كان من أطيب طعام العشاء في الأربعينيات قطع من البطيخ الأصفر الذي يزرع في منطقة حرستا من ريف دمشق مع بعض جبن القريش.
والبطيخ الأصفر هذا يشبه نبات اليقطين وهو عبارة عن كرة كبيرة يزيد قطرها على عشرين سنتمترًا مضغوطة من الأعلى ومخططة بانضغاطات على جوانبها تبدو كالوديان على أطرافها. وهو كثير الماء طيب الطعم، سكري الحلاوة يشبه فاكهة الحربز. وكان الناس يحرصون على هذا النوع من البطيخ لعذوبته.
لكن هذا النوع من البطيخ بدأ ينقرض في الستينيات من القرن الماضي، وذلك لظهور نوع من البطيخ الأصفر المتطاول الذي نسميه اليوم «أناناس» لأن شجرة البطيخ الأصفر كانت تحمل حبة واحدة من الثمر ونادرًا ما تكون هناك حبتان بينما الأناناس تكون ثماره كثيرة فضلاً عن طعمه اللذيذ وحلاوته وطيب رائحته.
وكما أثر الأناناس في انقراض البطيخ الأصفر في سوريا أثر في ضعف زراعة «الهَنَاذُق» في الجزيرة العربية، لأنه يتفوق على بقية أنواع البطيخ الأصفر بلذة طعمه وحلاوته، حتى إنه أثر على زراعة البطيخ الأصفر المتطاول المسمى «قاوون» حيث ضعفت زراعته واهتمام المزراعين به.
ولقد افتقدنا في سوريا البطيخ الأصفر المخطط، وحين جئت الرياض عام ثمانية وستين من القرن الميلادي الماضي، ذهبت إلى سوق الخضار في الديرة فذهلت حين رأيت أكوامًا من البطيخ الأصفر المخطط معروضة للبيع، فسارعت إلى شراء عدد منها وأكثرت ومضيت بها إلى الدار معتقدًا أني سأنال إعجاب ضيوفي الذين دعوتهم على الغداء.
وأصدقكم القول إني ما إن دخلت الدار حتى أخذت واحدة من هذا البطيخ وقد طال شوقي إليه، وشققتها ثم أخذت قطعة منها ووضعتها في فمي وأنا آمل أن أتلذذ بطيب طعمها وحلاوتها ولكن جمدت القطعة في فمي فقد كان طعم القطعة مالحًا وتناولت قطعة أخرى فإذا هي كأختها.
وعمدت إلى بطيخة أخرى فشققتها وأخذت منها قطعة وجعلتها في فمي وأنا آمل أنها ستكون خيرًا من أختها، فإذا الأختان توأمان في الطعم، ولم يكن حظ الثالثة أفضل وخاب أملي وأسقط في يدي فماذا سأقدم لضيوفي وكان أول الحاضرين خالي وقد أقام في الرياض زمنًا ورويت له ما حدث فضحك وقال: لو شققت الجميع فلن تنال بغيتك فإن هذا النوع من البطيخ حين زرع لأول مرة كان ثمره حلواً ولكن الدفعة الثانية كانت أقل حلاوة، أما الدفعة الثالثة فكانت مالحة والسبب في ذلك أن الأراضي التي زرع فيها ماؤها مالح. ولم يكن أمامي إلا أن أجعل البطيخ في الخلاط وأن أغمره بالسكر وأخلطه لأحصل على شراب الخربز المشهور في جدة والمدينة ولكني آثرت التخلص من البطيخ فقد خشيت أن أخسر السكر مع البطيخ.
واليوم لا أزال أبحث عن البطيخ الأصفر الحرستاني ولا أجده في دمشق أو الرياض فلعله قد انقرض.
محمد سعيد المولوي