لكل شعب عاداته وطقوسه الغذائية.. قائمة من الطعام تكاد تكون ثابتة لكل مناسبة، فهناك أطباق معروفة بالاسم تقدم في الأفراح، وثانية تقدم صباح يوم العيد، وأخرى تصنع ابتهاجًا بسبوع مولود جديد.. وهكذا تتوارث الشعوب تلك العادات والطقوس جيلاً بعد جيل.
ويتميز الشعب المصري بأكلاته الشعبية المتنوعة بتنوع المناسبات، ومن أشهر وربما أغرب تلك الآكلات التي يقبل عليها معظم المصريين الفسيخ. والفسيخ عبارة عن سمك محفوظ في الملح لمدة طويلة وهو شديد الملوحة ولاذع الطعم، يصنع عادة من سمك البوري أو السردين.
وتشتهر المدن الساحلية المصرية بتصنيعه، ومن أشهر تلك المدن مدينة نبروه – «القريبة من المنصورة 12 كيلو مترًا شمال القاهرة» وتخرج منها كميات كبيرة، ومثلها كفر الشيخ وبورسعيد والمطرية ودمياط والإسكندرية «وكلها أماكن قريبة من ساحل البحر». ويزداد الإقبال على أكل الفسيخ أو الأسماك المملحة في يومين هما يوم عيد الفطر ويوم شم النسيم، والأخير احتفال فرعوني قديم ما زال المصريون يحتفلون به سنويًا في أواخر شهر أبريل من كل عام في العادة.
أكل الفسيخ عادة فرعونية
قيل إن المصريين القدماء كانوا لا يأكلون السمك في الصيف، وربما كان السبب في ذلك ارتفاع حرارة الجو مما يؤدي إلى فساد السمك سريعًا. ثم اكتشفوا أسلوبًا جيدًا حيث صادوا الأسماك في الشتاء قاموا بتمليحها ووضعها في أوعية محكمة، لتناولها في الصيف فكان هذا هو الفسيخ.
وقد أظهر المصريون القدماء براعة شديدة في حفظ الأسماك وتجفيفها وصناعة الفسيخ.
ويؤكد المؤرخون أن الفسيخ – أو “السمك المملح” – قد ظهر بين الأطعمة التقليدية في مصر منذ عهد الأسرة الفرعونية الخامسة، وقد ذكر “هيرودوت” – المؤرخ اليوناني الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد وكتب عنها – أنهم كانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم. وهذا ما يؤكده الأثريون المعاصرون، فالأسماك المملحة والمجففة ليست وليدة اليوم، فالمصري صنعها قديمًا، بل والغريب أن الفسيخ وجد في حفريات أثرية بمنطقة الأهرامات.
أكلة خطرة
يشتري المصريون سنويًا أطنانًا من الفسيخ الذي ينقع لشهور في الملح قبل استخدامه ولا يلقون بالاً للنصائح التي تعلنها الهيئات الصحية ووسائل الإعلام، ورغم من الإصابات المتكررة بالتسمم الغذائي الناجمة عن تناول الفسيخ.
ونظرًا لطريقة صنع الفسيخ وحفظه مملحًا، بل وشديد الملوحة أحيانًا، فإنه يعتبر من الأكلات الخطرة خاصة بالنسبة لمرضى ضغط الدم المرتفع ومرض الكلى والكبد والقولون وعسر الهضم، وكثيرًا ما نسمع تحذيرات الأطباء من إسراف مرضى تليف الكبد والبلهارسيا وارتفاع ضغط الدم في تناول كميات كبيرة من الأسماك المملحة، مما قد يؤدي إلى إرهاق خلايا الكبد مع ارتفاع نسبة الأمونيا والنشادر في الدم، حيث يفشل الكبد في القيام بوظائفه في التخلص من نواتج هضم البروتينات.
كما أن تناول هذه الأسماك المملحة يتسبب في زيادة نسبة الكيماويات الضارة التي قد تسبب غيبوبة مع احتمالات كبيرة لتعرض المريض لنزيف دوالي المريء.
يحدث هذا في أحسن الأحوال. أما إذا حدث خطأ في طريقة التصنيع أو سوء تخزين للفسيخ، فتنتشر فيه أنواع من الطفيليات والميكروبات قد تحوله إلى أكلة سامة.
يعرف هذا النوع من التسمم باسم – اليوتيولز- الذي يؤثر على الجهاز العصبي والتنفسي وقد يؤدى إلى الوفاة.
لذا، فمن الضروري تناول الفسيخ من مصدر موثوق في نظافته ونزاهته. إلا أن أطرف ما قرأته عن خطر الفسيخ ليس في أكله، بل في رائحته النفاذة التي أدت بزوجة شابة إلى الطلاق بعد فترة قصيرة من زواجها بفسخاني، إذ رفعت الزوجة قضية خلع في إحدى المحاكم المصرية بسبب رائحة ملابس زوجها المزعجة الذي لا يهتم بتبديل ملابس العمل بعد عودته إلى البيت. والطريف أن المحكمة قضت لصالح الزوجة وتم الخلع. وربما كان هذا هو التحذير الأخير لكل الرجال الذين يقبلون بشراهة على أكل الفسيخ.
د. دينا بركة