسلوب الأكل، بل أيضًا بقابلية هؤلاء الأشخاص لاكتساب الوزن الزائد.

ونحن نأمل التوصل إلى فك لغز الإشارات التي تنقل التعليمات بين الجهاز الهضمي ومخازن الدهون بالجسم ومركز التحكم بالدماغ حتى يمكن التحكم في عملية الأكل والأيض والتي مقرها في منطقة تدعى تحت المهاد hypothalamus بالدماغ المتوسط، وإذا ما تمكن المختصون من فهم تلك الإشارات فإنهم سيتمكنون أيضًا من إعطاء الأشخاص ما قد يعرقل هذه الإشارات ويعطي الدماغ شعورًا غير حقيقي بالإشباع.

غريزة جيولوجية

إن الجوع بالطبع ليس السبب الوحيد الذي يدفع الناس للأكل، فهناك دور للتوتر والسعادة والفراغ والملل أيضًا. ونعتقد أن لدى الإنسان منذ القدم غريزة جيولوجية تجعله يأكل ما يقدم له جيدًا من أجل الاستمرار والبقاء.

وهذا التفسير قد يكون صحيحًا حين كان الإنسان لا يعرف متى سيتمكن من تناول وجبة أخرى، أما الآن وقد أصبحت الوجبة الثانية على مسافة تفصل بينك وبين الثلاجة فإن الأمر أصبح مشكلة حقيقية.

وحين استطاع الباحثون في عام 1994 التعرف على هرمون ليبتين  leptin، ويومها اعتقدوا أن ذلك سيحل مشكلة زيادة الوزن. وبينت التجارب على الفئران أن نقص الهرمون لديها جعلها تأكل بشراهة وتنمو بسرعة عجيبة. وعندما أعطيت حقنة الليبتين عزفت عن تناول الطعام وبدأت في فقدان الوزن.

وعليه اعتقد العلماء أن ذلك سينسحب على البدناء وأن إعطاءهم هرمون الليبتين سيساعدهم على فقدان الوزن، غير أن النتائج جاءت مخيبة للآمال، إذ وجد أن كثيرًا من البدناء لديهم هرمون الليبتين بصورة مرتفعة وأن إعطاءهم المزيد لن يفيدهم.

ويؤكد العلماء أنه كلما قلت كمية الليبتين بالجسم كان ذلك أفضل. فالخلايا الدهنية هي التي تفرز الليبتين الذي يعتقد أنه الوسيلة التي يعرف من خلالها الجسم أن مخازن الدهون قد نضبت. وحين تنخفض نسبة الليبتين فإن الدماغ يرسل إشارة بإبطاء الأيض وزيادة الأكل، وهو ما يسبب زيادة الوزن الأمر الذي يجعل نظام الحميات الغذائية أقل نفعًا وأكثر صعوبة. وقد لا يساعد على فقدان الوزن، بل على المحافظة على أوزانهم دونما زيادة وبعد اتباع حمية غذائية مناسبة.

وقد قامت هذه الدراسة على إجراء تجارب شملت ستة أشخاص، ثلاثة منهم من ذوي الأوزان الثقيلة وثلاثة أوزانهم عادية. وقد خضعوا جميعهم لنظام حمية حتى استطاعوا إنقاص 10% من أوزانهم.

بعدها حاولت أجسامهم إبطاء عملية الفقدان، واستعادوا الوزن من خلال إبطاء عملية البناء والهدم «الأيض»، ثم أعطوا حقنًا من هرمون الليبتين بصورة خفيفة تكفي فقط لتعويض كمية الليبتين التي يفترض وجودها بالدم من خلال إفراز الخلايا الدهنية لها.

وكان القصد من هذه العملية خداع الدماغ، حيث نجحت الخدعة وتسارعت عملية الأيض من جديد. لكن ظهر أن هذا الأسلوب غير عملي، فقد يتطلب الأمر الاستمرار بإعطاء الليبتين فترات طويلة تمامًا مثل علاج فرط ضغط الدم أو علاج أمراض السكري، وهذا بالطبع غير ممكن لأنها تنطوي على تغيير وظيفة بيولوجية حيوية بالجسم.

هرمون حفز الشهية

هناك هرمون آخر اسمه غريلين ghrelin يعتقد الباحثون أن له دورًا كبيرًا في حفز الشهية للطعام، ويؤثر على زيادة الوزن بشكل جوهري. وتعمل مادة هذا الهرمون داخل الدماغ رغم أنها تصنع في المعدة والأمعاء الدقيقة. وعند إعطاء هذا الهرمون للشخص فإنه يشعر بجوع شديد وتزداد كمية الطعام التي يتناولها عن المعدل بنسبة 30%.

وتزداد نسبة هذا الهرمون بالدم قبل تناول الوجبات وتنخفض مباشرة بعدها، وهو الذي يفسر الشعور بالجوع في أثناء تناول الطعام، كما أن نسبته تزداد عند الذين يخضعون لنظام الحميات الغذائية ويحاولون المحافظة على أوزانهم بعد نقصانها.

وبطبيعة الحال لن تتوقف الأبحاث الهادفة لإيجاد حل لمشكلة الأوزان المفرطة، وهناك هرمونات أخرى قيد الدراسة والبحث مثل هرمون «بي واي واي» PYY الذي يفرزه الجسم بعد الأكل ثم يرسل للدماغ، وهو الذي يحفف من الرغبة الشديدة في تناول الطعام ويصل بالجسم إلى نقطة الشبع والاكتفاء.

وأخيرًا، فليس هناك من أحد يعتقد أن دواء واحدًا سيكون يومًا كافيًا لعلاج السمنة المفرطة، بل ستكون ربما مجموعة من الأدوية كما هو الحال بالنسبة لأمراض الضغط والسكري.

د.ستيفن بلوم  Stephen Bloom – باحث في مجال السمنة المفرطة

اضف تعليق

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم