كان الطعام الرئيس في الأربعينيات من القرن العشرين في الولائم الدمشقية الطبخ في البيت أوالاستعانة بالمطابخ المستقلة أو الملحقة بالمطاعم الشهيرة أو بائعي الحلويات. وكانت هذه المطاعم والمطابخ في أكثر الحالات تقدم طعام «الأوزي» كما تنطقه اللهجة الشامية وتقدم حلوى مكونة من «النمورة» أو «الوردات على البارد» أو «المغشوشة» وهي الكنافة المبرومة المحشوة بخليط من القشدة والفستق.
أما البيوت فكان طعام الولائم الأساسي الفخذة مع الرز، والكبة بأنواعها من مشوية ومقلية وحمص وكبة في الصواني، إلى جانب «شوربات العدس والمتبل والبابا غنوج.
وسنتناول في هذه المقالة «الفخذة مع الرز»، وتعد بشكل رئيس من فخذ خروف صغير السن أو في حدود ستة أشهر من العمر أي ما يسمى بالقرقور إن كان صغيرًا وما يسمى بالدغلي إن كان قد شارف ستة أشهر أو زاد عليها.
وعادة ما يقطع الفخذ قطعًا مع عظامه حيث يبقى اللحم على العظم ثم يغسل اللحم ويقلى بالسمن ثم يجعل في قدر توضع على النار. ويلاحظ اللحم حتى إذا ارتفعت حرارته وخرجت على وجهه طفاوة رمادية اللون تسمى «بالزنخة»، وهي تسيء إلى طعم اللحم والمرق، كشطت ورميت، وتبقى ملاحظة اللحم مدة طويلة ما دامت الطفاوة تظهر على وجه المرق.. حتى إذا زالت وبدأ اللحم بالنضوج أضيف الملح والفلفل والبهارات ونبات العصفر الذي يعطي لونًا أصفر للطعام. ويبقى اللحم على النار حتى ينضج بشكل جيد؛ بحيث إذا أمسكت قطعة منه بين أصبعين تفسخت من كثرة النضج. وإذا بلغ المرق مرحلة جيدة من التكاثف والثخانة أصبح جاهزًا للأكل.
لكن هذا الطعام لا يقدم فريدًا بل لابد من الأرز. وطريقة إعداد الأرز هذا فريدة؛ إذ يغسل بعد تمحيصه بألا يكون فيه حصى ثم يوضع بعض السمن في قدر ويجعل على النار ويصب عليه الأرز ويحمص بهدوء ثم يصب عليه الماء أو بعض مرق اللحم، وتغطى القدر وتترك على نار هادئة فترى الأرز قد نضج وانتبجت حباته، ثم تأتي الخطوة الأخيرة وذلك بصب السمن البلدي «البري» على الرز.
قد يسأل سائل لماذا كاد هذا الطعام ينقرض؟ والجواب على ذلك أن الأمر يعود إلى عدة أسباب:
أولها: ارتفاع سعر اللحم الدائم والمستمر حيث كان اللحم في الخمسينيات من القرن الماضي يشترى بثلاث ليرات سورية .
وثانيها: أن هذا النوع من الطبخ يحتاج إلى وقت كبير وتعب كثير وكلفة باهظة فقد كان كيلو السمن العربي البري في الخمسينيات لا يصل إلى ثلاث ليرات وهو الآن أكثر من ألف ليرة.
وثالثها: أن كثيرًا من النساء اليوم غادرن منازلهن إما طالبات في المدارس أو موظفات فليس عندهن وقت لمثل هذا الطعام وفي الأطعمة الجاهزة في مطاعم «فاست فود» غنى وسد حاجة.
*محمد سعيد المولوي