أُجريت دراسات كثيرة لتقييم آثار مشروب القهوة على صحة الإنسان، جلها تركز على القهوة البنية، بينما لم تفز القهوة العربية إلا بعدد قليل جدًا من هذه الدراسات، وأجرى معظمها باحثون من المملكة العربية السعودية.
من تلك الدراسات، دراسة للدكتور أحمد بن عبدالرحمن الشوشان، الباحث بقسم علوم الأغذية، كلية علوم الأغذية والزراعة، جامعة الملك سعود، الذي درس تأثير إضافة الهيل والقرنفل الجاف للقهوة العربية على دهون الدم والكولسترول وأنزيمات الكبد.
في بداية الدراسة، أشار الباحث إلى أن القهوة العربية، تعتبر مشروب ضيافة تقليديًا في المملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربي؛ حيث يتم استهلاكه على نطاق واسع لدرجة أن بعض المسؤولين، يخصصون طاولات في مكاتبهم لمشروب القهوة العربية.
وتصنع هذه النوعية من القهوة من نفس بذور القهوة، لكنها تختلف عن القهوة المتعارف عليها في العالم كله من حيث طريقة الإعداد واللون والطعم؛ حيث يتم تجفيفها بالطرق العادية ثم تطحن بدون تحميص؛ لذا يكون لونها مصفرًا مائلاً للخضرة. ويتمتع مشروب القهوة العربية الشائع في معظم مناطق المملكة بخصوصية معينة؛ حيث يضاف إليه مواد نباتية معروفة تكسبه طعمًا مقبولًا ونكهة مميزة. ويعتبر الهيل (الحبهان)، والعويدي أو المسمار (القرنفل المجفف)، من أكثر تلك المواد استخدامًا حتى إنه يمكن اعتبارها مكملاً أساسيًا في القهوة العربية المعدة على الطريقة التقليدية في المملكة، كما يفضل البعض إضافة الزعفران إليها.
أجرى الباحث دراسته على فئران التجارب، حيث قام بتقسيمها إلى 4 مجموعات متساوية من حيث العدد. وقام بإعطاء المجموعة الأولى وجبتها الغذائية حسب التوصيات المثالية إضافة للماء، وتناولت المجموعة الثانية غذاءها إضافة للقهوة العربية التي أعدت بدون أي إضافات. وتناولت المجموعة الثالثة غذاءها وقهوة مضاف إليها الهيل، أما المجموعة الرابعة فتناولت غذاءها إضافة إلى قهوة مضاف إليها قرنفل مجفف.
تأثير الهيل والقرنفل
استمرت الدراسة لمدة 53 يومًا متتالية، واستخدم الباحث، طرقًا معملية حديثة لقياس نسبة الشحوم الكلية ونسبة الكولسترول الكلي والكولسترول الجيد والكولسترول الضار وأيضًا الدهون الثلاثية، إضافة إلى أنزيمات الكبد.
وأظهرت النتائج، أن القهوة العربية مع الهيل أدت إلى زيادة مجموع الكولسترول الكلي والكولسترول الضار أكثر من باقي المجموعات، وانخفاض مستوى الكولسترول الجيد. كما كان للقهوة العربية مع الهيل تأثير ضار على أنزيمات الكبد. أما بالنسبة لتناول القهوة المضاف إليها القرنفل المجفف، فقد أدى إلى حدوث نتائج إيجابية عند مقارنته بالقهوة العربية فقط أو القهوة المضاف إليها هيل؛ حيث أدى إلى خفض مجموع الكولسترول الكلي والكولسترول الضار أكثر من باقي المجموعات، فضلاً عن زيادة مستوى الكولسترول الجيد. كما كان للقهوة العربية مع القرنفل، تأثير جيد على أنزيمات الكبد.
وذكر الباحث في دراسته، أن هذه الدراسة أجريت على فئران التجارب ولتعميمها على الإنسان يلزم إجراء المزيد من الدراسات.
وكم كنت أود أن تبين لنا الدراسة، تأثير إضافة الجرعات المختلفة من الهيل والقرنفل للقهوة، وكذلك توضح الجرعة التي من الممكن أن تسبب آثار جيدة أو آثار ضارة، وعدد مرات تناول القهوة، وهل هناك فرق في تناولها بين النساء والرجال.
الاعتدال ثم الاعتدال
لكن النصيحة التي أقدمها لحين إجراء المزيد من الدراسات هي أن الاعتدال أمر مطلوب ولا يسبب أضرارًا.
وهذه النصيحة هي المفتاح السحري للقضاء على حالة الإرباك والحيرة التي سببتها نتائج دراسات كثيرة التي أجريت حول القهوة، وتحدث بعضها عن فوائدها بينما وجدت أخرى أضرارًا لها.
فقد أثبتت أبحاث عديدة أن للقهوة أضرارًا بالغة على القلب، وعلى مرضى الكلى، والبعض اعتبرها سببًا رئيسيًا للإصابة بضغط الدم المرتفع نظرًا لمحتواها العالي من الكافيين، كما يُمنع مريض قرحة المعدة أو الاثني عشر من تناولها؛ لأنها تزيد من آلام القرحة وتضر بمرض القولون، وهي خطر أيضًا على مرض الكبد لأن الكافيين له آثار خطيرة على الكبد. ويُنصح الآباء بمنع الأطفال تمامًا من تناولها؛ نظرًا لتأثيرات الكافيين الضارة بصحة الصغار. كل هذه المشاكل وضعت القهوة في قفص الاتهام.
على الجانب الآخر، وجدت بعض الدراسات الحديثة أن القهوة تعمل كمضاد للأكسدة وتحمي الجسم من بعض المخاطر الصحية الجسمية، وقد تكون مفيدة لعضلة القلب. والمثير جدًا للدهشة أن هناك دراسة وجدت أن الأفراد الذين يتناولون فنجان قهوة يوميًا، لا يصابون بمرض البول السكري. علاوة على أن القهوة تعتبر منبهًا للجهاز العصبي، وتساعد الفرد على التركيز.
وهنا يكمن السؤال هل القهوة مفيدة أم ضارة؟
والإجابة هي أن المتهم الأول في حياتنا هو الإسراف وليس شيئًا بعينه، فأنا أوافق تمامًا أن تناول فنجان من القهوة يوميًا، يحمي من الإصابة بمرض السكري وليس له آثار ضارة ولكن مع بعض الاعتبارات مثل: عدم شرب القهوة بعد الأكل مباشرة ولكن بعده بساعتين على الأقل، ولا ينبغي أن يتناولها الأطفال، ويجب ألا تزيد الكمية على فنجان واحد يوميًا، ويمنع من تناولها: مرضى القرحة، ومرضى الكبد، والكلى، والنقرس، والحصوات، والمصابين بالأمراض العصبية.
كما تعد القهوة العربية خيارًا مفضلاً عن باقي أنواع القهوة؛ حيث تقل نسبة الكافيين فيها مقارنة بالقهوة البنية؛ وذلك لأن الكمية المستخدمة في إعداد القهوة البنية أضعاف الكمية التي تستخدم في إعداد القهوة العربية.
إعداد: د. محمد صالح محمد – أستاذ علوم التغذية