لتعرف الفرق بين الذكر والأنثى لاحظ الصبيان والبنات وهم يلعبون، ستجد الصبيان يميلون إلى العنف والمبارزة وتسلق الأشجار والجري والسباق وكرة القدم وغيرها من الرياضات العنيفة.. بينما تميل البنات إلى الهدوء والسكينة وممارسة الألعاب الخفيفة.
راقب لتعرف
وإذا راقبت محلات لعب الأطفال، لوجدت أن الصبيان يقبلون على الألعاب التركيبية والسيارات والقطارات والمسدسات، في حين تفضل الفتيات اقتناء الدمى والعرائس والملابس المزركشة وأدوات تجميلها ومطبخها وحتى حجرة نومها.
حتى البنات حديثات الولادة – بعكس الصبيان – يحدقن إلى الوجوه أكثر مما يحدقن إلى الأدوات الآلية المتحركة. وعند بلوغهن الثالثة من العمر يكن أكثر براعة من الصبيان في فهم المشاعر، وفي السابعة تتكون لديهن براعة قراءة القصص وروايتها.
وتشير دراسات حديثة إلى أن الصبيان أكثر ميلاً إلى العناد من البنات في عمر 13 شهرًا، وأكثر عدوانية في بداية مشيهم، وأكثر نزعة للمنافسة في أي عمر تقريبًا. وفي الوقت الذي تنخرط فيه البنات في الألعاب التعاونية، يؤسس الصبية في عمر لا يتجاوز الست سنوات نظم سيطرة ويحافظون عليها خلال ألعابهم العنيفة.
إن الاختلافات بين الجنسين على الأقل من الناحية الفيزيائية أو الجسدية والتناسلية معروفة منذ أن خلق الله تعالى آدم وحواء وأسكنهما وذريتهما الأرض، والأسئلة المطروحة عن وجود اختلافات بين الجنسين في المخ والتفكير والسلوك ليست جديدة أيضًا.
وقد أجريت دراسات في مختلف العلوم السلوكية والعصبية والهرمونية لمعرفة التأثير البيولوجي للجنس على المخ والسلوك، وسبب أن الذكور أكثر عدوانية من الإناث سواء في الإنسان أو في غيره من الحيوانات، وسبب تفوق الأولاد في المهارات وحل المسائل التي تتطلب ذهنًا تخيليًا، بينما تتفوق البنات في المهارات اللفظية أو اللغوية.
بداية الحكاية
ولنبدأ القصة من أولها، من المراحل الأولى لتكوين الجنين، فقد وجد العلماء أن جنس الفرد (ذكر أو أنثى)، يتشكل من خلال 3 مراحل هي:
– التركيب الوراثي: تبدأ أول مرحلة من مراحل تحديد جنس الجنين منذ لحظة إخصاب الحيوان المنوي للبويضة ويطلق عليها مرحلة التركيب الوراثي. وتقع مسئولية تحديد الجنس في هذه المرحلة على عاتق الحيوان المنوي، حيث يوجد منه نوعان أحدهما يحمل الكروموسوم x والآخر يحمل الكروموسوم y، أما البويضة فتحمل نوعًا واحدًا هو x. فإذا كان الحيوان المنوي الذي قام بإخصاب البويضة يحمل الكروموسوم y يصبح الجنين ذكرًا وتركيبه xy، وإذا كان يحمل الكرموسوم x يصبح الجنين أنثى تركيبها xx.
– تكوين الغدد الجنسية (الخصية أو المبيض): ويتوقف ذلك على وجود الكروموسوم y الذي يؤدي إلى إفراز هرمون H-Y antigen من الخلايا التي يوجد بها، وهذه هي الخطوة الحرجة الأولى التي تتجه بالجنين ناحية الذكورة، حيث يؤدي إنتاج هذا البروتين إلى تطور الغدة الجنسية إلى خصية ليصبح الجنين ذكرًا، وعدم إنتاجه يؤدي إلى تطورها إلى مبيض ليصبح الجنين أنثى. وتنمو الخصية تحت تأثير هذا الهرمون أثناء الأسبوع السابع من الحمل في الإنسان، بينما لا يتم نمو المبيض عادة قبل الأسبوع 13 – 17 من الحمل.
يتضح من ذلك أن الفكرة الأساسية هي أن الأنثى في الثدييات هي الجنس الأساسي أو المحايد في حالة غياب الأندروجين، وأن التطور أو التمايز في الإناث بجميع مظاهره (المبايض والأعضاء الداخلية والخارجية) عملية أوتوماتيكية لا تتطلب هرمونات.
أما الذكر وما يحتويه من مظاهر الجنس الأساسية والثانوية، فهو مجرد أنثى تعرضت لتأثير هرمونات الأندروجين المفرزة من غدته الجنسية الذكرية (الخصية) بسبب وجود الكروموسوم y. وعند حرمان الذكور من الأندروجين مباشرة بعد الولادة (إما بالحصى أو بإعطاء مركبات توقف مفعول الأندروجين) فإن السلوك الجنسي الذكري ينخفض أو ينتهي ويحل محله السلوك الأنثوي، وبالمثل إذا ما أعطيت الإناث بعد الولادة مباشرة هرمونات ذكرية فإن سلوكها ينقلب إلى الناحية الذكرية.
– الشكل الظاهري للجنس: معظم الأفراد يتطورون طبقًا لتركيبهم الوراثي، ولكن هناك درجات مختلفة للتعبير عن هذا التركيب الوراثي، فقد تكون الاختلافات كبيرة لدرجة أن بعض الأفراد يتجهون عكس تركيبهم الوراثي أو يكونون بين الجنسين رغم أن تركيبهم الوراثي كما هو لم يتغير منذ لحظة الإخصاب، وهذا يعني وجود عوامل عديدة تؤثر في الشكل الظاهري للجنس مثل الهرمونات، ودرجة الحرارة المرتفعة جدًا والمنخفضة جدًا، وربما عوامل أخرى كثيرة، بما في ذلك الوقت الذي يحدث فيه الحمل. وقد توصل الصينيون إلى نتيجة للحمل تساعد الأزواج على اختيار جنس المولود الذي يتوقف في هذه الحالة على عمر المرأة وشهر الحمل.
وقد نشرت مجلة (التكاثر البشري، Human Reproduction ) دراسة أشارت إلى أن الشهر الذي يحدث فيه الحمل ربما يؤثر على جنس المولود. كما وجد أن ولادة الذكور تقل حينما يكون الآباء تحت ضغط أو إجهاد من أي نوع: العمر الكبير، والتدخين، والتعرض للتلوث أو حتى الزلازل. هذه العوامل ربما تؤدي إلى تحوير التوازن الهرموني الذي يؤثر على خصائص السائل المنوي أو خصائص الرحم الذي سيتم فيه نمو الأجنة بحيث ينمو الجنس الأضعف– الذكور في هذه الحالة- في الظروف الأفضل.
أولاد: رياضيات.. بنات: لغات
لا يوجد فروق في المستوى الكلي للذكاء عند قياسه بمعامل الذكاء IQ، ولكن توجد اختلافات في أنماط الذكاء أو القدرات الذهنية في الموضوعات المختلفة، أي أن لكل منهما ملكات خاصة أو نقاط ضعف ونقاط قوة.
فإذا أخذنا مجموعة معينة من الناس واختبرناهم نجد أن بعضهم يتفوق في المهارات اللغوية والبعض الآخر يتفوق في حل المسائل الرياضية مع أنهم على نفس الدرجة من الذكاء العام.
على سبيل المثال، يتفوق الرجال في حل المسائل الرياضية والفراغية واختبارات المتاهات. أما النساء فيتفوقن في الاختبارات اللغوية والتعرف على العناصر المتقابلة أو المضاهاة وتذكر الأشياء والصور، مما يدعو إلى الاعتقاد بأن المرأة تستخدم علامات بارزة للاستدلال والمعرفة وكمنهج للحياة اليومية أكثر مما يفعل الرجل.
وفي سن 3-4 سنوات، يكون الذكور أفضل من أقرانهم من البنات في إدارة الأشكال والأرقام في أذهانهم، بينما تتفوق البنات في تذكر قوائم الكلمات. وأن قدرات الذكور في حل المسائل الرياضية أعلى من الإناث، وفسر العلماء ذلك بوجود اختلافات بيولوجية.
وتتفوق النساء مثلاً على الرجال في الذاكرة اللغوية أو اللفظية أي تذكر الكلمات الموجودة في مقالة أو قائمة، وأيضًا في البراعة اللغوية (مثل أيجاد كلمات تبدأ بحرف معين). والفروق كانت كبيرة في الحالة الأولى أي في التذكر عنها في الحالة الثانية – البراعة اللغوية، ولكنها تقول إن الاختلافات الموجودة بين الرجال والنساء بصفة عامة تعتبر أقل من الاختلافات الموجودة داخل كل جنس على حدة.
تعبيرهن عن مشاعرهن
توصلت الدراسات إلى أن النصف الأيسر من المخ في الإنسان مهم في الكلام أو اللغة، أما النصف الأيمن فيقوم بالمهام الفراغية. والفروق بين نصفي المخ تبدو واضحة في الرجال عنها في النساء.
ومن ناحية أخرى، أوضحت دراسة أجريت في أستراليا أن الجزء من المخ الذي يستعمل في الحديث واللغات أكبر بحوالي 20-30% لدى النساء عنه في الرجال (آخذين في الاعتبار الاختلاف في الحجم). وأرجع الباحثون سبب تفوق الكثير من النساء على الرجال في المهارات اللفظية أو اللغوية إلى وجود هذا الاختلاف التشريحي.
وفي جامعة Yale، أجريت دراسة باستخدام الرنين المغناطيسي، أظهرت أن الرجال يستخدمون الجانب الأيسر من المخ فقط للتعامل مع المشاكل اللغوية المعقدة، أما النساء فيستخدمن كلا الجانبين، وهو ما قد يفسر سر تفوق النساء على الرجال في القدرات اللغوية وأيضًا في الناحية العاطفية. أما مقدرة المرأة على استعمال كلا الجانبين من المخ في نفس الوقت عند التخاطب فتمكنها من أن تتعامل مع مراكز العاطفة في نفس الوقت الذي تتحدث فيه. أما الرجل فلا يمتلك هذه المقدرة، وبالتالي لا يستطيع أن يعبر عن مشاعره بسهولة.
وهناك دراسات متعددة تؤكد أن المرأة غالبًا تستطيع التعبير عن مشاعرها – الحب، والحزن مثلاً – بسهولة ووضوح أكثر من الرجل.
لكن الفرق في طريقة استعمال الرجال والنساء لأمخاخهم قد يخلق سوء فهم في العلاقات لأنه يؤدي إلى عدم التوازن في طريقة تعبير كل منهما عن شعوره نحو الآخر وأيضًا في الطريقة التي تجري بها المحادثات. فالمرأة تفحص الموضوع من كافة جوانبه، أما الرجل فيتجه مباشرة نحو الهدف وغالبًا ما يضيق صدره بكثرة حديث المرأة.
ومن المعتقد أن عدم قدرة الرجل على التعبير عن مشاعره من أسباب حدوث الكثير من المشاكل في العلاقات بين الرجال والنساء، فضلاً عن صعوبة اكتشاف عواطف أو مشاعر الرجل، مما يشكل عقبة أخرى في العلاقات خاصة مع العلاقات التقليدية، حيث يكون الرجل شديد التحفظ بينما المرأة أكثر وضوحًا وأحيانًا فضولية.
كما يعتقد أن سبب قلة الحساسية الاجتماعية عند الرجال ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ حيث كان الوضع يتطلب زيادة قدرة الرجال على القنص والصيد والقتال على حساب الناحية الاجتماعية، فكان على الرجل أن ينسحب من مجتمعات الكهوف ويتجه إلى الأماكن الموحشة التي تتطلب القوة والصلابة حسب قانون الانتخاب الطبيعي.
هذه الصفات خدمت الرجال منذ حوالي 40 ألف سنة، أما اليوم فالمهارات والعلاقات الاجتماعية أكثر أهمية من القوة البدنية الغاشمة.
أ.د. مسعد شتيوي – أستاذ العلوم الزراعية