الصحة والغذاء

أحلامنا وأقراص المسكنات

إذا عاش أي إنسان منا في هذه الحياة دون أحلام أو خيال فقد تتحول حياته إلى نوع من البؤس أو الكابوس، لأن الأحلام والخيال- في رأيي- مثل (أقراص البنادول) تخفف من صداع الحياة وتجعل الألم أقل عنفًا، وتتيح للمرء أن ينفصل أحيانًا عن تفاصيل الأحداث الكثيرة التي تحيط به في حياته، بينما لو غرق في هذه الأحداث فسوف يظل يعاني حتى النهاية.

والمعاناة من أخطر المصاعب التي تواجه الإنسان، لأنها تتسبب في إصابته بالقلق والتوتر، إضافة إلى مرض آخر أكثر شيوعًا في هذا العصر هو (الاكتئاب) الذي يعده الأطباء مرضًا مثل الأمراض الجسدية التي تصيب الناس ولا بد من علاجها وإلا قضت على صاحبها وأفقدته قدرته على الاستمرار في الحياة بشكل طبيعي.

وتحضرني مقولة لأحد الحكماء يقول فيها (أغمض عينيك نهارًا حتى تستطع النوم ليلاً)، أي لا تتعامل مع كل تفاصيل الحياة باهتمام شديد، فكثير منها يمكن المرور عليها مرور الكرام حتى لو كان فيها ما يؤذينا ويجرح مشاعرنا.

ولعل السبب يرجع إلى أن المرء إذا أغرق نفسه في تفاصيل الحياة الصغيرة والكثيرة فإن الأيام ستصبح بالنسبة له طويلة وثقيلة، وسيمر اليوم عليه وكأنه سنة كاملة، وهذا بدوره يجعل حياته بالغة الصعوبة والمشقة.

ولابد لكل منا أن يعرف، ويعترف أيضًا، أن حياة الإنسان في هذه الدنيا مهما طالت فهي قصيرة، فكل إنسان في طفولته ومقتبل حياته محتاج إلى عون الآخرين، وعندما يبلغ الستين من عمره يعود مرة أخرى إلى الحاجة الشديدة إلى عون الآخرين لأنه في كلتا الحالتين- الطفولة والشيخوخة- تنقصه القدرة والحيوية والمتطلبات الأساسية اللازمة لاستمرار الحياة.

وبحسبة بسيطة، نجد أن حياة كل منا في صحته وكامل لياقته وسلامته البدنية لا تتجاوز أربعين سنة حتى لو عاش مائة سنة.. وهذه السنوات الأربعون تنحصر بين سني العشرين والستين، أما ما قبلها وما بعدها فهي مجرد بدايات ونهايات، ولا مفر فيها من الاعتماد على معونة الآخرين.

وهكذا نجد أن العمر الحقيقي الذي ينتفع به أي إنسان لا يزيد عن أربعين سنة في حقيقة الأمر، هذا طبعًا إذا خلت حياته من الأمراض أو المتاعب الجسدية والنفسية والعملية المفاجئة التي يواجهها دون أن يتوقعها أو يحسب لها حساب.

على كل منا إذن أن يلتفت إلى هذه الحقائق، وعليه أن ينتبه إلى حياته بحيث لا يقع في أي نوع من التفريط في أيام عمره المحدودة، وفي الوقت ذاته يحرص على ألا تبتلعه دوامة الأحداث ويكتشف فجأة أن كل شيء قد ضــــاع من بين يديه.

ولأن الله عز وجل قد منح كل إنسان نعمة القدرة على الخيال والأحلام، فإن ذلك يساعده على أن يجعل حياته أكثر امتدادًا مما هي عليه في الواقع. لكن الخيال والأحلام- مثلها مثل أي دواء آخر- يساعد على علاج إحساسنا بأن الحياة قصيرة مهما طالت.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم