من نعم الله تبارك وتعالى على الإنسان نعمة الصحة والشفاء من الأمراض، والوقاية منها، حيث زودت أجسامنا بأسلحة تقاوم الميكروبات وتقضي عليها وتبطل مفعول السموم التي تفرزها.
وتتمثل هذه الأسلحة في جهاز المناعة وما به من خلايا تهاجم الميكروبات والفيروسات وتفتك بها وتخلص الجسم منها، كما يحتوي جهاز المناعة على مواد من شأنها مقاومة الميكروبات، وفي كل خلية من مليارات الخلايا التي يتشكل منها جسم الإنسان دروع واقية وموانع طبيعية وأجسام آكلة للميكروبات وإنزيمات تفتك بها.
وبأجسامنا أيضًا مقومات للدفاع ضد السموم الكيميائية والبيولوجية، حيث يقوم الكبد وغيره من أعضاء الجسم بإجراء عمليات كيميائية من شأنها التخلص من السموم التي يفرزها الجسم، وتلك السموم التي تجد طريقها إليه عن طريق الطعام والشراب والهواء الذي نتنفسه.
وكلما قويت أسلحة الجسم الدفاعية والهجومية زادت قدرته على مقاومة الأمراض، وحينما تضعف قوته المانعة والضاربة تقل مقاومته ويصبح عرضة للإصابة بالأمراض.
ولقد اتجهت الدراسات الحديثة إلى البحث عن العوامل التي تنشط مناعة الجسم في مقاومة الأمراض والعوامل التي تضعف المناعة وبالتالي تكون سببًا من أسباب الإصابة بالأمراض.
ولقد أسفرت البحوث عن أن العوامل التي تقوي المناعة وتضعفها تنبع من داخل أجسامنا، كما أن هناك عوامل تنشط المناعة وأخرى تضعفها تصل إلى الجسم من البيئة التي نعيش فيها، مثل الغذاء والماء والهواء، وما نتناوله من أعشاب وأدوية كيميائية وغيرها.
مواد لتقوية المناعة
يفرز الجسم مواد، مثل الإندورفينات وغيرها من المواد، من شأنها تسكين الألم وتقوية المناعة ضد الأمراض، وينشط إفراز هذه المواد بالانتظام في العبادات وتوثيق أواصر المحبة والتراحم بين الناس وبممارسة الرياضة البدنية والخلود إلى الراحة والاسترخاء والنوم المريح، كما تنشط بسماع كل شيء جميل ترتاح إليه الأذن، وكذلك بمشاهدة كل ما ترتاح إليه العين، وبالبسمات والضحكات والاستمتاع بالعمل البناء والخلاق.
وعلى النقيض، فإن الجسم يفرز مواد ضارة، مثل الأدرينالين والورتيزون، بكميات زائدة عن المعدل الطبيعي من شأنها إضعاف مناعة الجسم ضد الأمراض، وذلك في حالات الغضب الشديد والكراهية والأحقاد والقلق والانفعالات الشديدة والإرهاق الشديد وعدم الخلود إلى الراحة والنوم المريح.
كما يزداد إفراز المواد التي تضعف المناعة بالضوضاء وسماع الأشياء التي تكرهها الأذن ومشاهدة الأشياء التي لا ترتاح لها العين، وبالانغماس في الأحزان.
أما العوامل التي تأتي إلى أجسامنا من البيئة المحيطة فهي عوامل قد تقوي المناعة وقد تضعفها، ويأتي في مقدمتها الغذاء، فهو سلاح ذو حدين، إذ إنه بما فيه من عناصر غذائية معينة يساعد على تقوية مناعة الجسم ضد الأمراض، كما أن الإفراط في تناول أغذية معينة يؤدي إلى إضعاف المناعة.
ومن أهم العناصر الغذائية التي تساعد في تقوية المناعة مضادات الأكسدة مثل «بيتا كاروتين» الذي يكوّن فيتامين (أ) بالجسم (يوجد بوفرة في الجزر والتفاح والسبانخ)، وفيتامين (سي) (في الجوافة والليمون والبرتقال والفلفل الأخضر والطماطم)، وفيتامين (هـ) (في الزيوت النباتية وزيت السمك والبقول واللحوم والأسماك والبيض واللبن)، كما تشمل العناصر الغذائية المقوية لجهاز المناعة الزنك والسيلينيوم والنحاس والحديد والماغنسيوم (تتوفر في الحبوب والأسماك والفول والكبدة والبازلاء والسبانخ). وهناك أطعمة تقوي جهاز المناعة مثل الزبادي وعسل النحل.
وفي المقابل، قد يكون الغذاء سببًا من أسباب إضعاف المناعة ضد الأمراض، حيث إن الإفراط في تناول الدهون الحيوانية واللحوم يمثل خطرًا على المناعة، ويؤدي إلى ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض القلب والدورة الدموية والسرطان.
ويعتبر تعاطي المخدرات والخمور والتدخين والتلوث البيئي من أهم العوامل التي تضعف المناعة وتسبب الإصابة بالأمراض.
أعشاب تقوي المناعة
تشمل الأعشاب التي تثبت فعاليتها في تقوية المناعة وزيادة مقاومة الجسم للأمراض ما يلي:
* حبة البركة (الحبة السوداء): أظهرت بحوث أجريت في العديد من دول العالم أن حبة البركة تفيد في تقوية المناعة ضد الأمراض، ولذلك فقد احتل زيت حبة البركة مكانًا مرموقًا في مجال الصناعات الصيدلانية لعلاج أمراض نقص المناعة ومقاومة السرطان.
ولقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم باستعمال الحبة السوداء في حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: «عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاءً من كل داء إلا السام» (والسام هو الموت).
ولقد دلت البحوث القديمة والحديثة على أن الحبة السوداء تفيد في علاج أمراض القلب والدورة الدموية وارتفاع كولسترول الدم ومرض السكر والتهاب الكلية والتهاب الكبد، والربو والقرحة والروماتيزم والصداع والأرق والأمراض الجلدية وأمراض العين.
ونظرًا لأن الحبة السوداء تساعد في تنشيط جهاز المناعة، فقد أجريت عليها دراسات بينت أن استعمالها يساعد في مقاومة السرطان والأمراض البكتيرية والفيروسية.
* الثوم: منذ آلاف السنين استخدم الثوم للوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية والروماتيزم والأمراض الميكروبية مثل التيفود والدوسنتاريا والكوليرا والغنغرينا.
ولقد أكدت الدراسات أهمية الثوم في مقاومة الميكروبات، حيث اكتشف أنه يحتوي على مادة تشبه المضاد الحيوي في فعاليته ضد الميكروبات، وهي مادة «أليسين» Allicin.
كما بينت بحوث عديدة أن تناول الثوم يساعد في مقاومة ميكروبات الدرن والإسهال والدوسنتاريا والتيفود، وفي مقاومة الفيروسات والفطريات والطفيليات التي تسبب الأمراض.
ولقد أوضحت دراسات أجريت في أمريكا أن تناول الثوم يساعد في تقوية جهاز المناعة ورفع مستوى كفاءته ضد الميكروبات والفيروسات والخلايا السرطانية.
* الزهرة المخروطية الأرجوانية (Echinacea): تستخدم لتنشيط المناعة ضد الأمراض، حيث تشير البحوث إلى أن خلاصة جذور هذا النبات تساعد على تنشيط خلايا جهاز المناعة التي تلتهم الميكروبات والفيروسات، كما تساعد على زيادة إنتاج الخلايا المقاومة للسرطان.
ويفيد استعمال الزهرة المخروطية الأرجوانية في علاج العديد من الأمراض التي تسببها البكتريا، مثل الدمامل والخراريج والغرغرينا وتسمم الدم البكتيري، وفي علاج الأمراض الفيروسية، مثل الإنفلونزا والهربس.
وتستخدم الخلاصة على هيئة غرغرة أو مضمضة للفم في علاج أمراض الفم الميكروبية، مثل التهاب اللوز وتقرحات الفم وإصابات اللثة وخراريج الأسنان، كما تستخدم في علاج الجروح وعضة الثعبان.
ولقد أظهرت البحوث الحديثة أن استعمال الزهرة المخروطية الأرجوانية يساعد على تنشيط خلايا المناعة ضد السرطان، ولذلك فإن خلاصة النبات تساعد في علاج الأمراض السرطانية، مثل سرطان الكبد، كما تفيد في علاج الأعراض الجانبية الناتجة عن العلاج الكيميائي والإشعاعي للسرطان.
* العرقسوس: أثبتت البحوث فعاليته كمضاد للالتهابات والأورام والفيروسات، ولقد تبين أن العنصر الفعال في العرقسوس، وهو (Glycerrhizin)، يساعد على تنشيط خلايا الدم التي تلتهم الميكروبات، بالإضافة إلى أن العرقسوس يحتوي على مركبات (Bioflavinoids)، وهي مضادات الأكسدة التي تساعد في تقوية المناعة ضد الأمراض.
كما يساعد العرقسوس على زيادة تكوين مادة «إنترفيرون» Interferon، وهي تقوي مقاومة الجسم ضد الفيروسات والسرطان كما أنه مفيد في علاج البرد والنزلات الشعبية والسعال وآلام الحلق والدرن والربو والتهاب الكبد الفيروسي، كما يفيد في علاج القرحة والإمساك وعسر الهضم والأمراض الروماتيزمية والأمراض الجلدية.
* الشاي الأخضر: استخدم لأكثر من أربعة آلاف سنة كمشروب شعبي وفي علاج الأمراض، ولقد أظهرت البحوث أنه يحتوي على مضادات أكسدة، وهي متعددات الفينول Ployphenols، ومواد أخرى ثبت أنها تقوي المناعة ضد الأمراض، ولذلك فإن الشاي الأخضر يفيد في علاج الأمراض التي تسببها الميكروبات، مثل الإسهال وأمراض قنوات جذور الأسنان.
وللشاي الأخضر فوائد أخرى عديدة، فهو يساعد في الوقاية من سرطانات الجهاز الهضمي والكبد والرئة والجلد والبنكرياس واللوكيميا، كما يساعد في علاج جروح الجلد ولفحة الشمس والتهاب الكبد.
* جذور الجنسنج: من أهم الأعشاب التي تستخدم في تنشيط المناعة وزيادة مقاومة الجسم للميكروبات. حيث تشير البحوث الحديثة إلى أنه يزيد من فعالية الخلايا الليمفاوية (T-cells) ضد الميكروبات، كما يساعد في إنتاج مضادات الميكروبات والفيروسات بالجسم، وزيادة إنتاج مادة «الإنترفيرون» المقاومة للسرطان والفيروسات.
أعشاب أخرى وبهارات
هناك أعشاب أخرى تساعد في تقوية المناعة، مثل الجنكو والشيح والتمر هندي والزنجبيل.
ومن البهارات ما يفيد في تنشيط المناعة والوقاية من السرطان خصوصًا الزعفران والكمون والكركم والقرنفل.
د. عز الدين الدنشاري – أستاذ الأدوية والسموم