الصحة والغذاء

«ما عُقب العود قعود»

أصل هذا المثل أن المضيف أكرم ضيوفه غاية الإكرام، وحرص على راحتهم كل الحرص.

الوقت المفترض للمناسبة انتهى لكن الضيوف يمكثون ويطيلون المكث، وقد استعذبوا السمر ما بين سواليف شيقة، وأكلات شهية، فالحاشي سوقه ماشي، والمندي في المعدة أفندي، والمثلوثة قد أصابتها لوثة، والسليق لم يعد طليق، وأكواب الشاي والقهوة، غادية ورائحة، ورب الدار يرحب بضيوفه ويبتسم لهذا وذاك. وهو لا يكف عن الترديد: يا لله أنت حيهم هذي الساعة المباركة! بينما هو في حقيقة حاله وداخل أغواره، ضائق الصدر بهذه الساعة فهو يشعر بالتعب الشديد، والرغبة في الإخلاد للنوم بعد يوم طويل، أمضى سحابته في شراء الخروف وذبحه، وشراء كافة لوازم الوليمة، وزوجته المسكينة كذلك أنهكها التعب في المطبخ في الإعداد والترتيب وصنع المعجنات، والشاي  والقهوة.

التلفزيون مرتفع صوته والأصوات مُصطخبة، والصبية يتراكضون داخل الدار وفي الفناء، حتى وجد نفسه تكتظم تبرمًا وسخطًا، ويقول لها: ترى ماذا أفعل مع هؤلاء الثقلاء وكيف أتصرف؟

وهم أن يقول لهم: انصرفوا يا جماعة إلى بيوتكم، أما ترون أن الوقت قد تأخر كثيرًا.. مع مزجها بدعابة خفيفة.

وكاد أن يصرح ويصرخ في وجوههم: تراها طالت وشمخت ومسخت اذلفوا لبيوتكم. لا..لا، لم يتفوه بشيء من ذلك فالكرم شيمة يعتز بها الجميع، والصبر على الضيف منقبة حميدة.

كل ما عليه فعله ليصرفهم بهدوء أن يدير عليهم المبخرة، فيفرد كل واحد منهم شماغه أو غترته ويهوي بيده أو يديه عدة مرات، ومن خلال دخان المبخرة المتكاثف ورائحته العبقة سينسل الأضياف واحدًا في إثر الآخر، وهم يودعون مضيفهم، فينفض السامر الذي طال ويفرغ المجلس الذي امتلأ.

فبدلاً من أن يقول لهم (طابت السمرة) بأسلوب خادش أو جارح أو طاعن للمشاعر، فإنه يذكرهم بما درج عليه المثل القائل (ما عُقب العود قعود) فيبلغ رب الدار غايته، ويحصل على حقه وراحته، بهذه الطريقة اللبقة التي هي من صلب الاستضافة.

شارك في الإعداد: فيصل الجودي

اضف تعليق

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم