(مزاج).. كلمة شائعة تتألف من أربعة حروف ولكن تأثيرها على حياتنا كبير، بل إن نجاحنا في بعض المواقف في هذه الحياة يتوقف عليها.
تعالوا أولاً نتعرف على المقصود بالمزاج..
المزاج عبارة عن حالة نفسية عارضة وتعرض لها الشخص نتيجة تعرضه لحدث ممين إما مفرح أو محزن، حدث له بصورة مفاجأة وغير متوقعة وهو مجبر عليه وخارج عن إرادته.
ويؤثر على المزاج مجموعة كبيرة من العوامل بعضها ظاهر وبعضها الآخر خفي.
وأهم هذه العوامل يتجسد في الجينات الوراثية والبيئة الفيزيائية للمخ، إضافة إلى ضغوط الحياة والظروف المحيطة بالإنسان والألوان التي تحيط بنا والروائح التي تشتمها. حتى نوعية الغذاء الذي نتناوله لها دور في تحديد مزاجنا.
مزاجنا في الصيف
وبما أننا قد دخلنا في فصل الصيف، حيث درجات الحرارة المرتفعة التي تؤثر في تقلبات المزاج، فإن مراعاة نوعية الطعام تساعد في تخفيف حدة التوتر والضجر الناتج عن حرارة هذا الفصل.
ومن أشهر الأمراض النفسية المرتبطة بالغذاء (فقدان الشهية العصبي، الأرق، الاكتئاب)، فالإنسان المكتئب مثلاً يفقد شهيته للطعام ويفقد 5% تقريبًا من وزنه كل شهر، أما الإنسان الذي يعاني من الهوس (المرح والنشاط الزائد عن الحد) فإنه يأكل كميات كبيرة من الطعام ربما تهدد حياته بالخطر – وفي مرض فقدان الشهية العصبي أو ما يسمى Anorexia Nervosa فإن المريض يمتنع عن الأكل إراديًا لكن يفقد على الأقل 15٪ من وزنه رغم نحافته – أما مريض البوليميا، فإن المريض يأكل كميات كبيرة من الطعام ثم يعمل جاهدًا على أن يتقيأها.
نلاحظ في الذين يعالجون من السمنة ويمشون وفق نظام غذائي خاص أنهم فجأة يلتهمون كميات هائلة من الطعام ويفسدون بذلك الرجيم، كما نلاحظ أن بعض المرضى يعانون من الضيق أثناء إجراء الرجيم المعالجة السمنة وذلك لإحساسهم بالحرمان من بعض المواد الغذائية، ووفق الدراسات تبين أن الحالة النفسية تؤثر كثيرًا على إنقاص الوزن.
آلية عمل الجهاز العصبي
إن الأساس في عمل الجهاز العصبي هو انتقال إشارات عصبية على هيئة نبضات كهربائية فيما بين الخلايا العصبية Neuron وهي أصغر الوحدات الوظيفية للجهاز العصبي، وحتى تنتقل تلك الإشارات من خلية إلى أخرى فإنها تحتاج إلى ما يسمى بالناقلات العصبية Neurotransmitters.
بعض الناقلات العصبية المرتبطة بالحالة المزاجية:
السيروتونين Serotonin: هرمون وناقل عصبي مهدئ وضروري للاستقرار العاطفي وللنوم ويؤثر على النشاط الجنسي، والنقص الطفيف فيه يؤدي إلى ظهور سلوك يمكن أن يؤذي صاحبه مثل البوليميا «الجوع المرضي» والميل إلى إدمان مواد مضرة مثل الكحول والتبغ.
الأندروفين Endorphin: يطلقه الضغط الجسدي أو النفسي فهو بمثابة مورفين طبيعي يصنعه الجسم فهو يسكن الألم وبالتالي يجعلنا نشعر بالراحة.
وهناك ارتباط بين بعض العناصر الغذائية والمزاج، على النحو التالي:
الكربوهيدرات والمزاج
تعمل السكريات على إفراز السيروتونين، ولكن أي نوع من هذه السكريات يحسن بالفعل المزاج. السكريات البسيطة والكربوهيدرات ذات المؤشر الجليسيمي العالي «سريع الاحتراق والتحول إلى جلوكوز» مثل الشوكولاته والكورن فلكس والبطاطس المقلية تصل إلى الدم سريعًا، وبالتالي تسبب إفراز الأنسولين بكمية عالية ليسارع إلى إدخال السكر إلى الخلايا، وبالتالي حدوث هبوط حاد في معدل السكر في الدم، وتحدث هذه الظاهرة أيضًا عند تناول مأكولات ومشروبات عالية المحتوى من الكافيين والقهوة والشاي والكولا وكذلك التدخين وتناول الكحوليات، كل هذه المواد تؤثر على معدل السكر في الدم ويسوء المزاج إذا انخفض معدل السكر في الدم. هذا يفسر سبب تحسن المزاج بسرعة عند تناول إحدى الأكلات المذكورة، ولكن يعود المزاج المعكر بعد فترة قصيرة. أما السكريات المعقدة وكذلك الكربوهيدرات ذات المؤشر الجليسيمي المنخفض «بطيئة الاحتراق والتحول إلى جلوكوز» مثل الخبز الكامل والحليب والزبادي والحمص والمعكرونة والفواكه، فتقينا من الانخفاض المفاجئ في نسبة السكر في الدم ويصبح معدل السكر ثابتًا بالدم، وكذلك معدل السيروتونين وبالتالي يؤمن الإحساس بالراحة النفسية على المدى الطويل.
البروتين والمزاج
العديد من الناقلات العصبية تتركب من أحماض أمينية «الوحدة البنائية للبروتين» وعند انخفاض الكمية المستهلكة من واحد أو أكثر من تلك الوحدات البنائية بدرجة كبيرة، فإن الكمية المنتجة من تلك الناقلات العصبية تقل هي الأخرى مما يؤدي إلى تغيرات المزاج وكذلك الشهية والقدرة على التفكير.
ومن الأمثلة على ذلك:
– الحامض الأميني هستيدين: Histidine وهو حامض أميني أساسي لا يستطيع الجسم تكوينه وبالتالي لا بد من تناوله من خلال الغذاء، وهو هام في إنتاج مادة هستامين Histamine وهي إحدى المواد الكيميائية الموجودة بالمخ والهامة في تنظيم الانتباه واليقظة وانطلاق الهرمونات والشهية.
– الحامض الأميني تيروسين Tyrosine: وهو يتحول بمساعدة «فيتامين B6 والمغنزيوم» إلى مركب الدوبامين Dopamine وهو ناقل عصبي مسؤول عن حركة العضلات ويجعل المزاج جيدًا والنقص الحاد فيه يؤدي إلى ظهور مرض باركنسون «الشلل الرعاش»، والدوبامين في وجود فيتامين C يتحول إلى النورأدرينالين المسؤول عن التركيز والانتباه.
الدهون والمزاج
الدهون كلمة ترهب الكثير من الأشخاص، لذا يجب توضيح نوعية الدهون الضارة التي تؤثر سلبًا على صحتنا الجسمية والنفسية.
هل التعبير أفضل بأن نقول تناول الدهون النباتية وابتعد عن الدهون الحيوانية؟
هذا التعبير غير دقيق، إذ نجد أن زيت السمك وهو من الدهون الحيوانية منصوح به جدًا ومهم للصحة، في حين نجد أن زيت جوز الهند والنخيل وهما من الزيوت النباتية المستخدمة على نطاق واسع في صناعة البسكويت وهي من الزيوت المشبعة، يضران بالصحة ولا ينصح بتناولهما.
فتفرقة الدهون من حيث درجة تشبعها أكثر دقة ومفهومًا لاختيار النوعية الأفضل للصحة حيث تنقسم إلى مشبعة، وأحادي عدم التشبع، وعديدة عدم التشبع.. كلها مصطلحات تستخدم للتصنيف الكيميائي للأحماض الدهنية.
أي جسم دهني في الطبيعة سواء نباتي أو حيواني يحتوي على الثلاثة أنواع السابقة من الأحماض الدهنية «الوحدة البنائية للدهن» ولكن بكميات متفاوتة.
أجسامنا تحتاج إلى الأحماض الثلاثة تلك، ولكن أيضًا بكميات متفاوتة، وهنا يكمن السر، حيث عندما تتناول الدهون المشبعة بكميات كبيرة فهي تحل محل الأحماض الدهنية الأخرى، وكثرة هذه الدهون تعيق تزويد المخ بالدم، كما أنها تضعف الذاكرة وعمل الناقلات العصبية، وبالتالي تؤثر على التعلم وكذلك على حالتنا النفسية والمزاجية.
الأسماك والمزاج
كثيرًا ما نسمع مقولة أن تناول السمك يزيد الذكاء ويحسن المزاج، هذه المقولة سليمة حيث إن الأسماك خاصة الدهنية مثل التونة والسالمون والبوري والسردين جميعها تحتوي على الحامض الدهني المعروف بالأوميجا Omega3 وعدم استهلاك كمية كافية منه يعرضنا لاضطرابات متنوعة مثل الاكتئاب والنشاط المفرط للأطفال، وقد يعرضنا أيضا للانفصام، حيث إن نقص هذه الأحماض يؤدي إلى تعطيل آلية انتقال المعلومات بين الخلايا العصبية كما أن للأوميغا 3 دور في تسهيل عمل السيروتونين على مستوى الخلايا.
الفيتامينات والمعادن
الفيتامينات والمعادن مثل مجموعة فيتامينات B وفيتامين C وفيتامين E والحديد والسلينيوم والماغنسيوم، تعمل جميعها كعوامل مساعدة في تصنيع الناقلات العصبية، وبعضها يساعد على تنشيط الناقلات العصبية كما في حالة الحديد، في حين أن بعضها يقوم بحماية الناقلات العصبية وخلايا المخ من تلف كالتلف الناتج من الأكسدة مثل فيتامين E.
وقد توصلت دراسة أجراها فريق من الباحثين في جامعة College Londor إلى إمكانية وجود صلة بين الإصابة الاكتئاب وتناول الأغذية المصنعة. فالذين يتناولون كمية أكبر من الخضراوات والفواكه والسمك هم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب.
ويقول الفريق القائم على البحث إن هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها النظر إلى علاقة النظام الغذائي بالاكتئاب في بريطانيا. وقد درست بيانات النظام الغذائي لثلاثة آلاف وخمسمئة شخص في منتصف العمر، ثم قورنت بحالات الاكتئاب بعد خمس سنوات، كما ورد في مجلة The British Journal of Psychiatr، وقسم الأشخاص الذين شملهم البحث إلى فئتين: فئة يعتمد نظامها الغذائي على الخضراوات والفواكه والأسماك، وأخرى تتناول الأغذية المصنعة والمحتوية على نسبة عالية من الدهون.
وتبين من خلال هذه الدراسة أن نسبة الاكتئاب لدى الأشخاص الذين تناولوا كمية أكبر من الأغذية الطبيعية، أقل بـ۲6 بالمئة من الأشخاص الذين تناولوا أغذية مصنعة مثل المرتديلا والهمبرغر والوجبات السريعة.. وبالمقابل كانت نسبة الإصابة بالاكتئاب في أوساط الذين تناولوا كمية كبيرة من الأغذية المصنعة تزيد بمقدار 58 في المئة عن نسبة إصابة أولئك الذين تناولوا كمية قليلة من تلك الأغذية.
أخيرًا نقدم هذه النصائح لمزاج رائع كل يوم:
1- تناول الإفطار الصحي: فإذا كان الإفطار عادة قطعة من الخبز المحمص وبعض الفواكه الطازجة، فعليك إضافة القليل من البروتين مع كوب من الحليب منخفض الدسم أو الجبن المنزلي، فهذا البروتين يمكنه أن يساعد في تنشيط خلايا المخ، وإعطائك المزيد من الطاقة مع مساعدتك على مكافحة التعب والآلام، وعند تخطي وجبة الإفطار فقد تفقد تركيزك الذهني وكذلك الشعور بالتعب وسرعة الانفعال.
۲- تجنب وجبات الغذاء الثقيلة التي سرعان ما تشعرك بالكسل، لكنك ستشعر بالنعاس فور الانتهاء من الطعام. والأفضل أن يكون الغذاء مزيجًا من البروتين والخضراوات والحبوب الغنية بالكاربوهيدرات، مع تجنب المحليات والسكريات، وهذا لأنها تعمل على رفع نسبة السكر في الدم بسرعة وإعطائك المزيد من الطاقة، ثم تتركك وقد تشعر بالنعاس عند انخفاض مستوى السكر مرة أخرى.
٣- اختيار الوجبات الخفيفة: فإذا كنت ممن يتناولون الوجبات الخفيفة، فعليك اختيار تلك الوجبات التي تحتوي على دهون أقل أو أن تكون خالية من الدهون، كما أن اختيار الكميات البسيطة من الكربوهيدرات هو الأفضل على الإطلاق.
– الحد من البروتين في العشاء: يمكنك تناول العشاء الغني بالكربوهيدرات كالمكرونة مثلاً والبطاطس والحبوب والأرز مع القليل من البروتين، وهذا سوف يساعدك على الاسترخاء قبل وقت النوم. ومن ناحية أخرى عليك التأكد من حصولك على ما يكفي من البروتين في وجبات الطعام الأخرى، مع عدم الإفراط فيه أثناء وجبة العشاء. والسبب في ذلك هو أن عند تناول المزيد من البروتين في العشاء سوف يدفع الجهاز الهضمي على العمل لفترات طويلة، وستجد صعوبة في الحصول على نومة هادئة.
٥- شرب الكثير من الماء: وخاصة إذا كنت تمارس التمرينات الرياضية يوميًا، فعليك شرب المزيد من الماء، وهذا يختلف وفقًا لحالتك الصحية ووزنك ومستوى نشاطك، وكذلك النظام الغذائي الخاص بك والبيئة المحيطة، أيضًا فقد تحتاج إلى المزيد من الماء إذا كنت في مناطق مرتفعة أو جافة، كما أن بعض المشروبات مثل التي تحتوي على مادة الكافيين قد تؤدي الى مزيد من التبول وفقدان السوائل.
رنيم بشار الحبال – أخصائية التغذية