يعرف بعض الناس الآن، وبالتجربة، أن الاستغناء عن كوب القهوة (أو الكوبين أو الثلاثة) في الصباح أمر شديد الصعوبة، خصوصًا لمن تعودوه سنوات. ذلك أنهم على ما يبدو أدمنوه.
هذا عن القهوة، لكن أن يصدق بعض الأطباء أن الناس تشتاق لأطعمة مثل اللحم والجبنة لنفس الأسباب (أي الإدمان)، وبنفس القوة، فذاك أمر مستغرب حقًا.
حول هذه القضية المثيرة للجدل، نشر موقع (http:health.msn.com)، آراء حول هذا الموضوع، حيث يقول الدكتور (Neal Barnard)، مؤلف كتاب (قاوم غواية الطعام Breaking the Food Seduction)، إن هذه الأطعمة تحوي مركبات كيماوية من شأنها أن تستحث إنتاج مركبات في المخ تسمى شبيهات الأوبيات (Opiate-like substances) فيشعر الشخص بالنشوة.
ومن هذه المركبات مركب الدوبامين (Dopamine)، الذي لديه قدرة على إشعار متناوله بالسعادة والنشوة، لدرجة تجعله يدمن على الطعام.
يقف في صف الدكتور بارنارد طبيب آخر، هو (Alan GoldHamer) الذي شارك في تأليف كتاب (فخ المتعة Pleasure Trap).
يقول جولدهمر: إن الناس معرضة لتأثير الدوبامين في المخ بعد تناول أطعمة معينة. ولكن على عكس الإدمان على الأدوية والمخدرات فإن المشكلة (أي مشكلة إدمان الطعام) تظل مشكلة لا يعترف بها الناس حتى الآن بشكل واسع النطاق.
بين الإدمان والإعلان
قبل فترة ليست بالطويلة كان بعض صانعي رقائق البطاطس (الشيبي) في الغرب، يتوجهون للمستهلك في جانب من إعلاناتهم بالقول: «إننا نتحداك أن تتناول واحدة فقط». ويبدو أنهم كانوا يقصدون ذلك بالفعل.
فقد تعرفت شركات الطعام على (الوحام) الذي يجعل النفوس تهفو من أجل الطعام ويسيطر عليها، فاستخدموا وسائل للاجتذاب مثل التغليف البراق الذي لا يقاوم.
وحسب (جولدهامير)، فإن هناك عددًا لا يحصى من الأطعمة المكتظة بالسعرات والتي تشجع على إنتاج الدوبامين (وتكون مناسبة لزراعة الإدمان).
وكما قلنا، فإنه عندما يثار موضوع «الإدمان الغذائي»، فهناك الكثير من المشككين. فإن أضفت الشوكولاته والجبنة إلى قائمة الإدمانات الأخرى مثل الكحول والكوكايين فهو أمر غير مقبول عند معظم الناس.
ولكن – وكما يتساءل الدكتور بارنارد – ماذا تسمي رجلاً يركب سيارته الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً ويسوق مسافات طويلة من أجل العثور على حبة شوكولاته بعينها في إحدى محلات السوبرماركت ولا يبيعها محل غيرها، ولا يريد سواها.
هذا الشخص يفعل ذلك رغم أن الشوكولاته تسبب له السمنة، ويشعر بالذنب بعد تلبية رغبته الجامحة، وهو يفعل ذلك كل يوم.
ألا تسمي تلك الظاهرة إدمانًا أو أنها تشبه الإدمان (على أقل تقدير).
هذا، والمدافعون عن فكرة الإدمان من الطعام يستشهدون بأشياء أخرى (والأمثلة التي يوردها التحقيق أمريكية بالطبع، ويمكن للقارئ أن يجد بدائل عربية بسهولة).
من ذلك أن هناك فرقًا بين الرجال والنساء. فالنساء أكثر عرضة لإدمان الشوكولاته أوقات الدورة الشهرية. بينما يقول الرجال، وفي الوقت الذي لا ينكرون حبهم للحلويات، يقولون إن الشيء الذي لا يقبلون التخلي عنه هو قطعة من لحم البوفتيك.
ويشير الخبير بارنارد إلى مسح ميداني أجري في عام 2000 على حوالى 1500 شخص بالغ، هذا المسح الميداني كشف أن واحدًا من بين كل 4 أمريكان لن يتخلى عن قطعة البوفتيك (وجبة تقليدية أمريكية، خصوصًا مع البيض)، لن يتخلى عنها ولو مقابل ألف دولار!
وإليكم المزيد من مظاهر الإدمان، لكن في تجارب الحيوان هذه المرة.
ففي دراسة أجريت على الفئران وجد الباحثون أن هذه الحيوانات إذا داومت تناول السكر وبشراهة، فإنها إذا حرمت منه تعاني أعراض حرمان تقليدية (تشبه مظاهر الحرمان عند المدمن التقليدي). من تلك الأعراض، القلق والتوتر والارتجاف وتغيرات في التركيبة الكيماوية للمخ.
المعارضون للفكرة
ومن باب الإنصاف، لابد من ذكر بعض الأقوال للخبراء الذي لا يصدقون نظرية الإدمان. من هؤلاء، الدكتور كيث أيوب، أستاذ مشارك لطب الأطفال في كلية ألبيرت أنشتاين للطب ومتحدث باسم الاتحاد التغذوي الأمريكي (American Dietetic Association).
يقول أيوب: صحيح أن الرضع يميلون إلى الطعام الحلو، وصحيح أن هناك 3 مذاقات عامة يشعر الإنسان برغبة في تلبيتها دائمًا وهي: الدسم والملح والسكر.
ولكن، وحسب الدكتور أيوب، أن تقول إن الطعام يسبب الإدمان وأن الأمر خارج عن إرادتنا، فذلك أمر «لا يمكن أن أقبل به». وبالنسبة للشكولاته، فهي مثال مشهور للمدافعين عن نظرية الإدمان، فإن الناس تحبها لأن مذاقها لذيذ.
ولكن إذا قبلنا بنظرية الإدمان جدلاً، كيف نتخلص من الإدمان؟
يقول الدكتور (Douglas Lisle)، خبير في الفسيولوجيا الإكلينيكية، إن مرضاه المصابين – لنقل بما يشبه الإدمان على أقل تقدير – هؤلاء المرضى وجدوا معظم نجاحهم في التخلص من الإدمان من خلال الصيام العلاجي (Therapeutic fasting).
ويرى (ليزلي) أن الصيام العلاجي هو بمثابة إعادة برمجة المخ من خلال الامتناع عن كل طعام وشراب ما عدا الماء، تحت رعاية طبية بالطبع.
وبعد هذه الفترة الأساسية من الصيام تأتي فترة (إعادة التأهيل) بتناول الخضراوات والفواكه الطازجة ومعها الحبوب الكاملة والفول (وما على شاكلتها) والبندق والبذور.
أما في حال أن الصيام صعب على الشخص فإن الدكتور (ليزلي) ينصح بالامتناع التام عن تناول الطعام الذي يسبب له (الوحام). وذلك لمدة ثلاثة أسابيع، وهو الأمر الكفيل بتخليص الإنسان من الإدمان. ويؤكد الدكتور مسألة (الامتناع التام) لأنه أفضل من مجرد التوسط في تناول ذلك الطعام.
