الصحة والغذاء

أحبي ذاتك.. يحببْكِ زوجك

 في هذا المقال سوف نركز عليك «أنت» نعم «أنت».
فأنت النصف الآخر من علاقتك الزوجية. لهذا لن تستطيعي بناء علاقة ناجحة مع الرجل من خلال فهمه هو فقط، بل لابد أن نفهم أنفسنا أولًا.
ولن تستطيعي أن تحبي زوجك بطرق صحيحة صحية ما لم تحبي ذاتك أولًا… ولن يستطيع زوجك أن يحبك ما لم تحبي ذاتك أولًا…
فقبل أن تتعلمي أن تحبي زوجك يجب أن تتعلمي، ما هو حبك الأول؟

الحب الأول هو: حب الذات
إن جميع مدارس علم النفس وعلماءها يتفقون على حقيقة واحدة بأن صلب العلاقات مع الآخرين هو علاقتنا بذاتنا، إن علاقتك التي تقيمينها مع ذاتك هي العلاقة المركزية في حياتك، فأنت محور مكونات خبرات حياتك– أي الأسرة والأصدقاء وعلاقات الحب والعمل– علاقتك بذاتك هي القالب الذي يتشكل منه علاقتك بالآخرين… وهذا هو السبب وراء حقيقة أنه لا بد أن تبدأ أي دورة أو مقال عن العلاقات العاطفية بحياتنا بعلاقتنا بأنفسنا أولًا قبل علاقاتنا بالآخرين.
لأنه من شروط إيجاد رابطة حب حقيقية ناجحة مع شخص آخر هو أن نحب ذاتنا أولًا. فعندما لا تتقبلين ذاتك، وعندما تكرهين نفسك، عندما لا تعتقدين أنك لا تستحقين السعادة.. والحب.. والنجاح فإنك تضيعين الوقت باحثة عن حب الآخرين حتى تشعري بأنك متكاملة ومحبوبة ومهمة، وتصبحين شديدة التعلق بالآخرين، وشديدة الحساسية تجاه رفض الآخرين لكِ. فهؤلاء هم من يخدمون الناس على حساب أنفسهم… ويسمحون للآخرين باستغلالهم وحتى الإساءة لهم… وهم من لا يستطيعوا أن يقولوا كلمة «لا»، وهم من لا يستطيعون أن يعبروا عن آرائهم الحقيقية فهم مجاملون بدرجة كبيرة.


لماذا بدأنا بحب الذات؟ وكيف يرتبط حب الذات بالعلاقة بشريك الحياة؟
لأننا (نحن نعلم الناس كيف يعاملوننا)..
فحب الذات شرط أساسي لبناء علاقة صحيحة مع الزوج، لماذا؟

 لأنك أنت تشكلين المثال الأول الذي يشاهده الناس ويراقبونه (حتى زوجك) ليتعلموا منه كيف من المفترض أن يتعاملوا معك؟ هل يتعاملون معك باحترام أم لا؟ هل يجب احترام رغباتك واحتياجاتك أم لا؟ هل يجب الإنصات لك ولوجهة نظرك أم لا؟…إلخ.

لهذا شخصيتك وعاداتك، تفكيرك وقناعاتك عن ذاتك ورأيك بنفسك تلعب دورا كبيرا في بناء علاقتك مع زوجك وتلعب دورا جوهريا في تحديد أسلوب تعامل زوجك معك…

فماذا نقصد بذلك؟

 أحيانًا نسمع عن رجال كانوا شديدين… حازمين… لديهم الكثير من «لا» والممنوع… وتجدين الزوجة خاضعة لذلك على أساس هكذا هو زوجي وهذه شخصيته… وفجأة يتزوج بأخرى وتبدأ التغييرات، لماذا؟

هل حدث تغيير في شخصية الزوج فجأة؟

طبعًا لا، بل حدث تغيير في الشريكة وهي الزوجة الجديدة وشخصيتها وبالتالي تغير أسلوبه معها بناء على شخصيتها وردود أفعالها. فهي رفضت ما قبلت به الأولى.. وهي طالبت بما لم تطالب به الأولى..

والأهم هي أنها وصلت للزوج فكرة إيجابية قوية واثقة عن ذاتها جعلته يتعامل معها على هذا الأساس.

حب الذات هو الحب الأساسي الذي يجب أن تتعلميه وتتقنيه أولًا.

ولن تشعري ما معنى الوقوع في الحب مع شخص آخر ما لم تحبي نفسك أولًا.. لماذا؟

 لأنك إن لم تحبي ذاتك فسوف تشعرين دومًا بفراغ داخلي تحاولين ملأه عن طريق زوجك.. لكن مهما فعل زوجك فستشعرين بأنه ليس كافيًا.. فأنت دائمًا تسألينه: هل تحبني؟ ودائمًا تشكين بأنه لا يحبك بشكل كاف.. وهذا يظهر في بداية العلاقة الزوجية ومن الزوجات الصغيرات مما يؤدي إلى نفور الزوج وهروبه بعيدًا.. لأنه يشعر بأنه محاصر ومطالب دائمًا أن يثبت لها حبه وتعلقه بها.
ويا ترى كيف تعرفين أنك تحبين ذاتك أم لا؟
إذا كنت تشترين لأولادك وزوجك بسعر أغلى بكثير مما تشترينه لنفسك.. وتستكثري الأسعار عندما يأتي الأمر لشراء يخصك.. وإذا كنت لا تهتمين بصحتك ونومك فتهملين نفسك ووزنك وآلامك.. وإذا كنت تحرصين على إعداد الطبق الذي يحبه زوجك وأطفالك فقط.. وإذا كنت تقسين على نفسك إن أخطات وتوبخينها وتنعتينها بألفاظ مقللة لذات «أنا غبية»، «أنا أستأهل فأنا.. ».. وإذا كنت تقللين من حجم وأهمية مميزاتك وإنجازاتك وحتى لو مدحك الآخرون فأنت لا ترين نفسك تستحقين كل تلك الإشادة والثناء.. وربما تشعرين أنهم فقط يجاملونك.. إذا كنت في ذيل قائمة أولوياتك واهتماماتك، فآخر شخص تفكرين فيه وبمصالحه ورغباته واحتياجاته هو أنت. وهذه إحدى المؤشرات.. وليست كلها.

فأنا أسمع في عيادتي الكثير من النساء يشتكين من جحود الزوج والأبناء بعد أن قضت سنوات عمرها في خدمتهم وبذل كل ما بطاقتها ماديًا وجسديًا
فتردد عبارات مثل:  «أنا ماكينة متوقع مني لا أتعب.. لا أطلب.. لا أتذمر..  لا يشعرون بي، لا يرحموني… لا يعتنون بي كما أعتني أنا بهم إذا مرضوا».
وهنا نتساءل: إذا أنت اعتبرتِ نفسك ماكينة تعمل ليل نهار… ولم ترحميها وتعطفي عليها، فلماذا تجزعين إذا بدأ أطفالك وزوجك بمعاملتك وكأنك كذلك (مجرد ماكينة) لا تتعب ولا تعطب. أليس نحن من نعلم الناس كيف يعاملوننا؟

أما المرأة التي تحب ذاتها، فهي من تحرص على الاهتمام بنفسها في نفس الوقت الذي تهتم فيه بالآخرين…فلا تنسى نفسها وتلغيها.. تهتم بنفسها وتشحذ المنشار لتقوم بمسئولياتها بشكل أفضل لتكون أما أفضل وزوجة أفضل وأختا أفضل.

إن أسلوب إدراكك لذاتك وتعاملك معها هو بالضبط ما سوف تحصلين عليه من الآخرين. فأنت، بدون وعي منك، توضحين للناس وتخبريهم كل يوم عن كيفية معاملتهم لك دون أن تلفظي بكلمة واحدة.
«إن العالم يعكس شعورك بذاتك»

 فمثلًا إذا اعتقدت بأنك لا تستحقين الاحترام، فإنك ستجذبين شريكًا يتعامل معك على هذا الأساس.. وإذا تعاملت مع ذاتك على أنك لست مهمة فهناك احتمال أن شريكك سيتعامل معك بنفس الطريقة.. وإذا كنت قاسية في حكمك على ذاتك فسوف يقسو عليك شريكك والآخرون.
من ناحية أخرى، إن صفحت عن ذاتك، فسوف يفهم الآخرون أنه من غير المقبول أن يوبخوك على أخطائك.. وإذا احترمت احتياجاتك وخصوصياتك فسيحترمها شريكك.
فاعتقاداتك وتوقعاتك الداخلية سوف تنعكس على أسلوب تعامل الآخرين معك فيتعاملوا معك بنفس الطريقة.

بين النرجسية وحب الذات

وربما الآن يتبادر لك أنني أدعو إلى النرجسية وأن تهتمي بنفسك فقط حتى لو كان على حساب الآخرين..
لكن هناك فرقًا كبيرًا كفرق الليل عن النهار بين حب الذات والنرجسية والأنانية،
هناك فرق شاسع جدًا بين حب الذات والنرجسية… أو الأنانية التي تعني مراعاة مصلحتي حتى لو كان على حساب الآخرين.
«النرجسية» تطبق القاعدة «أنا ومن ورائي الطوفان».. «أنا…ثم.. أنا… ثم أنا». وهنا الإنسان يرى نفسه الأفضل والأجمل والأحق بكل شيء رائع، ولا يقبل حصول الآخرين عليه.. النرجسية يراعي صاحبها مصالحه فقط حتى لو كانت على حساب الآخرين أو تضر بهم.. يحقر من الآخرين ويهملهم.
فالمرأة النرجسية هي التي تهتم بنفسها وترعاها فقط على حساب أولادها وصحتهم… وبيتها وزوجها… فالكل يعاني من الإهمال..
أما حب الذات، فهي علاقتك بذاتك وليس لها علاقة بالآخرين. كما أنها تتوافق مع تعاليم شريعتنا وهو «أحب لأخيك ما تحب لنفسك، ولا يحقرن أحدكم نفسه».
فأنت عندما تحبين نفسك، فأنت لا تقللين من الآخرين. ولا تراعين مصالحك على حساب الآخرين، ولا تهمشين رغبات واحتياجات الآخرين.. أنت فقط ترين نفسك إنسانة تستحق الاحترام والتقدير والسعادة والنجاح وتؤمنين بقدراتك وعقلك ومهاراتك… كما تؤمنين بهذا الحق للآخرين أيضًا.. فقط لا غير.
إذًا، حب الذات هو أن تعاملي نفسك كما تعاملين شخصًا تحبينه.. أن تقدري نفسك.. ألا تقسي عليها وتوبخينها عند أي خطأ.. أن تشعري بقيمتك الذاتية واستحقاقها الأفضل بالحياة.. أن تؤمني أنك تستحقين السعادة والنجاح.. هنا توازن.. ارعي مصالحك.. كما ترعين مصالح الآخرين.
فقط تذكري إنسانًا تحبينه كثيرًا.. واسألي نفسك هل تعاملين نفسك كما تعاملينه؟
تذكري أن صلب علاقتك بالآخرين (زوجك أو أي فرد) هي علاقتك بذاتك.. فأنت يجب أن تتعلمي وتتقني حبك لذاتك قبل أن تحبي الآخرين.. وهذا لأننا نعلم الناس كيف يعاملوننا، والأهم أننا نشكل المثال الأول الذي يتعلم منه الناس (وبما فيهم زوجك) كيف يجب أن نعامل، وماذا نقبل وما لا نقبل.. وما نستحق من الحياة ومنهم؛ لهذا تعلمي حب الذات قبل أن تتعلمي كيف تحبين زوجك، وحتى يكون الوقوع في حبك سهلاً جدًا ومشبعًا جدًا لزوجك.

نوره بنت محمد الصفيري

اختصاصية نفسية ومرشدة زوجية [email protected]


اضف تعليق

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم