كان التمر الطعام الأساسي للعربي في حله وترحاله وبداوته وحضره ولما يتمتع به من غذاء وإمداد بالقدرة والطاقة ولسهولة الحصول عليه وحمله ونقله، ولانتشار أشجاره في أرجاء الجزيرة العربية وكان العربي عادة يقرن بين التمر واللبن فإن عدم اللبن اكتفى بالتمر ولاسيما في الأوقات العصيبة التي تحول بينه وبين الحصول على التمر. ولعلنا نذكر موقف عمير بن الحمام رضي الله عنه حين كان يأكل تمرات في يده ثم نظر إليها ومعركة أحد على أشدها فقال: بخ بخ والله إني لأشم رائحة الجنة من سفح أحد ثم ألقى التمرات من يده وقذف بنفسه في المعركة حتى استشهد.
ومن أهمية التمر في حياة العرب قديمًا أقاموا له الأسواق التي يتاجرون به فيها فكان من أسواقهم عكاظ قرب الطائف وذو المجنة. وكان العرب يجتمعون في هذه الأسواق فيتناشدون الأشعار ويلقون الخطب ويقيمون المنافرات ويذبحون ويكرمون حتى أصبحت هذه الأسواق منتديات أدبية أغنت الحياة الأدبية بما أنتجته وتركت لنا على مدى العصور أجمل وأروع الأشعار والقصص والخطب وكان التمر يجلب إلى هذه الأسواق من أمكنة مختلفة، وأشهر هذه الأمكنة هجر حيث كان يضرب المثل بجودة تمرها. لكن مناطق أخرى كانت غنية بأشجار النخيل توزعت في الجزيرة وعلى أطرافها ففي الشمال كان تمر العراق يشق طريقه إلى داخل الجزيرة وكانت المدينة المنورة منبتًا للنخيل ومصدرًا جيدًا للتمر وكذلك كانت بساتين خيبر وتيماء… إلخ.
وقد أعطى الإسلام التمر أهمية كبيرة فشبه الله في القرآن الكريم الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة التي تعطي أكلها بإذن ربها في كل حين والتي أصلها ثابت وفرعها في السماء. وهذه الشجرة هي شجرة النخيل وأكلها هو التمر.
وكان من السنة في الإسلام وفي شهر رمضان أن يبدأ الإنسان فطره على بعض تمرات ذلك أن التمر بما يتمتع به من السلوكيات والمعادن يسرع في تعويض جسم الصائم بما فقد من طاقة يوم صيامه كما كان من السنة أنه إذا ولد المولود حنك بتمرة في فمه يعلكها أحد أهله ثم يمسح له باطن فمه بها، فتستدر حلاوته شهية لأن يأخذ بثدي أمه ويرضع.
ولابد أن نشير إلى أن الإسلام قد جعل التمر دواء يستطب به فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن من كل سبع تمرات عجوة كانت له داءًا من السحر ذلك اليوم.
ونحب أن نذكر أن العرب في الجاهلية والإسلام تنوعت طرائقهم في أكل التمر. فمن لم يجد إلا تمرًا أكله، ومن وجد لبنًا أضافه إليه، فإن لم يجد تمرًا ووجد رطبًا أكل رطبًا. وكانوا يعجنون العجوة مع السمن في تور «إناء» حتى يختلطا بشكل جيد ثم يقدمونه للآكلين. ولعلنا نذكر قصة سليمان بن عبدالملك حين دخل بستان عمرو بن العاص في الطائف فأكل جديًا وخمس دجاجات وجيء بتور فيه عجوة قد ،،، بالسمن فمضى يعجنها بيده ويجعلها لقمًا متتابعة في فمه حتى أتى على ما في التور كله.
وقد ذكرنا سابقًا أن من الأطعمة الشهية واللذيذة لدى العرب في الجاهلية أو صدر الإسلام التمر الصيحاني وهو من جيد التمر يضاف إليه السمن. وقد ضرب العرب المثل بهذا الطعام. ولا يزال هذا النوع من الطعام سائدًا حتى يومنا هذا. وكثيرًا ما يعمد بعض أهل الجزيرة العربية إلى قلي التمر بالسمن ويتناولونه طعامًا أو حلوى.
والحقيقة أنه من الصعب إحصاء أنواع التمر في القديم أو الحديث وكان أسوأه البسر ثم الحشف وكان من جيد التمر البرني وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير تمركم البرني، وكان إذا لقي بعض الصحابة ممن يعنون بالزراعة سألهم إن كان معهم شيء من البرني. وقد وردت بعض الآثار في بيان فضل التمر البرني في معالجة الأمراض.
ولا يفوتنا أن نذكر بعض الأطعمة التي كان العرب يأكلونها ولاسيما في المدن، ومن تذكر قول الله عز وجل: }والتين والزيتون| نستدل أن كلاً من التين والزيتون كانا معروفين عند العرب وكانا من طعامهما. وكذلك كان زيت الزيتون من الزيوت المعروفة وقد ضرب الله مثلاً لنوره بزجاجة توقد من زيت الزيتون.. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام كلوا الزيت وادهنوا به.
ومن أطعمتهم القرع وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه وكذلك المسلمون ويذكر لنا المبرد في كتابه الكامل أن علي بن أبي طالب جاء إلى ضيعة له فسأل قيم الضيعة عما إذا كان عنده طعام قال قيم الضيعة: قرع الضيعة فغسل علي يديه وقال: إن الأيدي لأنظف الآنية ثم قرب إليه القرع فأكل منه ثم حمد الله وقال ذاكرًا فضل الله في هذا الطعام فهو قرع الضيعة. ثم قام فأخذ فأسًا فضرب في عين حتى تفجرت فقال: اشهدوا إنها صدقة.
ومن أطعمة العرب الكمأة وكانوا يخرجون لجينها في أول فصل الربيع فإن كثرت أطعموا إبلهم منها قال شاعرهم يخاطب جمله:
ولقد جنيتك أكمؤًا وعاقلاً
ولقد نهيتك عن بنات الأدبر
وكانوا يأكلون الكمأة مشوية ونيئة قال شاعرهم:
هذا جناي وخياره فيه
إذ يد كل امرئ إلى فيه
وكان من فواكهم ما ذكره القرآن الكريم والسنة: الرمان والعنب والموز والتين والبطيخ .