يعد خبز الجمر من أقدم الأطعمة العربية؛ فهو موجود منذ الجاهلية وكانوا يسمونه خبز الملة وقد ذكره الشاعر الحطيئة في قصيدته المشهورة التي تعد أول قصة فنية شعرية في الأدب العربي والتي مطلعها:
ببيداءَ لَم يَعرِف بِها ساكِنٌ وَطاوي ثَلاثٍ عاصِبِ البَطنِ مُرمِلٍ
وقد وصف فيها أبناءه بأنهم «ما اغتذوا خبـز ملة».
وخبز الجمر هو عبارة عن عجين يعجن عجنًا جيدًا ثم يرق حتى يصبح قرصًا كبيرًا جدًا. ويوقد الحطب على الرمل إيقادًا شديدًا حتى يصبح جمرًا وتعلوه طبقة من الرماد بينما يصبح الرمل حارًا ويفرد الرمل ثم يفرد فوقه قرص العجين الكبير ويترك حتى ينضج وجهه الملاصق للرمل ثم يقلب على الوجه الآخر ويترك حتى ينضج، ثم يرفع عن الرمال فينفض عنه الرمل والرماد حتى يصبح نظيفًا، ثم يقطع القرص قطعًا قطعًا ويضاف إليه السمن والسكر ويفرك بهما حتى يختلط الجميع بعضه ببعض ويصبح طعمه شهيًا ولذيذًا ويسمى حينذاك بالفريك. وبالطبع فإن العرب قديمًا لم يكونوا يفركون خبز الجمر أو ما يسمى بخبز الملة بالسمن والسكر، وما صنعه العرب قديمًا نراه اليوم في بعض دول الخليج كالإمارات حيث يسمى قرص الخبز بالقرص المحموس.
ولنا ملاحظتان بسيطتان أولهما أن خبز الجمر قل الاعتماد عليه في المدن لأن البيوت الحديثة لا تتلاءم مع إيقاد الحطب وإحضار الرمال، وأن خبز الجمر بات اليوم يصنع في البادية.
أما الملاحظة الثانية فإن خبز الجمر أو ما سمي قديمًا بخبز الملة إنما جاءته التسمية من الرمال المحمية. ومما يتقاطع مع خبز الملة ويشابهه في بعض الأمور الطعام المسمى الحنيني، وهو خبز مصنوع من دقيق البر، حيث يفرك بالسمن البري كما يفرك خبز الجمر، وبدلاً من استعمال السكر يستعمل التمر فيفرك مخلوط الخبز والسمن بالتمر وكل من السكر والتمر المنزوع النوى حلو. وفي ظني أن استعمال التمر بدلاً من السكر لتوفر التمر من جهة واعتياده من جهة أخرى.
ومن الأطعمة التي يلعب السمن والتمر فيها دورًا كبيرًا ما يسمى بطعام السويق وهو سنابل حب الشعير الذي لم يَقْسُ بعد؛ حيث توقد نار مرتفعة اللهب وتقطع سنابل الشعير حزمًا ثم تعرض سنابل الشعير للهب فتلفحها النار وتحمصها قليلاً وتسمى بالفريك؛ لأنها تفرك بالكفين لتخليص الحب من القش.
هذه العملية المستعملة مع الشعير تستعمل في بلاد الشام مع حبات سنابل القمح الغضة؛ حيث تحمص حبات القمح على اللهب ثم تفرط حبات القمح الذي يسمى آنذاك بالفريك، وتجرش حبات الفريك ثم تطبخ مع اللحم المسلوق ومرقه.
لكن فريك الشعير لا يستعمل اللحم والمرق وإنما يعجن مع السمن والسكر أو التمر وقد يقدم الفريك في أطباق قد يقطع إلى أجزاء تسمى كل قطعة عربودة، وهذا يسهل عملية التناول أو الأكل.
وبالرجوع إلى ما ذكرناه آنفًا نجد أن عناصر هذه الأطعمة تتميز بتوفرها في المجتمعات العربية دون أن يكون الطعام عالة على الأمم الغربية ونفقده إن منع عنا، ثم هي ملائمة للمجتمعات العربية التي تنشأ عليها الأجيال والتي توارثت بعضها منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، فضلاً عن غنى هذه العناصر بالمواد الغذائية اللازمة للإنسان من نشويات ودهون وسكريات.
محمد سعيد المولوي