تهتم الأدوية الكيميائية بصحة الأجسام، لكنها لا تهتم بالعقول والأرواح، وقد خلصت التقارير العلمية الحديثة إلى أن الأدوية إن شفت عرضًا لكنها لا تشفی مرضًا، لذلك تحولت الأمراض إلى أمراض مزمنة، وظهر الاتجاه القوي نحو العودة للطبيعة.
أساس الكيمياء
هناك العديد من الوسائل الطبية الطبيعية التي تساعد على مواجهة الأمراض وأعراضها المختلفة، كما تساعد في حالات دقيقة على معالجتها. فقد ثبت أن النباتات والأعشاب الطبيعية هي أساس الكيمياء، ومن ثم فإن لديها القدرة على تعويض النواقص الفسيولوجية، فلماذا نتجاهلها؟!
لكن من غير الممكن اتباع علاج طبي مهما يكن نوعه دون أن نتبع نظامًا غذائيًا مناسبًا، ولكننا لا نقصد من ذلك جعل الناس يتبعون نظام ريجيم صارمًا. وإنما فقط الحرص على ما يلي:
– الخبز: الخبز الأسمر، والمصنوع من الخميرة الطبيعية هو أفضل من الأصناف الأخرى.
-الملح: يحتوي الدم على سبعة جرامات من الملح في كل لتر منه تقريبًا، والملح ضروري للحفاظ على توازن الجسم والدم باستثناء بعض الحالات الخاصة. ومن هنا فالامتناع عنه كليًا مؤذ لصحة الجسم. ويحتوي الجسم على العديد من الأملاح، ولكل نوع وظيفته الخاصة، وأحيانًا يؤدي بعضها وظائف متكاملة قد تختل باختلال نسبتها في الجسم.
– السكر ومشتقاته: حاجة الجسم إلى السكر ضرورة، مثل حاجته للملح وربما أكثر. ويوجد السكر بالمواد النشوية، كالحبوب والبطاطا والبطاطس والخضراوات والفاكهة. ولذلك ننصح بالتقليل من استهلاك السكر الموجود في الأسواق بشكله المعروف، لأن الإنسان يحصل على السكر الذي يحتاج إليه جسمه عن طريق المواد الغذائية التي تحويه، ويتناولها كل يوم.
– الحليب: يعتبر – منذ أجيال – العنصر الغذائي الكامل؛ لاحتوائه على جميع المواد الغذائية التي يحتاج إليها الجسم، ويمتصها فور حصوله عليها من اللبن، وذلك لأن عملية هضمها لا تستغرق وقتًا يذكر.
– المشروبات: الماء هو المشروب الأساسي، وعنصر حيوي وضروري، لأنه يمكن الجسم من تأدية وظائفه الطبيعية ويتخلص من المواد السامة في صورة البول والعرق؛ يقول المولى سبحانه وتعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون (وكذلك قوله تعالى: (ونزلنا من السماء ماء مباركًا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد).
ولكن علينا أن نعلم أي ماء نشرب؟ وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أن المياه المعدنية لها تأثير طبي يشبه تأثير الأدوية، لذلك من الضروري عدم استعمال المياه ذاتها لعدة أشهر.
– الدهون: متوافرة بشكل حيواني أو نباتي، وحاجة الجسم لها حيوية؛ لأنها ليست عنصرًا غذائيًا فحسب، بل عنصر للحماية أيضًا، حيث إنها تدخل في تركيب غشاء الخلية. وعلى الجانب الآخر فالدهن الحيواني يحتوي على أربعة جرامات من الكوليسترول في الكيلو جرام الواحد منها، والكميات الكبيرة من هذا الدهن تعرض الجسم لبعض الاضطرابات في القلب والشرايين، بسبب الكوليسترول الذي يترسب في الشريان التاجي للقلب إذا زاد تركيزه في الدم. أما الدهن النباتي – أي الزيوت النباتية – فهي لا تحتوي على الكوليسترول، لذا يجب استعمال الزيوت النباتية المستخرجة بوساطة الضغط، مثل زيت الزيتون، وزيت دوار الشمس، وزيت الذرة، وزيت الجوز… إلخ. وعدم استهلاك الدهون المستخلصة بطرق كيميائية.
– اللحوم: سؤال يطرح نفسه هنا هو: هل نطبخ اللحوم جيدًا أم نتناولها قبل أن تنضج كلية؟ كل من هاتين النظريتين له حجج يدافع بها عن نفسه، فعملية الطبخ تزيل الميكروبات، ولكنها تزيد من نسبة الخلايا الميتة في اللحوم، ونجد أن الجسم يتخلص من الميكروبات بسهولة أكثر مما يتخلص من الخلايا الميتة .
– الأسماك وثمار البحر: غنية باليود والصوديوم والكالسيوم والفوسفور والفيتامينات، لكن للأسف تلوث المحيطات والبحار جعل استهلاك ثمار البحر، وخصوصًا الصدف، يشكل خطرًا على الصحة، ومن هنا ننصح باستهلاك سمك البحر غير الدسم إن كان طازجًا أو مجمدًا.
– الجبن: جميع أنواعه لا تؤذي الجسم السليم، ولكن بشكل عام يفضل استهلاك الجبن غير المغلف بالنايلون، والمختوم مسبقًا.
– الحبوب: سواء بشكلها الطبيعي كالشوفان والذرة والشعير والأرز وغيرها، أو بشكلها المستحضر كالخبز والمعجنات، تعتبر مواد مثالية لتزويد الجسم بالسعرات الحرارية، ولكننا ننصح باستهلاك الحبوب بشكلها الطبيعي.
– الخضرة التي لم تعالج بكثير من المستحضرات الكيماوية، تنصح باستهلاكها طازجة، في حين أن قليلاً منها يفضل تناوله بعد الطهي، كالخضراوات ذات البذور مثلاً.
– الفاكهة: غنية بالفيتامينات والسكريات، ومواد أخرى ضرورية للجسم، وحتى يتسنى للجسم امتصاص ما بها من غذاء ننصح بتناولها قبل الإفطار، وقبل الوجبات، أو بعيدًا عن الوجبات.
حالات صحية خاصة
وإضافة إلى ما سبق، فإن بعض الحالات الصحية ينبغي لها التقيد بنظام غذائي وصحي خاص تبعًا لطبيعة كل مرض. مثال على ذلك نجد أن الأجسام المصابة بأمراض في الكبد عليها أن تتجنب المواد الدهنية المطبوخة وجميع أصناف المقليات، في حين أنه باستطاعتهم تناول الزبدة النيئة وزيت الزيتون بكميات ضئيلة. وتناول الحلوى بحذر، والامتناع عن أكل الشكولاتة والكريمات التي تحتوي على الزبدة والغنية بالبيض.
وعلى مرضى الكبد الامتناع عن تناول الأنواع الدسمة من الأسماك، وخصوصا السلمون والسردين. ويمكنهم تناول جميع أنواع الخضراوات عدا السبانخ والبقلة والحامضية.
وتناول الحبوب والفاكهة عدا الموز والمشمش، وأكل البطاطا مشوية أو مسلوقة فقط. أما المشروبات من ماء وعصير وما شابه فجميعها تفيد الكبد، وينصح بها في جميع الحالات عدا حالتها المحفوظة بمواد حافظة.
أما المصابون بمرض الأمعاء فعليهم اتباع نظام الغذاء نفسه الذي يتبعه المصابون بأمراض الكبد، ولكن يضاف إلى هذا النظام بعض التعديلات المرتبطة بنوع الاضطرابات المعوية. فالمصاب بمغص في الأمعاء عليه تناول الفاكهة النيئة بعد وجبات الطعام، وعليه أن يشرب القليل جدًا من الماء قبل أو خلال تناول الطعام، كذلك عليه ألا يجمع النشويات والبروتينات في وجبة واحدة.
أما المصابون بالتهاب المفاصل “الروماتيزم” فعليهم التقيد بنظام غذائي قاس؛ فعليهم تناول بعض الخضراوات النيئة كالثوم، والكرنب والسبانخ والبقدونس والبصل، وتجنب الطماطم، وتناول جميع الخضر ما عدا اللفت واللوبيا والحمص والفول والعدس. وليس ثمة مشكلة في تناول الفاكهة إلا إذا كانت غير ناضجة بما يكفي، وإذا كانت تحتوي على أحماض كالمشمش مثلاً.
ومن المفيد جدًا للمصابين بالتهاب المفاصل تناول بعض أنواع الفاكهة في موسمها، وأهمها التفاح والكرز والتين. وننصحهم بتناول كمية متواضعة من اللحوم مرتين في الأسبوع، ويمكن التعويض عن النقص في اللحوم بتناول الأسماك والأصداف والجبن. ومن الزيوت زيت الزيتون، وزيت دوار الشمس، وزيت الجوز، والزيت المستخرج من الزبيب. أما الزبدة النيئة فهي ضرورية وإلزامية. ومن المستحسن لهؤلاء المرضى شرب كميات كبيرة من الماء بين وجبات الطعام، بشرط أن تكون هذه المياه صافية ولا تحتوي على نسبة كبيرة من المعادن. كما ننصح بشرب الشاي الخفيف، وعصير الفاكهة الطازجة، وخصوصًا عصيري التفاح والمشمش.
نباتات بالفيتامينات
العناصر التي تتألف منها النباتات مركبة ومعقدة وليست بسيطة كما يعتقد البعض، فالنباتات غنية بالفيتامينات التي يستطيع الجسم امتصاصها بسهولة، عوضًا عن الفيتامينات المركبة والمصنعة.
ويأتي تأثير النباتات وفاعليتها كنتيجة لاحتوائها على نسبة عالية من المواد الضرورية لنمو الإنسان، مثل الأكسجين والكبريت والأزوت والفوسفور والكربون… إلخ. وكذلك المواد المعدنية مثل البوتاسيوم، والكالسيوم والصوديوم، واليود والحديد والزنك.. إلخ. ونشير هنا إلى أن بعض الأمراض ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنقص في المواد الضرورية، مثل التهاب المفاصل وبعض أنواع الحساسية تعزی إلى نقص النحاس والمنجنيز.
ويتحقق تأثير النباتات وفاعليتها بفضل مادة الصبغة الموجودة فيها، وبوساطة المادة اللزجة والسكريات التي تحتوي عليها هذه النباتات، فخلاصة الكينا استخرجت عام ۱۸۳۰م من الكينات والأستريكنين من جوز القيء. وللمواد الدابغة خصائص مضادة للعفونة وقاتلة للبكتيريا، كما أنها عامل مهم لمحاربة الإسهال، بالإضافة إلى أنها تؤمن حماية البشرة والأغشية المخاطية.
أما المواد اللزجة فلها خصائص ملطفة وملينة ومفيدة للصدر ومسهلة للمعدة.
إن للنباتات والزيوت الأساسية تأثيرًا مشابهًا لمفعول الغدد الصماء، فخلاصة عبير الزهر تحوي هرمونات منشطة لوظائف الجسم الحيوية.
فقد لوحظ مثلاً أن السيدات اللواتي يتناولن حشيشة الدينار بصورة مستمرة ينتظم لديهن الحيض، ولا يتعرضن لأي خلل.
والكشمش الأسود له تأثير مماثل للكورتيزون، وهو هرمون فعال في معالجة التهاب المفاصل والروماتيزم، والينسون الأخضر، والنعناع يسهل عمل الغدة النخامية. وبناء على ما سبق يمكننا القول إن أكثر النباتات مفيدة؛ بفضل قدرتها المضادة للجراثيم والمانعة للعفونة، فمثلاً الزعتر “الصعتر” غني بالنميول، وهي مادة مطهرة ومانع للعفونة.
وبالنسبة لدور النباتات في تقوية مناعة الجسم، نجد أنه عند إصابة الجسم بمرض ما، لا يكفي معالجة الأعضاء المصابة فقط، بل لا بد من دعم مقاومته للمرض ومخلفاته.
وحتى يتم تقوية الجسم ضد هذا المرض فلا بد من إمداده بالمواد التي فقدها خلال فترة المرض، ويمكن للنباتات القيام بذلك بفضل تركيبها الطبيعي.
أما فاعليتها فيمكن تلخيصها فيما يلي:
– تخلص العضو المصاب من السموم والوسائل الضارة.
– تحسن وظائف أعضاء الجسم فتنشط وتحرك عمل الغدد والأعضاء الأساسية بفضل مفعولها الهرموني المنشط للأعصاب.
– تقوي الجسم؛ نظرًا لاحتوائها على الفيتامينات والمواد الأساسية للجسم.
– تطهر الجسم من الجراثيم، وتمنع العفونة، وتدخل لمساعدة الجسم على المقاومة حتى في حالة إصابته بالحمى أو الفيروس فجأة.
واحتمالات المعالجة بوساطة النباتات مهمة للغاية، لأن الجسم يمتص موادها بسهولة، كما أن تأثيرها يتم بفضل دورها المنشط، والذي يفيد التوازن للجسم ويقويه.
لذا، فباستطاعتنا استعمالها كعلاج واق وشاف وكمساعدة من نوع آخر.
د. عبدالباسط محمد السيد أستاذ الفيزياء الطبية والحيوية بالمركز القومي للبحوث