تعيش المرأة في المتوسط «بإذن الله» 5 أعوام أكثر من الرجل (متوسط عمر الرجل في الدول المتقدمة حوالي 74 عامًا والمرأة حوالي 79 عامًا)، وذلك حسب العديد من الإحصاءات.
ورغم عدم وجود دليل علمي يفسر هذه الظاهرة لكن يعتقد البعض أن ذلك ناتج عن التركيب الوراثي وليست نتيجة التربية والبيئة.
في دراسة نشرت في مجلة الصحة الأمريكية، تبين أن سلوك الرجال وتصرفاتهم والطريقة التي يفكرون ويعملون بها ونظرتهم للحياة ونظرة المجتمع إليهم والضغوط التي يتعرضون لها، كلها أمور مسؤولة أيضًا بدرجة كبيرة عن موتهم في عمر مبكر مقارنة بالنساء.
وفي المجتمعات الغربية، فإن معدل وفيات الرجال أكبر بمرتين – على الأقل- في الانتحار، والقتل، وتليف الكبد. وتعتبر الحوادث ثاني أهم أسباب الوفيات في الرجال ما بين 18 و 25 عامًا. وفي الولايات المتحدة نجد أن الذكور في جميع الأعمار أضعف صحيًا وأكثر عرضة للخطر من الإناث وأن:
* معدل التدخين أعلى في الذكور (26%) موازنة بالإناث (22%) رغم أن نسبة المدخنات في تصاعد مستمر.
* احتمالات إدمان الكحولات بين الذكور ضعف نسبتها بين الإناث.
* الذكور ينخرطون في سلوكيات تضعهم في مخاطر صحية أكثر من الإناث، ابتداء من المخدرات إلى القيادة بدون حزام أمان.
* الرجال يعملون في أماكن أكثر خطورة من التي تعمل بها النساء، وهذا يتسبب في 90% من الوفيات التي تحدث أثناء العمل ومعظمها في الزراعة.
* الرجال يتعرضون لحوادث مرور أكثر من النساء نتيجة لقيادتهم وسائل نقل أكثر خطورة مثل الموتوسيكلات والنقل الثقيل.
* معدلات إصابة أو وفيات الرجال نتيجة العوامل البيئية مثل الرعد والبرق والفيضانات وغيرها تبلغ ضعف معدلاتها عند النساء، طبقًا لتقرير صدر في الولايات المتحدة.
يهتممن بصحتهن
النساء أكثر اهتمامًا بصحتهم من الرجال، فمعدل ذهاب المرأة إلى الطبيب يبلغ ضعف معدل ذهاب الرجل. كذلك فإن درجة اهتمامها بالصحة الوقائية أكثر من اهتمام الرجل، كما أن الرجال لا يحرصون على زيارة الطبيب للاطمئنان على صحتهم أو للمتابعة مثلما تفعل النساء.
الرجل يحاول دائمًا أن يتجرع مشاكله السيكولوجية، بينما تبحث المرأة عن طلب المساعدة من الاختصاصيين. فضلاً عن أن جميع الأمراض المصاحبة للإجهاد والضغط النفسي، ابتداء من ارتفاع ضغط الدم إلى أمراض القلب غالبًا ما تكون من نصيب الرجال.
وأوضحت دراسة أجريت في السويد أن جسم المرأة أفضل من جسم الرجل في استعمال الدهون، مما يجعلها أكثر قدرة من الرجل على تحمل الرياضات العنيفة أو الشاقة، فمثلاً إذا ألقيت رجلاً وامرأة في البحر في يوم بارد فستجد أن نظام توزيع الدهن في جسم المرأة يساعدها على البقاء فترة أطول من الرجل.
وفي جسم الرجل، نجد أن الدهن يترسب أو يتركز حول الوسط بفعل الهرمون الذكري (التستوسترون) فيأخذ الجسم الشكل التفاحي. أما المرأة فتميل إلى الشكل الكمثري بسبب الهرمون الأنثوي – الاستروجين. وقد وجد أن الجسم ذا الشكل التفاحي أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والسكر.
وفوق ذلك، فإن الأبحاث الطبية كانت تهتم في الماضي أكثر بصحة الرجل، إلا أن الوضع قد تغير حاليًا وأصبحنا نسمع عن طرق الوقاية أو الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي أكثر مما نسمع عن سرطان البروستاتا مثلاً.
معاناتهن أقل مع الاكتئاب
ورغم أن الاكتئاب يصيب النساء أكثر من الرجال بمقدار الضعف تقريبًا، إلا أن معاناة الرجال منه تكون أكثر. وهذا الاختلاف يرجع في جزء منه إلى العادات والتقاليد والثقافة السائدة في المجتمع، فالمجتمع يمجد ويكافئ الرجل القوي. ويرجع في الجزء الآخر إلى الهرمونات. قبل البلوغ يعاني الصبيان والبنات من الاكتئاب بنسب متساوية تقريبًا، وبعد البلوغ والنضج تقع البنات فريسة للاكتئاب أكثر من الأولاد، ربما بسبب العواصف الهرمونية التي تجتاح الإناث في تلك الفترة. وبالنسبة للذكور فربما توفر لهم الهرمونات الذكرية مزيدًا من الحماية.
وفي دراسة نشرتها المجلة الأمريكية للصحة النفسية شملت 56 من الرجال المحبطين، وتم فحص مستويات التستوستيرون لديهم فوجد أن مستواه لدى 24 رجلاً منهم منخفض. ولمعرفة السبب في إصابتهم بالاكتئاب أعطيت مجموعة منهم التستوستيرون على هيئة جيلى gel يوضع على الجلد كل يوم لمدة 8 أسابيع، بينما مجموعة أخرى فعلت نفس الشيء ولكن باستخدام جيلي عديم المفعول.
وقد حدث تحسن المزاج وارتفاع المعنويات في المجموعة التي أعطيت التستوستيرون، أما المجموعة الضابطة فلم تحرز أي تقدم. ورغم اختلاف جذور الاكتئاب بين الرجال والنساء، إلا أن العلاج لا يختلف في كلتا الحالتين. وقد حدثت ثورة في علاج الاكتئاب بداية من تسعينيات القرن الماضي بعد اكتشاف عقار البروزاك.
وقد أظهرت دراسة أنه في سنة 1987م، كان 37% من المرضى فقط يتعاطون أدوية الاكتئاب، تضاعف هذا العدد تقريبًا بعد مرور 10 سنوات ليصل إلى 75%، وهذه الأعداد في تزايد مستمر نتيجة لاكتشاف أدوية جديدة.
ورغم أهمية استخدام الأدوية في العلاج إلا أن (العلاج الذهني) لا يقل أهمية، ويتم بالتحدث إلى المرضى وتعليمهم بأن يوسعوا نظرتهم للحياة وألا يلتفتوا للجوانب السلبية والسيئة منها. ويستحسن استخدام الأسلوبين معًا في العلاج.
د. مسعد مسعد شتيوي – باحث بجامعة قناة السويس، مصر