حصل الأسطورة الأولمبية السباح الأمريكي مايكل فيليبس على إعجاب العالم واندهاشه، وبهر متابعي أولمبياد بكين 2008حول العالم بنتائجه القياسية الباهرة، حيث أصبح أكثر الرياضيين إحرازا للميداليات الذهبية في عمر قياسي، بحصوله على ثماني ميداليات ذهبية.
ويأتي هذا الإعجاب عقب معرفة المتابعين من خلال التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام المختلفة لحياة هذا البطل، كان مصابا بمرض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، ولكن ما هو مرض فرط الحركة وتشتت الانتباه الذي صنع البطل المعجزة؟ هذا ما تتعرفون عليه في التقرير التالي:
ما هو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؟
هو اضطراب عصبي سلوكي ناتج عن خلل في بنية ووظائف الدماغ، يؤثر على السلوك والأفكار والعواطف، وقد يصيب الأطفال ويستمر معهم بعد البلوغ بأشكال وأعراض مختلفة، فهو ليس بمرض لأن أعراضه سلوكية تتعلق بالفهم والانضباط والتعامل الاجتماعي.
مدى انتشار الاضطراب
بلغت نسبة الإصابة بهذا الاضطراب 3-10% من أطفال المدارس عالميًا، بينما بلغت نسبة الإصابة به في المملكة 15.5%.
الأعراض الرئيسية للاضطراب
ضعف التركيز والتشتت: حيث يعاني الشخص المصاب من سهولة التشتت، وصعوبة في التركيز، وصعوبة في إنهاء الأعمال التي يبدؤها، كثرة السرحان عندما ينبغي عليه التركيز، صعوبة الانتباه لتفاصيل الأمور، فلا يبدي اهتمامًا بها، وصعوبة متابعة الحوار الطويل، فيبدو وكأنه غير مهتم، كما أنه يعاني من كثرة النسيان، فقد تفوته مواعيد هامة أو يصل متأخرًا أو ينسى أغراضه الخاصة باستمرار كالمفاتيح، كما أنه يصعب عليه الإنصات طويلًا عند التحدث إليه بشكل مباشر، وغالبًا ما يتجنب الأعمال التي تتطلب منه مجهودًا ذهنيًا.
فرط الحركة: يعاني من صعوبة في البقاء هادئًا سواء في الصف (فهو لا يستطيع أن يجلس في مكانه لفترة طويلة، ودائم الحركة والتنقل، وهو أيضًا دائم التحدث مع من حوله داخل الصف) أو في المقابلات ومشاهدة التلفاز فيكثر من تحريك يديه أو قدميه، كما أنه يفضل الوقوف على الجلوس، كثير التململ، ويشعر بالنعاس عندما لا يجد محفزات من حوله، بالإضافة إلى أنه لا يحب الروتين، ويميل إلى الأنشطة الرياضية العنيفة والسريعة، كما أن البعض يدمن ألعاب الفيديو.
الاندفاعية: يأخذ قرارات متسرعة في عمله وأموره المالية، وعلاقاته الشخصية مما قد يؤدي إلى تكرار نقله وتغيير عمله، كما أنه يبدأ عمله أو واجبه دون الاستماع للتعليمات جيدًا فتكثر أخطاؤه، كما انه كثير التحدث، ولديه صعوبة في انتظار دوره، يقاطع حوار الآخرين، ويتدخل فيما لا يعنيه، وقد يقود سيارته بسرعة وباندفاعية، مما قد يؤدي إلى خطورة التعرض لحوادث مرورية.
الأعراض الثانوية للاضطراب
– الفوضى وعدم النظام
– ضعف العلاقة مع الأقران والأقارب والإخوة والأخوات
– السلوك العدواني
– ضعف مفهوم الذات وضعف الثقة بالنفس
– حب الإبهار وسلوك الإثارة
– أحلام اليقظة
– ضعف التناسق في الحركة
– مشكلات الذاكرة
– الإصرار والإلحاح
– المزاجية والعناد
– السرقة والكذب
ولا يشترط توفر كل هذه الأعراض في المصابين.
أنواع الاضطراب
تشتت الانتباه: عندما يسيطر سلوك عدم الانتباه على سوك المصاب بشكل أكبر.
فرط الحركة والاندفاعية: عندما يسيطر سلوك الحركة المفرطة والاندفاعية ويظهر بشكل أكبر من سلوك تشتت الانتباه.
النوع المشترك (تشتت الانتباه والحركة المفرطة والاندفاعية): عندما تسيطر الأعراض الثلاثة وبنفس الدرجة على سلوك المصاب.
ويكثر لدى الإناث النوع الأول «تشتت الانتباه» وكثرة السرحان، بينما يغلب لدى الذكور الحركة المفرطة والاندفاعية.
وقد تختلف أنواع الاضطراب وأعراضه بين الأطفال والكبار، فقد يكون نفس الطفل مصابًا بفرط الحركة إلا أنه في سن البلوغ قد تختفي أعراض فرط الحركة لديه لتظهر بدلًا منها أعراض التشتت والاندفاعية.
أسباب الاضطراب
– أسباب وراثية، وهي السبب الرئيسي حيث تلعب دورًا كبيرًا في الإصابة يصل إلى 86%.
– أسباب مرتبطة بالتأثير على الجهاز العصبي (كالإصابات التي تصيب دماغ الطفل قبل أو أثناء أو بعد الولادة).
كل الأسباب المذكورة أعلاه ينتج عنها خلل في وظائف الدماغ مما يؤثر على السلوك والأفكار والعواطف.
كيف يحدث الاضطراب؟
يتكون الدماغ من عدة طبقات، لكل منطقة منه وظيفة محددة، فالطبقات الخارجية من الدماغ تسمى اللحاء الدماغية، وهي الجزء من المخ الذي يحدث فيه معظم التفكير والتعلم، وتخزن فيه الذكريات أيضًا.
ويوجد تحت اللحاء منطقة تسمى «سبكورتكس»، وهي تعتبر جزءًا هامًا من نظام الكبح الذي يساعد في السيطرة على كل من الاهتمامات ومستوى النشاط.
هذه المنطقة تتضمن النظام المساعد الذي يُعتمد عليه في الكثير من الوظائف: حيث إنه يستقبل المعلومات الواردة ويقرر أين يجب أن تذهب، ويقرر ما الشيء الذي ينبغي عليك أن توليه الاهتمام في ذلك الوقت، كما أنه يرسل الرسائل التي تقوم بتشغيل الأجزاء الأخرى من الدماغ. كما أن منطقة «سبكورتكس» تساعدنا أيضًا على البقاء يقظين، وتنسق أنشطة أعمال المخ لدينا.
إن الدماغ يتكون من العديد من الخلايا التي تسمى بالخلايا العصبية، هذه الخلايا تعمل معًا ولكنها لا يتصل فعلًا بعضها ببعض لأنها مفصولة بفراغات ضئيلة تسمى الوصلات العصبية. تقوم الخلايا العصبية بتبادل المعلومات أو الرسائل عن طريق إرسال رسول كيميائي عبر هذه الفراغات (الوصلات العصبية) حيث تسمى هذه الرسل (الكيميائية) بأجهزة الإرسال العصبية.
ولكي تستطيع الخلايا العصبية إيصال الرسالة إلى خلايا حولها، يجب أن يكون هناك ما يكفي من الموصلات (الكيميائية) للقيام بهذا العمل، ويجب على الرسول الكيميائي أن يبقى في الفراغ (الوصلة العصبية) فترة طويلة بما فيه الكفاية حتى يستطيع أن يتصل بالمُستقبل في جميع الخلايا العصبية المحيطة بها. وهذا الاتصال بين الناقل العصبي والمُستقبل أشبه ما يكون بتركيب المفتاح في القفل، حيث يكون الناقل العصبي في مقام المفتاح الذي عندما يتم توصيله بالمُستقبل (القفل)، فإنه يفتح الباب للرسائل لكي تنفذ من خلاله.
عندما يعمل الدماغ بشكل صحيح، فهنالك ما يكفي من الناقلات العصبية لتحفيز وتشغيل الخلايا وتوصيل الرسائل إلى حيث من المفترض لها أن تذهب. أما في دماغ الشخص الذي يعاني من الاضطراب، فإن هذا لا يحدث دائمًا. حيث إن رسائل الكبح والإبطاء، ورسائل إعطاء الاهتمام قد لا تستطيع أن تمر بشكل فعال، عندئذ يمكن للشخص أن يتصرف دون تفكير (وهو ما يعرف بالاندفاعية)، أو قد يكون في غاية الانشغال بأمور أخرى (وهو ما يعرف بالتشتت).
ويوجد لدى العلماء عدة تفسيرات حول سبب انتقال الرسائل بشكل ضعيف في حالة الشخص الذي يعاني من الاضطراب. فعندما أخذوا صورًا من الدماغ بطريقة المسح لأشخاص لديهم حالة الاضطراب، وجدوا أن المناطق التي تسيطر على الانتباه والتي تساعد على التخطيط للمستقبل لا تعمل بشكل سليم. ويبدو أنه لا يوجد ما يكفي من الناقلات العصبية لتحفيز الخلايا العصبية في هذه المجالات وإبقائها على حالة العمل.
كما وجد العلماء مؤخرًا أن هناك نظامًا في كل خلية يقوم بأخذ الناقلات العصبية من الوصلة العصبية ويقوم بإعادتها إلى داخل الخلية الأولى التي بعثت بها. وهذا ما يسمى النظام الناقل.
ويبدو أن بعض الذين يعانون من الاضطراب لديهم الكثير من هذه النواقل مما يسبب إعادة الناقل العصبي إلى الخلية قبل أن يتمكن من إيصال الرسالة إلى الخلايا المجاورة. وعندما يحدث ذلك في المناطق الأخرى من الدماغ لا تستطيع أن تؤدي عملها، وهذا قد يساعد على تفسير سبب معاناة المصابين بالاضطراب الذين لديهم صعوبة في الانتباه أو التنظيم، وهو السبب الذي من أجله ينسى هؤلاء الأشخاص الأشياء أو يفقدونها، وهو يفسر لماذا يتصرفون كما لو لم تكن لديهم أي مكابح أو سيطرة.
ويرى العلماء أيضًا أنه في حين أن هذه المشاكل من النواقل العصبية تؤثر على بعض وظائف المخ مثل التعلم والتذكر، إلا أنها لا تؤثر على الذكاء أو الشخصية أو الإبداع، فالأطفال الذين لديهم الاضطراب هم كبقية الأطفال الآخرين في الذكاء والموهبة والصحة.
الحالات الطبية التي تؤدي إلى ظهور أعراض مشابهة لاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه:
– التهاب الأذن
– الخدار (اضطرابات النوم)
– ضعف السمع
– اضطراب الغدة الدرقية
– آثار جانبية لبعض الأدوية
الاضطرابات النفسية التي لها أعراض مشابهة لاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه
– اضطرابات التكيف أو التوافق
– اضطرابات القلق
– الاكتئاب
– التخلف العقلي
– صعوبات التعلم
من الذي يشخص الاضطراب؟
يقوم بتشخيص الاضطراب كل من طبيب الأعصاب، طبيب نفسي مختص، والأخصائي النفسي العيادي.
شروط تشخيص الاضطراب
– أن تظهر لدى الطفل إما خصائص تشتت الانتباه بشكل منفرد، وإما الحركة المفرطة المصحوبة بالاندفاع بشكل منفرد، أو تجتمع لدى الطفل الخصائص المميزة لكل من تشتت الانتباه والحركة المفرطة المصحوبة بالاندفاع معًا.
– ظهور أعراض الاضطراب في مرحلة مبكرة من العمر، أي قبل سن السابعة.
– أن تظهر هذه الأعراض في بيئتين أو أكثر كالبيت، المدرسة، العمل، ولمدة لا تقل عن
ستة أشهر.
– أن تكون هناك دلائل واضحة على وجود قصور في أداء واحدة أو أكثر من المهارات الأكاديمية، الاجتماعية، الرياضية.
– أن يستطيع المعالج التمييز بين أعراض اضطرابات تشتت الانتباه والحركة المفرطة أو أي أعراض لأمراض أو لاضطرابات أخرى كالتي ذكرت أعلاه.
علاج الاضطراب
لا يوجد علاج شاف ونهائي للاضطراب، ولكن يمكن علاج أعراض الاضطراب. ولكي ينجح العلاج يجب أن يكون علاجًا شاملًا ومتكامل الجوانب فيتضمن:
– العلاج الطبي.
– العلاج السلوكي.
– العلاج التربوي.