زارتني سيدة عرفت نفسها بالمرأة القوية المسؤولة القادرة على تحمل المسؤوليات والصعاب .. امرأة لا تقهر .. تبسمت برفق وأنا اسألهاالسؤال المعتاد : كيف يمكنني خدمتك ؟ ماذا يمكنني أن اقدم لك؟ نظرت الي بعينيها الدامعتين اللتان اجابتا مسبقا على أسئلتي قبل ان تنطق بالرد: خسرت كل شيء حتى نفسي.
تسألت في نفسي .. من أين أتت السيدات بفكرة المرأة الكاملة.. المرأة المعجزة التي تفعل اي شيء وكل شيء على أتم وأكمل وجه .. وكأنها من بلاد خارج الكرة الارضية أو آتيات من حكايات جدتي القديمة التي كانت تقصها علينا قبل النوم .. قصص البشر الآتون من بلاد العجائب رمز القوة الخارقة .. هل من الضرورة ان تكون توقعاتنا كبيرة جدا لدرجة ان ننسى اننا بشر من لحم ودم ؟
بالطبع ليس هناك ضرر من ان تعطي كل شئ تؤدينه حقه وان تقدمي أقصى ما بوسعك ولكن عندما يدق جرس الخطر .. وعندما تشعرين بثقل رأسك وبإجهاد حقيقي فأنت بحاجة لأن تفكري جديا في توديع المرأة القوية الكامنة بداخلك والى الأبد ..
يجب ان تتخلصي من الكمال .. فالكمال لله وحده .. قاومي الفكرة التي تفرض عليك الرغبة بالقيام بجميع الأمور كاملة وحدك.. فعندما لاتتمكنين من القيام بكل ما هو مدون في قائمة اعمالك في نفس الوقت المحدد فذلك لا يعني انك مقصرة ولتكن لديك الرغبة في طلب المساعدة وقتما يتطلب الامر كذلك.. وليس من المخجل او المعيب ان تكون لديك القابلية لإجراء بعض التغييرات على قائمة اعمالك عندما تخفقين..
إذا أمكنك تحقيق ذلك فقد شرعت في اولى خطوات توديع المرأة القوية .. الخارقة.. الآتية إلينا من قصص بلاد العجائب.
هل تمكنت يوما من الجلوس مع نفسك وترتيب أولوياتك عندما اعتقدت انه من السهل الحفاظ على التوازن بين زواجك وامومتك ووظيفتك واهتماماتك الخارجية؟
هل وضعت احتمالا ولو بسيطا ان يخفق هذا النظام يوما وان ينعدم التوازن ؟ هل حللت المعادلة الصعبة؟؟؟!!!
الحل أمامك يتجلى مثل ضوء الشمس في وسط السماء.. دعي الصبح يتجلى بنوره وانظري بداخلك وكأن مصباحا يكمن في عقلك أضئ في التو واللحظة واسألي نفسك بهدوء: هل احاول الحفاظ على صورة لا تقع في نقاط قدرتي وتحكمي؟
هل اصبح الامر اكبر من تصورى؟ هل فاق قدرتي؟ لو كانت الإجابة بنعم ..انتفضي لانوثتك وودعي القوة
فكري فالحلول ربما يكون الوقت قد حان لتغيير وظيفتك لأخرى أقل حملا ومسؤوليات حتى وان كان ذلك ليس خيارا سديدا من الناحيةالمادية.. ربما ستكونين اكثر سعادة مع اسرتك وهذا يكفي.. او ربما يكون الوقت قد حان لإجازة بدون مرتب .. حتى وان كان الخيار صعباونادرا ما يفكر فيه احد .. ولكن في حالة احتياج الأسرة لان تكون في قائمة الاولويات ،،، فليكن .
فالحياة ستكون أفضل ولو بدخل مادي اقل،، ولكن بدون اعباء ودون الشعور بالاحباط من عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات وبجدول اعمال مليئ بالأعباء الاسرية والوظيفية .
ان الضغط والأعباء ظواهر حقيقية وموجودة ولكن عليك ان تفكري في كم الضغط الذي تضعين نفسك فيه.. فإذا كان الخيار الوحيد هوالخروج الى العمل فليكن ولكن نصف دوام خير من دوام كامل وتغيير الوظيفة او العمل من المنزل خير من عبئ وظيفة تجهد الفكر والبدن .
قد يبدو أنني ادعو كل ام وكل فتاة عاملة للمكوث في المنزل بدلا من الخروج للعمل.. وبدء ذي بدء فأنا امراة عاملة ولن اتي بفعل وانهى عن مثله.. أنا لا اعني ذلك مطلقا .. كل ما اقصده هو اننا جميعا بحاجة الى إلقاء نظرة على حياتنا .. حيث تتغير الظروف من حولنا وكما اننابحاجة الى التفكير في أولوياتنا وكما تمر بِنَا أحداث الحياة كفترة الدراسة والامتحانات، الزواج، الولادة، مرض احد الوالدين،او ضرورةالاعتناء بطفل مريض، فلا يمكن ان تتوقعي مضي الحياة بسلاسة دون تعرضها للتغيير .. اننا بحاجة الى تقييم المواقف .. وان نسأل أنفسنا ان كان من الأفضل ان نمضي في حياتنا دون تغيير، وهل سيخدمنا ذلك وسط تغيير الظروف ؟ فإذا كان الامر كذلك فلنستمر كما نحن، اما اذا لم يكن الامر كذلك فيلزمنا الابحار في اتجاه جديد ، بإجراء تعديلات بسيطة او حتى جذرية حيث ان إحساسك بالضغط لن يفيد اسرتك ولن توفري لها ما يجب عليك تقديمه.. ولان الماديات التي توفرينها لن تحل محل صحتك ولن تعطي اسرتك ما ينشدونه منك بحسب اعتقادك.. ماذا سيكون شعورك عندما ينظر إليك ابنك قائلا بجفاء: المال ليس كل شئ،، لقد وفرت لي الماديات ولم تعطني ما احتجته منك معنويا،،اريد بعضا من وقتك ، من حنانك و احضانك،،وكأنه يصفعك بقوة لتفيقي على الم الصفعة وقد نزلت على خَدَّك كالصاعقة ولكن بعد فوات الاوان.. ربما كنت الام والأب ..ربما التمست الاعذار لنفسك.. وربما خدعوك فقالوا تلك المرأة القوية المعجزة التي ربت ابناءها بمفردها، المرأة التي تقف شامخة حاملة الجبال على أكتافها دون ان تكل او تمل..لتستيقظي على صفعة ابنك.
وحتى قبل ارتباطك بزوج او أبناء او أسرة تذكري دائما ان المرأة الخارقة الآتية من بلاد العجائب تعتقد ان بمقدورها القيام بكل شئ ولعب جميع الأدوار في آن واحد ولا تعرف معنى (لا) اذا ما طلب منها التطوع بوقتها الكلي او الجزئي للقيام بعمل ما، وليس بمقدورها وضع حدود بل على العكس تمضي في اضافة المزيد والمزيد الى جدول أعمالها ، وتندفع هنا وهناك مخلفة وراءها الكثير من الأمور التي لم تنفذ ،والسؤال : أين الأسرة وان لم يكن لديها .. فذلك عذر جميل يمكنها من ضغط جدول أعمالها بمزيد من المواعيد والارتباطات ، لتصل الى اثقال كاهلها باشياء ستفضي بها في النهاية الى إحساسها بالتعب والإرهاق .
اذا كان ذلك انت فقد آن الاوان لتقييم المرأة بداخلك، وسقف توقعاتك، وسواء كنت فتاة جامعية او موظفة غير متزوجة او ربة منزل او مطلقة ولديك أطفال او ليس لديك اسألي نفسك.. اسألي المرأة بداخلك:
هل انت راضية عن نفسك؟ هل أطفالك سعداء؟ هل لديك ما تقدمينة لهم من مشاعر وأحاسيس ؟ هل حصلت على إجازات كافية؟ هل تقضين وقتا مع نفسك ولنفسك؟ هل تقضين وقتا طويلا بعيدا عن نفسك واسرتك باسم الاعمال الوظيفية او الخيرية؟ هل عملك في المنزل او خارجه يشغل كل حياتك؟ كم تمتلك وظيفتك او اعمالك المنزلية من حياتك؟ وبكم ترغبين بالتضحية لتصلي الى اعلى السلم الوظيفي ؟ وبماذا تضحين لتصلي للكمال ولتلقبي بالمرأة الخارقة؟
فكري بنفسك. . كلما زاد صفاءك الذهني كلما كانت سعادتك الداخلية وسلامك الداخلي اكبر من مشاغلك .. كلما تمكنت من التحكم بحياتك وحياة من حولك .. اجعلي التغيير لصالحك.. يجب ان تدركي انه لا يجب عليك الوصول للكمال .. فالكمال ضرب من الخيال.
*د/ مها محمد حسن فقي