يستهلك الكثيرون قدراً هائلاً من الطاقة في مجادلة أنفسهم بشأن قصور شخصيتهم ،، فتجدهم دائما يقولون لأنفسهم ( لا أستطيع القيام بذلك) ، ( أعرف نفسي ،لن ينظر إلي أي شخص، لن أتزوج) ، ( لن أتمكن من ختم المادة قبل الامتحان ،، أساسا أنا لا أفهمها،، أنا أعرف نفسي وقدرات عقلي ،، لن أستوعب المعلومات) ، ( ما باليد حيلة ،، أنا كذلك من طفولتي) ، ( الفشل صديقي المقرب لن يبتعد عني أبدا) ، ( لن أنجح في زواجي ) ، ( أنا فاشلة في تربية أبنائي) ، (ليس لدي علاقات اجتماعية ولا صداقات ،، شخصيتي غير محبوبة) ، ( لن أتخرج في الوقت المحدد من الجامعة فأنا لا أستطيع اضافة المواد المطلوبة جميعها،، أنا أعرف قدراتي العقلية،، أشعر أنني غبي) .إلى غير ذلك آلاف مؤلفة من المقولات الانهزامية التي تعكس الطاقة السلبية ويجد الانسان نفسه يدور في حلقة مفرغة تضيق كل يوم شيئا فشيئا إلى ان تخنقه وتؤدي به إلى الاستسلام وفقدان الأمل وبالتالي يصبح انساناً ضعيف الشخصية أو يكاد يكون معدوم الشخصية مما يعكس صورته السلبية أمام الاخرين ،،فيتحاشون معرفته والجلوس معه ،، ليضيق الخناق عليه أكثر فأكثر ويصبح في حكم اللاشئ فالمجتمع وجوده كعدمه .
ان عقولنا تعد أدوات غاية في القوة فبمجرد ان نقرر ان شيئاً ما حقيقياً أو خارجاً عن مقدورنا ،، نجد ان عقولنا تشرع في بناء حاجز يكون من الصعب اختراقه،، وللأسف فان هذا الحاجز الهائل هو من صنع أيدينا ،ولا ندرك اننا حينما نجادل أنفسنا ونحأول ان نجد الأسباب التي أدت بِنَا الى الوصول لهذه الحالة المزرية اننا نزيد من لبنات الحاجز لرفعه أعلى وأعلى ونجعله أقوى وبذلك يكون اختراقه ضرباً من المستحيل
فَلَو حدثت نفسي وبدأت الجدال مع عقلي خلال كتابة هذا المقال بأنني لا أستطيع ان أكتب ،، ولكي أحسن من موقفي أمام نفسي وأدافع عن ما أجادل به نفسي فإنني سوف أتذكر تلك المقالات التي كتبتها في طفولتي ولم أنشرها وعلاماتي الضعيفة في اللغة العربية والنصوص ،، وعدم مقدرتي على الحفظ والابداع أثناءدراستي ،، أو ذلك الشعور الغريب الذي ينتابني كلما جلست فيه لكتابة القصة التي لم أكملها ،، كما سأملىء رأسي بالمخأوف التي تجعلني أخشى تجربة الكتابة خوفا من الفشل أو انتقاد القرّاء أو استهزاءهم بأسلوبي في الكتابة ،، وماذا لو كانت كتاباتي سخيفة ،، أو ركيكة أو رفضت من دور النشر ،، أو أو أو إلى اخرالاعذار الواهية ،، لأجد نفسي لم أكتب ولم أنشر ولم ينتقدني اي إنسان على وجه الأرض لأنه ببساطة لم يقرأ لي أي مقال ،، وان أشد منتقديني والذي أخرس صوتي وقلمي هو نفسي ..
كثيرا ما تزورني فتيات في عمر الزهور ،، وقبل ان تعرض مشكلتها تشرع في انتقاد نفسها والجدال مع نفسها بأنها دائما ما تفسد علاقاتها مع زميلاتها أو من يتقدم لخطبتها ،، ولنكون منصفين فهي محقة بالتأكيد في كل اتهاماتها لنفسها ،، فكلما قابلت شخصا كانت توجد الأسباب التي تجعل ذلك الشخص ينفر منها ويلوذ بالفرار من أول لقاء ، فقد كانت دائمة الانتقاد لنفسها أمام الناس،، لا تألوا جهدا ان تتحدث عن سلبياتها،، وكانت تنتقص من شأنها ومن قيمتها في كل لقاء ومن أول لقاء،، فما ان يحدث اي شيء سلبي حتى تنسبه لنفسها : أنا دائما ما أتأخر عن مواعيدي،، أنا دائما ما ألقي بنفسي في المشاكل ،، أنا غير راضية عن شكلي ،، أنا سمينة،، أنا فاشلة في التعليم ،، أنا فاشلة في الحوارات ودايما ما اخسر أمام من يحاورني،، لست من الفتيات اللاتي يطمح الرجل في ان تكون اما لأبناءه،ولم تدرك انها هي من تعطي الإيحاء للطرف الاخر وعاجلا أم اجلا كانت تقنعه بأنها غير جديرة بأن تكون الزوجة التي تستحق حبه وتقديره ،، وبعد ان يهرول مبتعدا عنها لينجو بنفسه ،، تعود لنفسها وتعزز ما فعلته وما قالته في العقل الباطن لتقوي من الحاجز وتجعله صعب الاختراق ،، أرأيت ،، لقد تكرر معي ذلك ،،وسيتكرر مع غيره ،، لن أحظى في حياتي بشخص يود الارتباط بي .
ان الحاجز الذي قامت ببنائه في العقل الباطن يجعلها لا ترى أو تتعلم ان عليها التوقف عن توقع تحول الأمور إلى حالة سيئة ،، وانه كان من المستحسن ان تراجع نفسها بدل من ان تجادلها ،، كان يجب ان تتوقف لالتقاط انفاسها وتسال نفسها لماذا دائما ؟ ففي المرة الأولى ربما كان الخلل ليس منها أو ربما كان مشتركا ولكن عندما يتكرر نفس الموقف أكثر من مرة مع عدة أشخاص ،، كل له شخصيته المختلفة والمستقلة هنا يجب ان تقف وقفة جادة وتهدم الحاجز الذي يعوق العقل من ادراك ان الخلل كبير وانه يجب ان تراجع أفكارها وتصرفاتها تجاه نفسها بدل ان تدخل معها في جدال عقيم .
عليها ان تدرك ان تجلس مع نفسها جلسة مصارحة ومصالحة وان تكبح جماح غضبها الذي تصبه على نفسها أثناء جدالها معها وان تعاملها برفق واحترام وان تجتهد في تحسين لغة الحوار بينها وبين نفسها .فَلَو اخذنا مثالا على ذلك : أنا دائما ما أتأخر عن مواعيدي ،، كان يجب ان تقول بدلا من ذلك اعتذر لتأخري ،، ولكنني بالعادة لا افعل ذلك على الدوام .أو عندما تقول : أنا سمينة،، كان بامكانها القول ،، ان جسمي يعجبني بالرغم من بعض الأرطال الزائدة التي قررت التخلص منها لأكون راضية عن جسمي بشكل أفضل .فعندما تحدث نفسها برفق وثقة واحترام فهي تعزز في عقلها الباطن الصفات الجميلة والطاقة الإيجابية مما ينعكس إيجابيا على سعادتها الداخلية وتقديرها لنفسهامما ينعكس ذلك على الاخرين فتجدهم منجذبين اليها كالمغناطيس ،، مجبرين على تقديرها واحترامها ،وحتى ما تجده سلبيا من وجهة نظرها فان التعامل معه برقي والجزم على تغييره إلى الأفضل والثقة بأنها أو انه قادر على التغيير والتطوير يعطي الاندفاعية والرغبة في تحسين الذات ويكسب الانسان الثقة بالنفس .
كل ما علينا ان ندركه ان الجدال بوجود السلبيات لدينا هو مجرد عادة سلبية من السهل استبدالها بعادة ايجابية وذلك بحذف لا ولن وغير ممكن من الجملة التي نجادل بها واستبدالها بنعم ،، وسوف ،، وبالطبع يمكنني فعل ذلك .
جرب هذه الطريقة وستجد انك ستضحك من نفسك مستقبلا لو عدت إلى الجدال القديم في يوم من الأيام .فالجدال بوجود قصور في الشخصية امر وارد ووجود القصور هو واقع وحقيقة ولكن المهم هنا هو التعامل مع هذا القصور وتعزيز صورته في العقل مما يؤدي الى تكرار الفشل والاحباط النفسي أو حذفها واستبدالها بصورة جميلة تعزز الجمال النفسي قبل الجسدي .اما ان تعزز الثقة أو تفقدها والأمر بيدك وحدك ،، ولَك الاختيار …
د/ مها محمد حسن فقي