الصحة والغذاء

لاتسألوني فلست طبيباً انما أنا راوية

كانت أول مقالة كتبتها لمجلة الملتقى الصحي تحت عنوان : لست طبيبا ، ذكرت فيها حادثة جرت لنسيبى  زوج شقيقتي ، فقد أصيب بالتهاب الكبد الوبائي فاصفر لو نه ونحل جسمه وامتنع عن الطعام وأصبح قعيد الفراش  ، وقال الأطباء لانتوقع له أن يعيش أكثر من خمسة عشر يوما لذا اتصلوا بأولاده في أمريكا كى يحضروا ويودعوه وحضر الأولاد وكان كل يو م يقرب من النهاية .                                                                 وزارنا أحد الأقارب ولما شاهد حالة المريض قال لم لاتعطونه قثاء الحمار ، وسألناه ماهي قثاء الحمار قال  هو نبات ينمو على أطراف السواقي في غوطة دمشق له ثمر كالخيارة الصغيرة ويباع عند العطارين .               وأحضرنا قثاء الحمار وقطرنامن مائها في أنفه وكان منظرا عجبا اذ بدأ سائل أصفر يسيل من أنفه ويقطر وكأنه حنفية خربة تقطر منها المياه قطرة فقطرة ومضى يومان وجاء الثالث فاذا حال المريض قد بدات بالتغير وهكذا مضت الأيام الخمسة عشر ويصبح فيها المريض معافى ويعيش  بعدها خمسة عشر عاما .                       وقد أثارت المقالة تساؤلات عديدة من بعض القراء ، وكان جوابي دائما اسألوا الأطباء فلست طبيبا

  واليوم أروي حادثة أخرى ليس لي فيها الا الرواية  ، وهي  تتعلق بأبي وعمتي  وأبدأ القول : لست طبيبا واسألوا الأطباء وليس لأحد أن يشك فيما ارويه ، فالحادثة جرت والتفسير على الأطباء .                           فقد كانت عمتي تشكو من نوبات حادة في الكليتين من أثر الرمال ، وكانت النوبات اذا ضربتها  طبق صراخها البيت ، وتجعلها كالمجنونة ، وكانت تتعالج بدواء وصفه لها الطبيب ، ولم يكن الدواء المستورد معروفا وانما هو تركيب يقوم به الصيدلاني حسب وصفة الطبيب وكان ذلك على أبواب الأربعينات من القرن الماضي       ,وحضر والدي مساء الى البيت فاذا صراخ أخته قد طبق الأجواء من الألم ، والبيت تسوده الفوضى ، وتلقاه أبوه  بلهفة  ودفع اليه قارورة الدواء الفارغة ووصفة الطبيب وقال له أسرع الى الصيدلية وأحضر الدواء فأختك كما ترى في أشد حالات الألم واياك أن تتأخر ولا سيما أن وقت اغلاق الصيدليات قد أصبح قريبا .    

   كان مجمع الصيدليات متناثرا في منطقة ساحة الشهداء ( المرجة ) ، وكان في المنطقة مقهى نظبف يقصده أبناء الطبقة المترفة ، وكان مشهورا بتقديم المشروبات اللذيذة ، ولا سيما الشاي  ، وعن لوالدي شرب كأس من الشاي، وجره ا لشاي الى طلب (شيشة ) وجلس يدخن ويشرب الشاي وقد طاب له الجلوس فغفل عن أمر دواء اخته ، حتى اذا شعر أنه اكتفى من الجلوس على المقهى تذكر ما طلب منه ، فقام يسعى نحو الصيدليات  ، وطاف عليها جميعا فاذا هي قد أغلقت أبوابها وأسقط في يده فماذا يصنع وأبوه رجل شديد سريع الغضب وهو لن يأمن غضبه  فماذا سيصنع ؟؟                                                                                                                   

     انه الآن في ورطة ، وأخته تعاني ما تعاني ، وأبوه على أحر من الجمر ، وأحس بتأنيب الضمير ، وعاد يطوف على الصيدليات ولا فائدة ونظر حوله والمنطقة مليئة بالمطاعم وبائعي الأغذية ، وقرر أن يجد لنفسه مخرجا من ورطته هذه الليلة ، وغدا يأتي الأمر من الله .

    واتجه نحو دكان بائع المخلل(الطرشى ) وطلب من البائع أن يملأ له نصف الزجاجة بمرق المخلل ،ففعل ، ثم اتجه نحو بائع الحمص المسلوق  وطلب له أن يملأ ما تبقى من الزجاجة بمرق الحمص ،وخض الزجاجة حتى اختلط السائلان وأبصرصحيفة مطبوعة باللغة الفرنسية فاقتطع منها قطعة تشابه ما يلصق على قوارير الأدوية .وأتى دكان بائع العوامة (لقمة القاضي ) فأخذ مسحة من القطر (الشيرة) فدهن بها خلف ورقة الجريدة الفرنسية ولصقها على الزجاجة ومضى الى البيت .

     فتح الباب وتلقاه أبوه بوجه غاضب وصوت مرتفع يلوم على التأخر وبيد ممدودة لتناول قارورة الدواء ، واعتذر أبي بأن الصيدليات مغلقة وان الدواء استغرق وقتا ريثما هيىْ ، وكانت قارورة الدواء قد وصلت الى يد أبيه وأحس بحرارتها المنبعثة من مرق الحمص فلم يشك  أنها جاءت من الصيدلية مباشرة وأن التأخر سببه  تحضير الدواء لدى الصيدلي .

   كان صوت عمتي يملأ البيت ، وصراخها يقطع نياط القلب وسارع جدي الى صب الدواء في فنجان ودفعه الى ابنته فشربته بسرعة ، ولم تمض بضعة دقائق حتى خفت صوتها ، وسكنت حركتها ، وخف ألمها فاضطجعت في  سريرها ونامت  ……..

 ومضت تلك الليلة  ومضى بعدها أكثر من ثلاثين عاما ومات جدي وماتت عمتي لكنها لم تشتك منذ تلك الليلة من ألم الكلاوي ، أو نوبات الرمل 

             لاتسألوني ماالسر فاني لست أدري ، ولست طبيبا  وأنا راوية أذكر ما حصل وليفسر غيري ان كان عنده تفسير لكن لاتشكوا في صحة الرواية .

بقلم محمد سعيد المولوي   

اضف تعليق

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم