منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، توصل العلماء إلى وظائف وفوائد هرمون «الميلاتونين»، وهو ما شغل أذهان كثير من الناس في جميع أنحاء العالم. وفيما يلي نضع النقاط على الحروف حول علاقة هذا الهرمون بصحة الإنسان.
اكتشاف الميلاتونين
الغدة الصنوبرية Pineel.gland هي غدة صغيرة الحجم والوزن، فوزنها لا يزيد عن 120 مجم، وطولها من 5 إلى 9 مليمتر، وعرضها من 3 إلى 6 مليمتر، وسمكها من 3 إلى 5 مليمتر، أي في حجم حبة الحمص. وهي موجودة على الوجه الخلفي العلوي للبطين الثالث، وهو أحد الأجواف في المخ، وهذه الغدة تضخ إفرازاتها في الدم تحت تأثير الظلام والضوء المحيطين بالإنسان.
ذلك أن هذه الغدة تحتوي على كمية كبيرة من أنزيم يقوم بتحويل حمض أميني يسمى تربتوفان إلى مادة السيروتوثين، ثم إلى هرمون الميلاتونين.
وقد اكتشف الميلاتونين أول مرة عام 1985م، وهو يؤدي عدة وظائف فسيولوجية مثل البلوغ والتبويض والنوم..
ونتيجة لتعاقب الظلام والضياء على جسم الإنسان فإن إفراز الميلاتونين يكون دوريًا، أي يفرز ليلًا ويتوقف إفرازه نهارًا خلال الأربع والعشرين ساعة اليومية، وهذه الدورية في إفراز الميلاتونين والهرمونات الأخرى تسمى الساعة البيولوجية عند الإنسان التي تضبط مواعيد النوم واليقظة والنشاط والسكون.
وظيفة الغدة الصنوبرية
حتى عهد قريب كان العلماء البيولوجيون يعتقدون أن الغدة الصنوبرية لا فائدة لها مثل الزائدة الدودية وهي صغيرة جدًا في حجم حبة الحمص، لكنها تفرز هرمون الميلاتونين Melatonin ومجموعة أخرى من المواد الكيميائية الضرورية لتنشيط الإفراز الهرموني من الغدد الصماء.
وفي عام 1995م، ظهرت دراسة حول أهمية هرمون الغدة الصنوبرية، تحت إشراف العالم «والتربيير باولي» وهو باحث دولي يشرف على معمل الأبحاث التابع لمؤسسة المؤتمرات العالمية حول الشيخوخة والسرطان. فضلاً عن العالم «وليام ريجلسون» أستاذ الطب بجامعة ريتشموند، وهو متخصص في الهرمونات ويقوم بأبحاث على الشيخوخة منذ عشرين عامًا.
يقول هذان العالمان: اكتشفت أبحاثنا أن هذه الغدة هي المفتاح الذي يمكننا من فهم عملية الشيخوخة والتحكم فيها، فهي تتحكم في الساعة البيولوجية الموجودة في جسم الإنسان والتي تسمى بالدورة السركادية circadian rythm أي الدورة التي يتحدد فيها متى ننام ومتى نستيقظ.
فهذه الغدة تحتوي على خلايا حساسة للضوء الخارجي الذي يصل إليها عن طريق العين، وهي تتأثر بفترات الضوء والظلام، كما يتوقف عملها نهارًا عن إفراز الميلاتونين الذي يفرز ليلًا، وهذا الهرمون يساعد الإنسان على النوم وتصل قمة إفرازه في منتصف دورة النوم.
كما أنها مسئولة عن تكاثر الحيوانات في فصل الصيف.
والغدة الصنوبرية بإفرازاتها الهرمونية الأخرى ومن خلال تأثيرها على الغدة النخامية (الغدة السيدة، Pituitary gland) تتحكم في مراحل نمو الإنسان منذ الصغر مرورًا بالبلوغ وحتى الشيخوخة.
وتصل قمة إنتاج الغدة الصنوبرية من الميلاتونين عند سن العشرين، ويقل إفراز الميلاتونين منها تدريجيًا خصوصًا عند سن الخمسين.
وفي سن الستين يفرز فقط ما يوازي نصف كمية الميلاتونين، ثم تبدأ أعراض الشيخوخة في الظهور بوضوح.
كما أن قلة إفرازها للغدد الصماء الأخرى يقلل من نشاط الجسم بنفس المعدل، مما يؤدي إلى انخفاض حيوية الجسم وانخفاض مناعته وظهور الأمراض بأشكالها المختلفة.
وهنا نتدبر كلمات الله تعالى في القرآن الكريم نقرأ قوله تعالى: }الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون{- (سورة الأنعام: 1).. نجد أن كلمة «الظلمات» «جمع ظلمة» هي ضد النور، والظلام أول الليل.
أما النور لغويًا فهو الضياء والجمع «أنوار». وأنار الشيء واستنار بمعنى أضاء والتنوير الإنارة وهو أيضًا الإسفار.
والملاحظ هنا أن الله تعالى جعل الظلمات جمعًا وجعل النور مفردًا، وهما ضدان.
وكان من الممكن أن يقول تعالى: وجعل الظلمة والنور، وهذا يدل على أن الظلمة درجات متفاوتة، فهي ظلمة خفيفة ومتوسطة وحالكة أي شديدة وعندما تجتمع الظلمات تصبح حالكة السواد مثل قوله تعالى: }ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكن يراها{- من شدة الظلام.
وهرمون الميلاتونين له وظائف عدة منها: أنه مضاد لكل من الشيخوخة-
وللأرق وتأخير النوم وللأكسدة وللسرطان ولقلة النوم وللاكتئاب وللتوتر ولحدوث المياه البيضاء في العين ومنشط للجهاز العصبي. وقد دلت أبحاث حديثة على علاقة هرمون الميلاتونين بسرطان الثدي وذلك عندما تقل مستوياته في الدم.
هذا ويؤدي إفراز الميلاتونين إلى شعور بالحاجة إلى النوم، ومن ثم لا ينبغي تناوله إلا قبل الذهاب للنوم ولاسيما أول الليل حيث يتوافق ذلك مع الإفراز الطبيعي.
ومن وظائف هرمون الميلاتونين الأخرى ضبط الساعة البيولوجية، والتقليل من حدوث اليقظة في أثناء النوم وغيرها من مشاكل النوم. والتقليل من حدوث الأرق.
أ.د.أحمد محمد محمود حاني
أستاذ الصحة العامة والطب الوقائي