العلم كالأرض، لا يمكننا أن نمتلك منها إلا أقل القليل.. ولكل داء دواء عرف ما عرف وجهل ما جهل، وسيظل العلماء يعكفون في معاملهم أملًا في إيجاد دواء لكل داء عرفوه. والهدف واحد: إنقاذ البشرية من الأمراض التي قد تنال من حياتها.
وإذا ابتعدنا قليلاً عن محاولات العلماء المستمرة لاكتشاف علاجات لمختلف الأمراض، نجد أن الأصل في الموضوع أن الوقاية خير من العلاج.. هذا ما أكده لنا في البداية الطبيب السعودي الدكتور صلاح الدين حسنين، استشاري العيون والأستاذ المساعد في جامعة الملك سعود سابقًا والمتخصص في علاج القرنية وأعصاب العيون.
يوضح لنا د. حسنين هنا أنه بعد ملاحظات دقيقة بدأها قبل أكثر من خمسة عشر عامًا حول الأمراض وعلاقتها بقزحية العين، جاءت النتيجة الباهرة بوجود علاقة بين القزحية ومعرفة الأمراض من خلالها، وقد تم تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع في مستشفى الصفوة بالرياض على يد أول سيده سعودية للكشف على حدقة العين السيدة سوسن محمد زيدان التي أكدت لنا في البداية أن عيني الإنسان هما نافذته إلى صحته بالكامل.
وأوضحت ذلك قائلة: عندما تنظر في قزحية عين شخص ما، فأنت لا تنظر إلى قزحية العين بالذات وإنما تنظر إلى شاشة تخبرك عما يجري في أنحاء الجسم، مثلما يحدث عندما تنظر إلى شاشة تلفاز، فإنك لا تنظر إلى الشاشة وإنما تخبرك هذه الشاشة عن طريق الكاميرات عما يجري في المناطق النائية من الدنيا. وكذلك الأمر بالنسبة لقزحية العين، فما تراه فيها يحمل صورًا لما يحدث في المناطق النائية من الجسم.
فالدماغ يعرف كل ما يجري في كل منطقة من الجسم بالتفصيل عن طريق شبكة أعصاب تفوق في تعقيدها أي مفاعل ذري أو سفينة فضاء، وتغطي كل مناطق الجسم قريبها وبعيدها، هذه المعلومات تلخص حالة الأعضاء الحيوية بما فيها أي اضطـرابات أو تغيرات لأنسجة الجسم التي تسبق عادة مرحلة الأمراض وتهيئ لها طرق العلاج بأيدي متخصصين.
وعند سؤالها عن ماهية علم التشخيص الحدقي (أيريدولوجي) وكيف تم اكتشافه أجابت:
هو إمكانية تشخيص حالة جميع أعضاء الجسم بواسطة العين، وهو علم قديم وقد عرفه القدماء منذ آلاف السنين، فقد كانوا يتعرفون على الشخص المريض من حالة عينيه.
أما عن قصة اكتشاف هذا العلم فقالت: تم اكتشافه على يد طفل هنغاري يدعى «إجناتز»، لم يكن عمره يتعدى العشر سنوات، وكان يعيش في مزرعة، وذات يوم هاجمته «بومة» وغرست مخالبها في يده..
ومن المعروف أن عين طائر «البومة» كبيرة، ولم تفلح محاولته لفك مخالبها من يده إلا بعد أن كُسر أحد مخالبها، بعدها لفت انتباه ذلك الطفل حدوث تغيير فوري في عيني البومة بظهور بقعة بيضاء فيها، وعندما قام بنفسه بمعالجة الكسر في مخلبها انتبه إلى أن البقعة البيضاء اختفت بعد علاجها!
وبقيت هذه الحادثة في ذهنه، مما دفعه عندما كبر إلى دراسة الطب وأصبح طبيبًا، وكانت خطته هي وضع المرضى الذين يعانون من كسور تحت ملاحظته برقابته لعيونهم وما يحدث فيها من تغيرات بعد مداواتهم من الكسور.
وكانت النتيجة أن العلامات تختفي بعد شفائهم من الكسور! وأخذ «إجناتز» بتدوين ملاحظاته على المرضى وتتبع تلك الملاحظات عليهم وبمختلف الأمراض بعد علاجهم، فتوصل إلى أن هذه التغيرات تختفي تمامًا. وبذلك أصبح د. إجانتز أول من أسس خريطة التشخيص الحدقي والتي انتقلت عبر الأجيال وتطورت خريطته الأساسية بدقه أكثر.
وقبل حوالي خمس سنوات تم إدخال الحاسوب والتقنيات الإلكترونية الحديثة مثل المسح الضوئي و«البايوفيزيكس»، وهي تستعمل في كثير من الدول المتقدمة مثل بريطانيا وألمانيا وأستراليا.
وعند سؤال المسؤولة عن التشخيص الحدقي سوسن زيدان عن كيفية رؤية حالة الأعضاء من خلال حدقة العين والطريقة التي تُظهر أعضاء الجسم فيها، والعلاقة بين العين وأعضاء الجسم قالت:
عندما ننظر إلى العينين في الجنين نجد أن هناك جزءًا يتكون أساسًا من نفس الخلايا التي يتكون منها المخ، ولها اتصال مباشر مع المخ عن طريق العصب البصري والأعصاب «السمبثاوية»، «والباراسمبثاوية» اللا إرادية.
وقد ثبت أن المناظر الطبيعية والألوان والأماكن الواسعة تؤثر على الحالة النفسية للعين وكذلك الإضاءة تؤثر على الساعة البيولوجية للجسم كله، فمثلاً يعرف الجسم ساعات النوم وساعات الاستيقاظ بواسطة الإضاءة.. وعندما تصبح الإضاءة خفيفة ليلًا يفرز المخ هرمون «ميلوتونين» بكميات أكبر وهو الذي يسبب النعاس والاسترخاء للنوم في جميــع أعضاء الجسم، والعكس صحيح في الإضاءة القوية في النهار.
وقد أثبتت دراسات علميــــــة حديثة أن الإضاءة القوية قبل النوم مباشرة تسبب الأرق، وأثبت أيضًا أطباء المخ والأعصاب أن العصب البصري بعد وصوله إلى منطقة «الكيازمة» (وهي في الجزء الموجود في أسفل المخ فوق الغدة النخامية مباشرة محل اتصال العصبين البصريين..) يتم توزيعه إلى مناطق كثيرة من المخ، فبعضها معروف عمله، وبعضها الآخر لا نعرف لماذا وماذا يعمل حتى الآن.
ويعرف الأطباء أن هناك اتصال مباشر مع المخ من كل أعضاء الجسم بما في ذلك الحواس مثل الألم، والحرارة، والبرد, فأعصاب الجسم لها علاقة بالمخ، والعين كذلك لها اتصال مباشر وعلاقة وثيقة بالمخ.
وتعتبر الأعصاب موصلة للكهرباء، وبواسطة هذه الشبكة يتم تسجيل أي تغير في أعضاء الجسم عن طريق الأعضاء بواسطة «التذبذب المغناطيسي» إلى قزحية العين والتي على أثرها تتغير خاصية القزحية في هذه المنطقة بالعين، إما بتغير لونها أو بتلف الخلايا أو بجعلها تستقطب مواد تترسب عليها.
وبهذه الطريقة يمكننا ملاحظة التغيرات التي حصلت في هذا العضو، ومعرفة إذا كانت مزمنة أو حادة أو وجود خلل في أداء وظيفتها، وعند معالجة العضو المصاب، تختفي هذه التغيرات.
وسألناها: هل يمكن تشخيص جميع الأمراض مثل السكر أو الضغط أو الكلى عن طريق التشخيص الحدقي كذلك؟ قالت:
التشخيص الحدقي لا يُشخص مرضًا بحد ذاته مثل السكر وضغط الدم، لأنه لا يقيس مستوى السكر في الدم في الوقت الحالي، وإنما يكتشف حالة العضو.
فمثلاً في مرض السكر يبين حالة البنكرياس الذي يفرز هرمون الأنسولين، ومن المعروف لدى الأطباء أن مرض السكر عندما يتم اكتشافه يكون المريض يعاني منه قبل عشرة إلى خمسة عشر عامًا قبل اكتشافه، وذلك بأن البنكرياس يعمل جيدًا في بعض الأحيان وفي أحيان الأخرى لا يعمل بشكل جيد.
فعندما يفحص الشخص السكر في وقت ما يجده ممتازًا، ثم بفحصه مرة أخرى على سبيل المثال بعد ساعة، يجد فيه خللًا، فلا تظهر أعراض السكر عند المريض مثل كثرة التبول وانخفاض الوزن. وأيضًا في مرض ارتفاع ضغط الدم، لا يتم تشخيصه عن طريق التشخيص الحدقي، ولكن يتم تشخيص الأعضاء التي تصاب بمرض ضغط الدم مثل تضخم القلب وتلف الكلى والشرايين. وأيضًا نجد أن حصى الكلى يتم تكوينها طوال عشرين سنة تقريبًا ولا تؤثر على وظائف الكلى إلا عندما تتحرك ويتسبب انسدادًا في مجرى البول.
إذن ما هي الأمراض التي يمكن اكتشافها في مناطق أخرى من العين غير التشخيص الحدقي؟
سوسن زيدان: هناك أمراض عديدة يتم اكتشافها عن طريق العين في مناطق غير القزحية، منها زيادة الكولسترول الذي يتسبب في تراكم حلقة بيضاء من الدهون في القرنية وارتفاع ضغط الدم، ومرض السكر يؤدي إلى تغيرات في شبكية العـين، لأنه المكان الوحيد في الجسم الذي يمكن أن تظهر فيه الأوردة والشرايين بشكل مباشر.
كما ترتفع أيضا نسبة «الثايروكسين» بسبب زيادة نشاط الغدة الدرقية التي تؤدي إلى جحوظ واضح في كلتا العينين. وهذه الخصائص معروفه لدى أكثر أطباء العيون.
وفي كثير من الأحيان، نجد أن أول من يشخص ارتفاع ضغط الدم والكولسترول ومرض السكر والغدة الدرقية هو «طبيب العيون», كما في كثير من الأحيان يكون طبيب العيون هو أول من يشخص ورم الغدة النخامية، كذلك في المخ قبل ظهور الأعراض بواسطة تغيرات في مجال الرؤية في العين.
وسألناها: إلى أي مدى يعد علم «التشخيص الحدقي» دقيقًا ومعترفًا به عالميًا؟ وهل تم اختبار دقته؟.. قالت:
لا يوجد في الطب شيء مؤكد تمامًا، مثلاً يكون وضع القلب لدى بعض المرضى في الجهة اليمنى بدلًا من وضعه الطبيعي في الجهة اليسرى، وبعضهم يكون حجم «الكبد» لديه أكبر من شخص آخر!
ولـــكن دقة التشخيص الحدقي تقدر بنسبة 90% فأكثر، وقد أجرى د. صلاح حسنين دراسة حول أمراض مختلفة وملاحظة تغيرات القزحية أثناء ملاحظاته لأكثر من خمسة عشر عامًا في مرضى القلب ومرضى الكلى ومرضى القولون والأمعاء إلى آخره في البيئة السعودية وبالقزحية البنية الغامقة اللون، واستنتج دقتها وصحتها ومصداقيتها، علمًا بأنه قد تم في عام 2000م، الاعتراف بهذه الطريقة عالميًا من قبل منظمة الصحة العالمية ( WHO ).
هل للعين ارتباط وثيق بالمخ بهذه الدرجة؟
للعين بالفعل ارتباط وثيق مع المخ، لدرجة أنه يمكننا معرفة حالة المخ في حوادث المرور، والنزيف داخل المخ والإغماء بواسطة بؤبؤ العين.
فمثلاً: نلاحظ عندما يأتي شخص مصاب بحادث سيارة وهو غائب عن الوعي إلى قسم الطوارئ، أول ما يتم عمله الخطوات المهمة وهي ABC في الإنعاش القلبي بوضع مغذ في الوريد، ومن ثم مشاهدة تأثير الضوء على بؤبؤ العين، وهذا يعطي الطبيب إشارة سريعة ودقيقة عن حالة عمل المخ، وما إذا كان هناك نزف، وهل المخ ميت أو إذا كان هناك زيادة أو نقص في كهرباء المخ.
يتم كل ذلك قبل عمل الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي التي قد تستغرق ساعات طويلة، وهذا يبين دقة الارتباط الوثيق بين المخ وأعضاء العين, علما بأن هذه الطريقة تدرس لجميع دارسي الطب في كل التخصصات الطبية في جميع مراحل دراستهم.
وأجابت عن سؤالنا حول ما إذا كانت الحدقة تستعمل في مجال آخر غير الأغراض التشخيصية قائلة:
قزحية العين لها استعمالات كثيرة من ضمنها استخدامها «كبصمة» للأشخاص، والتي لا يمكن مقارنة دقتها ببصمة اليد، ولا يوجد حدقتان متطابقتان حتى لدى الشخص الواحد بما في ذلك التوائم. ففي بعض الدول المتقدمة تستخدم البنوك كذلك بصمة العين للأشخاص، مثل اليابان، وهذا دليل على خصوصيتها عند كل إنسان.
هل يدخل هذا التشخيص ضمن الطب البديل أو هو طريقة علاج بديلة عن الأدوية؟
هذا غير صحيح، فالتشخيص عن طريق قزحية العين ليس بديلاً عن الأطباء ولا العلاجات المعروفة، وإنما هو أداة «تشخيصية» فقط ومتقدمة ومفصلة لا مثيل لها.
وفي كثير من الأحيان نقوم بعد التشخيص الحدقي بتحويل المريض إلى الطبيب المختص بحالته لمعالجة العضو المتضرر.
وقد أنصح المريض باستعمال بعض المنشطات الطبيعية للعضو المتضرر ضررًا خفيفًا مثل: الأعشاب الطبيعية والأغذية المتنوعة أو المعادن مثل الكالسيوم والفسفور والحديد، لأن الجسم يتأثر بالأغذية التي يتناولها الشخص في حياته على مر السنين, وعلى سبيل المثال: عدم تناول الحليب ومشتقات الألبان وعدم التعرض الكافي للشمس يؤدي إلى نقص الكالسيوم ولين العظام.
وسألتها: هل هذا الفحص مؤلم أو يؤثر على الحامل، أجابت:
لا.. ففحص التشخيص الحدقي غير مؤلم لأنه لا يستعمل فيه إبر نشك بها المفحوص مثل فحوص الدم، ولا يوجد فيه أي إشعاع سيني مثل أشعة إكس, ويمكن عمله للحوامل بكل بساطة وبدون تأثير، وأيضًا يمكن عمله للصغار والكبار، لأنه يتم فقط أخذ صورة لقزحية العين وتكبيرها ومن ثم تحليلها فقط، والذي يستغرق من عشر إلى خمس عشرة دقيقة فقط ويستغرق تحليل بصمات القزحية من ساعتين إلى ثلاث ساعات للعين الواحدة.
أخيرًا سؤال شخصي: لماذا اخترت التخصص في مجال التشخيص الحدقي؟ قالت:
بتشجيع من زوجي د. صلاح الدين حسنين الذي يقوم بملاحظات كثيرة أثناء علاجه لمرضاه.. وكنت أثناء ملاحظاته وتجاربه طيلة السنين الماضية أساعده في تجهيز محاضراته عن «الأيردولوجي»، وقد شدني كثيرًا هذا التخصص، وبدأت بدراسته في جامعة «بريدج ستون» ببريطانيا، وحصلت على شهادة S.A.C. Dip.Iridology والحمد لله، ومن ثم أصبحت المسئولة عن هذا التشخيص في هذا المجال لما له من أثر كبير في مساعدة المرضى في اكتشاف الأمراض مبكرًا.
وهذه خدمة أقدمها لمجتمعي السعودي ولكل المواطنين في بلادي وبأحدث التقنيات العالمية في هذا المجال، وبعد أن أدخلنا هذه التقنية في المملكة العربية السعودية، نأمل إن شـاء الله أن تعم دول الخليج الأخرى مستقبلًا.
كلمة أخيرة:
لقد شدني «علم القزحية» كثيرًا من بين كل العلوم التي درستها، وأعتبره من أجمل العلوم، وأراه مثل محيط واسع لمن يريد الغوص فيه، وأنا متأكدة من أن العصر الذهبي لعلم القزحية آت لا محالة بإذن الله.