الصحة والغذاء

علاجات نباتية للاعتلال العصبي السكري

منذ عدة سنوات، تعم العالم موجة من الحماس لاستخدام النباتات في علاج السكري.. وبين الحين والآخر تنشر الصحف ووسائل الإعلام- غير المتخصصة- أخبارًا حول اكتشاف عقار نباتي المصدر لمرضى السكري، وتبشر بتعميم استخدامه علاجيًا في القريب العاجل، لكن يمر وقت طويل دون أن يتحقق ذلك.

وعادة يستخدم في تحضير الوصفات الشعبية أجزاء من النباتات كالأوراق أو البذور أو الجذور، وجميعها إما يعتمد على التجربة الذاتية أو ما جاء في بعض الطب الشعبي القديم.

ويتم طحن الأجزاء النباتية ثم تستعمل على شكل أقراص أو يشرب مستخلصها المذاب في الماء، وتؤخذ كميات محددة منها قبل تناول وجبات الطعام.

ومن فوائد استخدام مرضى السكر لبعض المستحضرات النباتية أنها تقلل من جرعات العقاقير المخفضة لسكر الدم التي يستعملونها خاصةً الأقراص التي تؤخذ عن طريق الفم. لكن لا يصح الاعتماد عليها بشكل كامل في علاج الحالات المزمنة، وفي أحوال كثيرة لا تساعد في جعل تركيز سكر الدم عند حدوده الطبيعية. وهو ما نوضح في السطور التالية:

نبات البرسيم: نبات الفصة Alfalfa أو البرسيم الحجازي Lucerne علاج شعبي لمرض السكر في جنوب إفريقيا، وله نشاط مضاد لارتفاع سكر الدم في أشكال معينة من المرضى المعتمدين على الأنسولين في علاجهم، وتم اختباره على حيوانات التجارب التي تعاني ارتفاعًا شديدًا في سكر الدم. ويعزى تأثيرات نبات البرسيم في خفض تركيز سكر الدم إلى ارتفاع محتواه من عنصر المنجنيز الذي يحتاجه هرمون الأنسولين حتى تظهر تأثيراته الحيوية في الخلايا.

نبات الجعدة: شاع بين العامة استعمال نبات الجعدة أو الجعيدة لاعتقادهم بفائدته في تخفيف ارتفاع مستوى سكر الدم للمرضى، وينتشر في بعض مناطق المملكة مثل الفقرة بالقرب من المدينة المنورة، وتباع في محلات العطارة.

يسمى هذا النبات بالإنجليزية :Mountain germander وقد أظهرت دراسة علمية أن المستخلص المائي للأجزاء النباتية المقشرة لفروعه لها تأثيرات خافضة لسكر الدم المرتفع في كل من فئران التجارب السليمة، وأخرى أحدث فيها ارتفاعًا في تركيز السكر في دمها. وقد حدث انخفاض في تركيز سكر الدم المرتفع للفئران بعد 4 ساعات من حصولها على هذا المستخلص عن طريق الوريد، وبعد مرور 24 ساعة من دخوله عن طريق البريتون في بطونها. وعزى الباحثون ذلك إلى زيادته معدل الأيض الغذائي لسكر الجلوكوز في خلايا أجسامها أكثر من تشجيعه البنكرياس على إفراز هرمون الأنسولين.

الجنسنغ: ينتشر الجنسنغ في منطقة شرق آسيا استخدام مسحوق جذور نبات الجنسنغ في المستحضرات الشعبية في علاج السكر اعتقادًا بفائدته في تقليل ارتفاع تركيز سكر الدم. وقد اكتشفت فائدته في تخفيف شدة الاعتلال العصبي السكري الذي ينتشر حدوثه في الحالات المزمنة لمرض السكري خاصةً المرضى الذين يعتمدون على هرمون الأنسولين في العلاج.

وأظهرت دراسة علمية أنه يساعد في خفض شدة الاعتلال العصبي التي تظهر على شكل آلام وتشنج في القدمين والساقين عند حصول المريض على قسط من الراحة أو توقفه عن العمل وقلة النوم والاكتئاب، وفي الحالات الشديدة قد يصل الاعتلال العصبي لمريض السكر في قدميه للأعلى نحو ركبتيه ويديه.

وفي تجربة علمية تم إعطاء مستحضر نبات الجنسنغ على شكل قرصين مع وجبة الإفطار فترة تسعة أسابيع مستمرة لـ25 مريضًا بالسكر مصابين باعتلال عصبي في أطرافهم، ولاحظ الباحثون في نهاية الدراسة حدوث تحسن ملموس في إحساس أقدام مرضى السكر بالمؤثرات الخارجية وبالانعكاسات العصبية، لكن هناك ضرورة إجراء المزيد من الدراسات العلمية على عدد أكبر من المرضى.

الفلفل الحار: يعاني بعض مرضى السكر من حدوث اعتلال عصبي في الأطراف بخاصةً السفلية منها على شكل تنميل وحرقة وآلام فيهما تؤثر على حركتهم ونومهم ونشاطهم اليومي، وذلك نتيجة قصور في الدورة الدموية بالأطراف.

وتعزى فائدة دهن الأطراف السفلية لمرضى السكر بمرهم مستخلص الفلفل الحار في تخفيف حدة الاعتلال العصبي فيهما لأنه يسبب تهيجًا في الجلد واحمرارًا في أماكن استعماله ومن ثم تنشيط الدورة الدموية فيها.

بذور الحلبة: شاع في الطب الشعبي بالمملكة العربية السعودية استعمال بعض مرضى السكر لبذور الحلبة، خاصةً النوع الذي يسميه العطارون (حلبة الخيل) بعد تحميصها في علاجهم للاعتقاد بخواصها التي تعيق ارتفاع تركيز السكر في دم المرضى. وقد تعزى فعالية هذه البذور مع الطعام في أنها تقلل ارتفاع سكر الدم بعد ساعتين من تناولها نتيجة ارتفاع محتواها من الألياف الغذائية

السنامكي والجعدة :يحتوي بعض أنواع الخلطات النباتية على مركبات لها تأثير ملين لمحتويات الأمعاء كالسنامكي أو الصبر، ويؤدي استعمالها إلى سرعة مرور الطعام عبر الأمعاء، فيقل المقدار الممتص من السكريات ومن ثم لا يرتفع تركيزه بشكل كبير في الدم. كما تحتوي على مركبات لها تأثيرات منشطة للبنكرياس لإفرازه هرمون الأنسولين مثل نباتات الفيجن والونكا والجعدة التي تحتوي على مركبات تزيد من قدرة الخلايا على الاستفادة من السكر الموجود في الدم.

ويؤدي استخدام هذه المستحضرات على شكل مسحوق أو مشروب في الماء الساخن إلى الإسراع بمرور الطعام عبر الأمعاء دون امتصاص جميع السكر والعناصر الغذائية الأخرى فيه مما يحول دون ارتفاع شديد في تركيز السكر في دم المريض حتى لو لم يغير عاداته الغذائية في تناول ما يرغبه من طعام وشراب.

لكن طول فترة استخدام المستحضرات الملينة أو المسهلة لمحتويات البطن يؤدي إلى حدوث كسل معوي وعدم استطاعة مستعملها قضاء حاجته دونها .كما يؤدي سوء استخدامها إلى حدوث اضطراب في حالة الاتزان المائي في الجسم.

أما النباتات المحتوية على نسب مرتفعة من الألياف الغذائية مثل الحلبة أو مستحضراتها الصيدلانية، فتفيد في امتصاص جزيئات السكريات على سطوحها الكبيرة ثم تخرج مع فضلات الطعام مما يقلل الكمية الممتصة من السكر في الأمعاء فلا يرتفع تركيزه بشكل كبير في الدم.

الصمغ الهندي: تستعمل في الطب الشعبي الهندي خلطات نباتية تكون على شكل مسحوق يتركب من صمغ الغوار بنسبة 80% والحلبة بنسبة 12% وغيرها من المستحضرات، ويقال إن هذه النباتات لها خواص علاجية لمرض السكر.

وقد جرب باحثون بكلية أنديرا غاندي الطبية استعمال هذا المستحضر في علاج مرض السكر، فأعطوا 30 شخصًا سليمًا و30 مريضًا بالسكر غير معتمدين على الأنسولين في علاجهم 5 جرامات من هذا المخلوط قبل وجبتي الإفطار والعشاء فترة 4 أسابيع، بعدها تم قياس منحنى تحمل سكر الدم ونسبة الدهون الكلية والدهون الثلاثية في بداية البحث ونهايته. ولاحظ الباحثون فائدة استعمال هذا المستحضر مع الأدوية المخفضة لسكر الدم المستعملة في علاج مرض السكر، لكنها سببت حدوث مضاعفات صحية كانت على شكل رياح البطن وإصابة مستخدميها بإسهال خفيف.

وعلى ذلك، يفيد في علاج مرضى السكر استخدام نباتات أو مستخلصاتها تحتوي على مركبات تمتص في الأمعاء ولها خاصية خفض تركيز السكر المرتفع في الدم، إما عن طريق تشجيعها خلايا بيتا في البنكرياس على إفراز حجم أكبر من هرمون الأنسولين أو مساعدة خلايا الجسم على توفر عدد أكبر من مستقبلات لجزيئات السكر تسمح بدخولها إليها للاستفادة منها في إنتاج الطاقة أو تحسين حساسية الخلايا للأنسولين المتوفر للاستفادة بشكل أفضل منه وغير ذلك.

 لكن لا يمكن الاعتماد على الكثير من المستحضرات النباتية وحدها عوضًا عن الأقراص الفموية الخافضة لسكر الدم أو هرمون الأنسولين في علاج حالات المرض الشديد والمزمن، بينما يفيد مرضى السكر بشكل عام الإكثار من تناول الأغذية المحتوية طبيعيًا على نسب مرتفعة من الألياف الغذائية في طعامهم للاستفادة منها في تقليل ما يمتص من السكر في أمعائهم.

وفي انتظار المزيد من الدراسات العلمية الدقيقة على مثل تلك المستحضرات للتأكد من فعاليتها العلاجية أو عدمه وتحديد طريقة استعمالها بما في ذلك كمية الجرعات الفعالة علاجيًا ومضاعفاتها الصحية الجانبية إن وجدت قبل تعميم استخدامها في علاج هذا المرض.

 د .محيي الدين عمر لبنية – استشاري التغذية وعلاج أمراض السكري

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم