مرحلة المراهقة من المراحل الحيوية التي يمر بها الإنسان، وتمتاز بتغيرات جسدية ونفسية واجتماعية كبيرة.
وبالرغم من أنها متكررة عند كل إنسان وذات تغيرات ومشكلات تكاد تكون متماثلة في جميع المجتمعات، إلا أنها لم تحظ بعد بالاهتمام اللائق بها، خاصة عند مقارنتها بمرحلة الطفولة.
لم يقتصر قلة الاهتمام على ندرة دراسة مشاكل المراهقين وتبني برامج موسعة صحية واجتماعية لمواجهتها والوقاية منها، بل وحتى أن أبسط الأمور المتعلقة بالمراهقة ما زال يشوبها الكثير من الغموض، وما زال يحيطها الخلاف بين المختصين.
إن تحديد المدة الفعلية لمرحلة المراهقة ما زال موطن خلاف بين المهتمين، فمن المدارس من يجعل البدء الحقيقي لها هو مع بداية أعراض البلوغ، ومنهم من يضع سنًا محددا للبداية.
وإذا كانت البداية يشوبها ما يشوبها من خلاف فإن الخلاف يظهر جليًا في تحديد السن الذي تنتهي عنده مرحلة المراهقة، ففي بعض المراجع تنتهي مرحلة المراهقة عند سن الثامنة عشرة وفي البعض الآخر عند العشرين وفي الثالث عند الثانية والعشرين وربما امتدت إلى ما هو أكثر من ذلك.
وإذا كان تحديد المرحلة مهما فإن تسميتها وإطلاق اللفظ الصحيح لهذه المرحلة يعد من أهم الجوانب التي لم تعط حقها من العناية.
فمصطلح «المراهقة» أصبح في عرف الناس يعني الاستنقاص والتوبيخ، ويدل على الخروج من المألوف والبعد عن الانضباط. ولربما لو نظرنا عاجلًا في كتاب الله تعالى لتلمسنا ما يدل على أن مثل هذا اللفظ لا يليق بالمرحلة ، قال جل شأنه: }و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا| ( الجن) ، قال الزجاج: كان أَهل الجاهلية إذا مرَّت رُفقة منهم بوادٍ يقولون: نعُوذ بعَزِير هذا الوادي من مَرَدة الجن، فزادوهم رَهَقًا أَي ذِلة وضَعفًا، قال: ويجوز، والله أَعلم، أَن الإِنسان الذي عاذوا به من الجن زادهم رهقًا أَي ذِلّة، وقال قتادة: زادوهم إِثمًا، وقال الكلبي: زادوهم غَيًّا، وقال الأَزهري: فزادوهم رهَقًا هو السرعة إِلى الشر، وقيل: في قوله فزادوهم رهقًا أَي سَفَهًا وطُغيانًا، وقيل في تفسير الرهَق: الظُّلم، وقيل الطغيان، وقيل الفساد، وقيل العظَمة، وقيل السفه، وقيل الذلّة. وكلها معان تدل على النقص.
وفي لسان العرب: وراهق الغلامُ، فهو مراهِق إذا قارب الاحتلام. والمُراهِق: الغلام الذي قد قارب الحُلُم، وجارية مراهِقة. ويقال: جارية راهِقة وغلام راهِق، وذلك ابن العشر إِلى إِحدى عشرة؛ وأَنشد:
وفَتاةٍ راهِقٍ عُلِّقْـتُـهـا
في عَلاليَّ طِوالٍ وظُلَلْ
صحيح أن الغالب على الإنسان في هذه المرحلة البعد عن أنظمة العائلة والمجتمع، وصعوبة التعامل معه، أو ما يمكن أن يسمى بالصبوة، إلا أن هناك من (المراهقين) من هم أكمل وأفضل من مئات البالغين، ولذا روي في الأثر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يعجب ربك من شاب ليس له صبوة».
إننا في أمس الحاجة لتحرير مصطلح (المراهقة) وفق دلالته العالقة في أذهان الناس، والبحث عما هو أقرب وأرجى للوصف الصحيح لهذه المرحلة، مثل مرحلة الشباب أو مرحلة النضج.. أو غيرها، حتى يكون حديثنا مع (المراهقين) حديث المحبة والنصح لا حديث التوبيخ والاستنقاص.
د. محمد بن عثمان الركبان
وكيل كلية الطب- أستاذ طب الأسرة المشارك