في ظل الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة يبدو من الحكمة أن نبحث عن حلول دائمة تعين الأسر على مواجهة أي ارتفاع محتمل في الأسعار، وإدارة تكاليف مائدة المنزل بأقل التكاليف.
البديل في الانتظار
إن تشجيع الناس على استخدام بدائل الأغذية يفيد في تخفيف الضغط على استهلاك الأغذية التقليدية، وتخفيض أسعارها نتيجة قلة الطلب على شرائها. وفي ظل الارتفاع الذي تشهده الأسواق في أسعار الأرز مثلًا، يمكن تشجيع الناس على استعمال أطباق المكرونة والبرغل المحضر من حبوب القمح، خاصة أن للبرغل فوائد غذائية كثيرة تفوق الأرز.
وفي ظل الارتفاع المتزايد في أسعار لحوم الحيوانات الأخرى كالأغنام والأبقار، ينصح بتشجيع استهلاك الأغذية السمكية، فهي أرخص ثمنًا، وتمتاز بارتفاع محتواها من البروتين وقيمتها الغذائية التي قد تتفوق على اللحوم الأخرى.
لكن يجب أن يترافق ذلك مع تشجيع التوسع في تربية الأسماك في المياه العذبة والبحيرات والأنهار إضافة إلى الصيد في أعالي البحار؛ حتى لا يزداد الطلب على هذه المادة الغذائية مع قلة العرض فترتفع أسعارها هي الأخرى.
ويمكن كذلك استخدام ما يسمي باللحم الصناعي ويباع على شكل مواسير مغلفة بالبلاستيك بسعر رخيص ينافس اللحم الطبيعي، ويحضر من بروتينات فول الصويا أو من بروتينات مفصولة من بعض البذور الزيتية الأخرى مع مركبات كيماوية مضافة إليها أثناء تصنيعها لتصبح مشابهة للحم الطبيعي في شكله، ومذاقه وإلى حد ما في مكوناته الغذائية. وينتشر استخدام اللحم الصناعي في تحضير بعض أنواع اللحم المفروم المجمد، ومنتجات اللحوم المصنعة كالهمبرجر والنقانق واللنشون. وكان اللحم الصناعي قد ظهر في الأسواق الأمريكية منذ السبعينيات من القرن العشرين في ظل الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم، ثم عرف في غيرها من دول العالم ومنها أسواق المملكة.
ويمكن كذلك التوسع في استخدام حليب الصويا، ومنتجاته الغذائية كبديل إلى حد ما عن الحليب الحيواني. ويتميز هذا الحليب النباتي بارتفاع نسبة البروتين فيه، كما أن مكوناته من الأحماض الأمينية قريبة إلى حد كبير من البروتينات الحيوانية الموجودة في الحليب ولحوم الحيوانات. ويمكن تحضير حوالي 7 لترات من حليب الصويا من كيلوجرام واحد من بذور فول الصويا فهو رخيص الثمن ويمكن توفيره للطبقات الفقيرة في المجتمعات البشرية بالعالم، ويمكن بسهولة تحسين مذاق هذا المنتج.
وينتشر بيع عبوات حليب الصويا ومنتجاته الغذائية المحضرة من بذور فول الصويا في أسواق دول منطقة شرق أسيا كالصين واليابان، لكنه لا يتوفر في أسواق الدول العربية.
وبخصوص أغذية الأطفال، يرى د. لبنية ضرورة البحث عن بدائل رخيصة الثمن لها. ويشير إلى إمكانية تحضير حليب نباتي كبديل لحليب الأطفال يتكون من مسحوق بذور بعض المحاصيل الزراعية كالقمح والشوفان مع بعض البقول لجعل مكوناته الغذائية أفضل لصحة الأطفال.
كما يمكن تشجيع استخدام بعض بدائل أغذية الأطفال مثل مستحضر حبوب القمح (سيريلاك) واسع الاستعمال باستخدام بعض المنتجات الغذائية رخيصة الثمن وغذائية في مكوناتها مثل البسكويت مع الحليب.
ويمكن استعمال حليب فول الصويا للأطفال بعمر يزيد على السنة وخاصة الذين يعانون من حساسية من شرب الحليب البقري.
وبخصوص رغيف الخبز، تتركز بعض الدراسات العلمية في مراكز بحوث الأغذية على تجربة تحضير رغيف الخبز بشكل أرخص ثمنًا في ظروف الارتفاع الشديد في أسعار القمح من خليط من القمح والذرة والمنيهوت (محصول درني نشوي في منطقة جنوب شرق أسيا) وغيرهما من النباتات رخيصة الثمن ومنها مسحوق لب بذور القطن. كما تعرف الأسواق العالمية حاليًا الخبز المحضر من القمح أو الشوفان أو الذرة.
ويشير إلى أن زيت الزيتون يعد كذلك من السلع الغذائية التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير وصل إلى ضعف ما كانت عليه قبل سنوات قليلة نتيجة توسع الطلب عليه. وانتشرت في الأسواق الغربية وخاصة في كندا عبوات زيت كانولا وهو أرخص ثمنًا وله مواصفات غذائية تشابه إن لم تكن تتفوق على زيت الزيتون.
وهناك اتجاهات مستقبلية تتركز عليها اهتمامات العلماء نحو حل مشكلات النقص في الإمدادات الغذائية للمجتمعات البشرية ومن ثم تخفيض أسعارها.
ومن بين هذا الاتجاهات استخدام تقنية الهندسة الوراثية في إنتاج المحاصيل الزراعية والفواكه والخضراوات بغلة أكبر ومحتوى غذائي أعلى وتتحمل ظروف بيئية قاسية في نموها وتقاوم الإصابة بالآفات الزراعية.
كما نجح العلماء بواسطة تقنية الهندسة الوراثية في إنتاج أصناف من بذور نباتات زيتية مثل دوار الشمس وفول الصويا والقرطم تحتوي على نسب أعلى من حمض الأوليك من مثيلتها النباتات الأصلية مما يجعل المعدلة وراثيًا ذات فوائد صحية أكثر من مثيلاتها الأصلية.
لكن لا يمكن تجاهل المعارضة الشديدة في بعض دول العالم من تناول الأغذية المعدلة وراثيًا في الطعام خوفًا من أضرارها المحتملة على صحتهم وعلى البيئة. إضافة إلى البحث عن بدائل لمنتجات غذائية كالأرز والقمح تعاني الأسواق من نقص في توفير احتياجات الناس منها. وكذلك التوسع في زراعة الأراضي الصالحة للزراعة باستخدام أفضل الأساليب العلمية للحصول على محصول وفير منها، والتوسع في تربية الأسماك في البحيرات والبرك لتوفير كميات كافية منها. كما يتوجه العلماء حاليا نحو الاعتماد على البروتين الميكروبي المحضر من بكتريا أو فطريات وهي كائنات حية سريعة النمو يمكنها توفير أغذية متنوعة في المستقبل.
د. محيي الدين لبنية
استشاري التغذية العلاجية