من النعم الكثيرة التي أنعم بها الخالق سبحانه على الإنسان نعمة الذاكرة، حيث يحتوي المخ على ملايين الخلايا في مركز الذاكرة الذي يختزن آلاف الكلمات والتعبيرات والمواقف والأشكال والألوان والروائح والمذاقات، ويقوم مركز الذاكرة باسترجاع أي من هذه الأشياء في ثوان معدودة أو في أجزاء من الثانية.
الذاكرة والمراحل العمرية
ويرتبط نشاط الذاكرة بعمر الإنسان، حيث تكون في أوج نشاطها في مراحل الطفولة والشباب، وينخفض هذا النشاط تدريجيًا اعتبارًا من منتصف الثلاثينيات من العمر، ونبدأ في ملاحظة هذا الانخفاض ابتداءً من الأربعينيات ويكون أكثر وضوحًا في الخمسينيات.
ففي عام 1986م، عرف المعهد الأمريكي للصحة العقلية التدني التدريجي لنشاط الذاكرة بعجز الذاكرة المرتبط بتقدم السن، ويعتبر هذا العجز عرضًا طبيعيًا وليس مرضًا.
ويبدأ عجز الذاكرة بنسيان وجوه وأشكال وأسماء أشخاص كنا نتذكرها بسهولة من قبل، كما يتميز بعدم القدرة على التركيز حينما تتزاحم علينا الأحداث وتصبح الأصوات العالية مصدر إزعاج لنا، ثم ننسى أماكن الأشياء التي كنا نتذكرها بسهولة (مثلًا ننسى المكان الذي وضعنا به سلسلة المفاتيح في دقائق).
وهكذا نصبح معرضين لفقدان الأشياء والتركيز وراحة البال، ونبدأ في الانزعاج لما حدث ونقول إن الشيخوخة بدأت تزحف على عقولنا.
وحتى لا ننزعج على صحتنا ونطمئن نفوسنا نقول إن في كثير من الحالات لا ينشأ النسيان بسبب مرض ما في خلايا الذاكرة، بل قد يكون بسبب نقص في العناصر الغذائية أو بسبب تناول نوعيات من الأدوية أو الإصابة بالاكتئاب أو أمراض الغدة الدرقية أو الغدة الكظرية، أو إدمان العقاقير أو الخمور.
أهم الأسباب
ويعتبر تلوث الطعام أو الغذاء أو الماء أو الهواء بالمعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص والألمونيوم، من أهم الأسباب التي تعجل بحدوث فقدان الذاكرة.
وقد تبين أن الجذور الحرة (المواد المؤكسدة) تعد من أهم الأسباب التي تؤثر تأثيرًا في الذاكرة.. والجذور الحرة Free Radicals هي عناصر كيميائية تتكون داخل الجسم أو تصل إليه من البيئة الخارجية.
أما الإجهاد البدني والنفسي والإصابة ببعض الأمراض فيعتبر من أهم أسباب زيادة تكوين الجذور الحرة بالجسم، وبالتالي ارتفاع مستواها بالمخ.
كما يعتبر التلوث البيئي بالمبيدات الحشرية ومخلفات المصانع والتعرض للإشعاعات النووية والتدخين من أهم أسباب زيادة الجذور الحرة بالمخ. وحينما يرتفع مستوى الجذور الحرة بالمخ فإن هذا يعجل في تدمير خلايا الذاكرة وحدوث النسيان.
وتشير البحوث إلى أن مخ الإنسان يفقد نحو 5٪ من خلايا الذاكرة كل عشر سنوات بعد سن الأربعين، وحينما يصل الإنسان إلى سن الثمانين يكون قد فقد نحو 30٪ من هذه الخلايا، وتعتبر العوامل البيئية والمرضية التي أشرنا إليها من قبل سببًا من أهم أسباب الفقدان المبكر لخلايا الذاكرة.
أخطر الأمراض
ويعتبر مرض الزهايمر أخطر أمراض فقدان الذاكرة، وهو مرض مرتبط بتقدم العمر، حيث يصاب به نحو 10٪ فوق سن 65 سنة و50٪ بعد سن 85. وتدل الإحصاءات على أن نحو أربعة ملايين فرد في أمريكا مصابون بهذا المرض، وأنه من المتوقع أن يصل عدد المصابين به على مستوى العالم نحو 22 مليون فرد في عام 2025.
ومن أعراض الزهايمر فقدان ذاكرة تصاعدي للأحداث القريبة والبعيدة، أي أن شدة النسيان تزداد بمرور الأيام، والعجز في تفهم معاني الكلمات والعبارات والجمل، وصعوبة تذكر الأرقام والأسماء وإدراك الزمان والمكان، وعجز شديد في مقدرة المريض على التكلم بوضوح.
ويتميز مرض الزهايمر بتكوين مواد كيميائية ضارة وخلايا ميتة في مركز التفكير والذاكرة بالمخ، ومن خصائصه أيضًا قصور في تكوين مادة «أسيتيل كولين» Acetylcholine بخلايا الذاكرة، وهي المادة التي تقوم بنقل المؤثرات العصبية إلى خلايا الذاكرة.
*أ.د.عز الدين الدنشاري /أستاذ الأدوية والسموم
كلية الصيدلة، جامعة القاهرة