الصحة والغذاء

ألعاب الأطفال الإليكترونية.. تدمير أم تنفيس؟

 لا خلاف على الأهمية التي تكتسبها الألعاب – لاسيما الإليكترونية منها – في حياة الطفل، الذي يعاني من أوقات فراغ لا تتناسب مع فضوله البالغ، وسعيه المتواصل للاستكشاف والحركة، في الوقت الذي تنشغل فيه الأم بالكثير من الأعباء المنزلية والعملية، فلا يجد الصغير سبيلا للتعبير عن سخطه وغضبه سوى بالإنخراط في بكاء مزعج لا تجد الأم أمامه خيارا سوى المسارعة بتوفير عدد من الألعاب التي تلتهم وقت وعصبية طفلها.. فإلى أي مدى تتلاءم هذه الألعاب مع طبيعة الطفل العربي وبيئته وقيمه؟ وهل نجحت هذه الألعاب في شغل فراغه وتنمية مداركة بصورة إيجابية؟ أم أنها أسهمت في تخريج أطفال يتسمون بالعدوانية والعصبية والتخريب؟ دعونا نتعرف الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال عدد من الخبراء.

على الرغم من إتاحة بعض الألعاب الإليكترونية للأطفال تطوير قدراتهم وإعمالهم للعقل في سن مبكرة، إلا أن للغالبية منها في المقابل، تأثيرات خطيرة صحيا واجتماعيا وسلوكيا، حيث تتعدد الدراسات العالمية والعربية في رصدها لمخاطر ممارسة هذه الألعاب، معتبرة هوس الأطفال بها بمثابة “إدمان” يؤذي الطفل صحيا وسلوكيا، ويجعله أكثر ميلا للعدوانية والعنف.

بدورها، ركزت الدراسات العربية على الأضرار الصحية التي يصاب بها الأطفال نتيجة اندماجهم مع هذا العالم الإلكتروني لفترات طويلة.. راصدة عددا كبيرا من الألعاب الأمريكية والأوروبية الموجودة في الأسواق العربية ودون رقابة كألعاب الفيديو “مثل البلاي ستيشن”، التي تكسب الطفل عدوانية لا حدود لها، فكثير من ألعاب القاتل الأول “فيرست بيرسون شوتر” تزيد رصيد اللاعب من النقاط كلما تزايد عدد قتلاه، فهنا يتعلم الطفل أن القتل شيء مقبول وممتع، فيشارك في العنف والضرب والتخريب والسحق والخطف ونحو ذلك، وربما كان ذلك بمسدس في يده، فتكون بمثابة تدريب شخصي له.

في السياق ذاته، كشفت دراسة دنماركية، منشورة على شبكة الإنترنت، أن كثيرا من الألعاب الإلكترونيةالتي تهدف إلى إفساد عقول الأطفال، من خلال تشكيل شخصيتهم وهم في هذه السن المبكرة على أفكار تنحاز للعنف، فضلا عن الانحلال الخلقي، فهناك ألعاب ذات صور عارية سواء في الكمبيوتر أم في ألعاب البلاي ستيشن، تقوم بفكرتها الخبيثة بتحطيم كثير من الأخلاقيات التي يتعلمها الطفل في المجتمعات الإسلامية، وتجعله مذبذباً بين ما يتلقاه من والديه ومعلميه، وبين ما يدس له من خلال الأحداث الجارية، والصور العارية، والألفاظ والموسيقى بوسائل تشويقية كثيرة؛ فالذكاء يصور على أنه الخبث، والطيبة على أنها السذاجة، مما ينعكس بصورة أو بأخرى في عقلية الطفل، وتجعله يستخدم ذكاءه في أمور ضارة به وبمن حوله.

تقمص عدواني

من واقع عمله كأستاذ بمعهد الدراسات العليا للطفولة بالقاهرة، يرصد د. خالد حسين، عددا من نتائج الدراسات العلمية والاجتماعية التي تناولت فكرة الألعاب الإلكترونية ومخاطرها.. موضحاً أن بعضها انتهى إلى أن تركيز الطفل على هذه الألعاب يؤثر سلبا على قدرته التحصيلية في المدرسة، الأخطر من ذلك، كما يقول، إن دراسات أخرى أجريت على الأطفال الذين يمارسون – لفترات طويلة – الألعاب العنيفة التي تدور حول جرائم القتل وغيرها أن عددا كبيرا من هؤلاء الأطفال حاولوا تقمص الشخصية العدوانية التي رأوها، مما عرضهم لمخاطر عديدة.

مؤكدا أن هناك أيضا عدد من المخاطر الصحية الناجمة عن كثرة ممارسة الألعاب الإلكترونية، كالإجهاد البصري بسبب حركة العين المستمرة أثناء الممارسة، بالإضافة إلى الآلام المبرحة في الظهر والكتفين واليدين التي تلحق بالطفل، كما أن الأطفال الذين يندمجون مع الألعاب الإلكترونية يكونون أكثر انطوائية وانعزالية في مجتمعاتهم، حيث يفشلون في إقامة علاقات سوية مع العالم المحيط بهم، لدرجة تشبه الانفصال التام عن قيم وأخلاقيات مجتمعاتهم العربية.

هوس

من جهة أخرى، أكد الأخصائي النفسي أيمن أبو الدنيا” أن هوس الألعاب الإلكترونية أصاب كثير من أطفالنا، بعد أن ازدحمت السوق العربية بمئات الألعاب الإلكترونية، معظمها تقدم نماذج خارقة للطبيعة لا وجود لها على أرض الواقع، وبالتالي فإن تأثر الطفل بها وهو في هذه السن الصغيرة بمثابة هلاك له وتدمير لشخصيته.

أبو الدنيا اتفق مع القول إن انفصال الطفل عن بيئته يعيقه عن النمو الاجتماعي، وبالتالي يصبح وحيدا في مجتمعه يهرب من مواجهة الناس.. ليس هذا فقط، بل إن هناك عددا غير قليل من هذه الألعاب تدور حول قتل الآخرين، وتدمير ممتلكاتهم، والطفل يتأثر سلبا بما يشاهده من ألعاب عنيفة مما يجعله عدوانيا، إلى جانب الأحلام المفزعة التي تصاحبه أثناء النوم، محذرا من ترك الأطفال فريسة سهلة لهذه الألعاب الموجهة.. مشددا على ضرورة أن يكون للأسرة دور إيجابي نحو توجيه وتربية أطفالهم على أسس سليمة، من خلال المتابعة الدقيقة لهواياتهم، وأوقات ممارستها، وكذلك نوعية الألعاب التي يمارسونها، محذرا من  الألعاب الاهتزازية التي أثبتت الدراسات أنها تؤدي إلى إصابة الأطفال بالرعشة، مع ضرورة خضوع جميع الألعاب الموجودة في الأسواق لرقابة صارمة للتأكد من عدم احتوائها على أفكار خارجة عن التقاليد الإسلامية.

طرق الوقاية

في المقابل، ترى د. مريهان الحلواني – أستاذ الإعلام وثقافة الطفل بجامعة عين شمس، أن إقبال الأطفال على الألعاب الإلكترونية يعكس حرصهم وإقبالهم على التكنولوجيا الحديثة.. وهذا أمر إيجابي إذا وجدت ضوابط لمنع ممارسة الألعاب العنيفة التي تنتصر لقيم وأفكار غريبة على البيئة العربية، وترى الحل في قيام الأسرة بتنظيم ممارسة أبنائهم لهذه الألعاب، بالشكل الذي يشجعهم على الانجذاب نحو الإيجابي منها التي تنمى قدراتهم الذهنية، وتشجعهم على استخدام العقل، وفي الوقت ذاته إقناعهم وتعريفهم بمدلولات الألعاب الأخرى وعيوبها.. كذلك تشجيع الطفل على مشاهدة ألعاب الكرتون العربية التي تساعده على التواصل مع بيئته ومجتمعه العربي.

وتنصح الأسرة بتوزيع وقت الطفل على التحصيل الدراسي وممارسة الرياضة والألعاب الإلكترونية، شرط أن تكون متناسبة معه، وألا تتجاوز فترة اللعب ساعتين يوميا، وأن تراعي الأسرة المعايير الآمنة عند استخدامه للكمبيوتر، واستخدام طرق التوعية الحديثة لإقناع الطفل بمخاطر بعض الألعاب الإلكترونية وانعكاساتها السلبية على شخصيته ومستقبله، كذلك تشجيع هؤلاء الأطفال على اللجوء لأنشطة بديلة لتفريغ طاقاتهم وتنمية قدراتهم الذهنية وبشكل خاص أثناء الأجازة مثل ممارسة الرياضة أو الهوايات الأخرى كالرسم والتلوين.

كيف يشغل وقته؟

ولأنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل اقتلاع الألعاب الإليكترونية من حياة الطفل في عصر أصبح للصورة والمؤثرات الفيلمية دور رئيسي في حياة الصغار والكبار على السواء، كان من الحتمي التوفيق بين تلبية حاجة الطفل لشغل وقت فراغه، مع الاحتياط للآثار السلبية لبعض هذه الألعاب، فيؤكد الخبير التكنولوجي د. حمادة محمد مسعود – أستاذ المعلوماتية وتكنولوجيا التعليم أنه لا يمكن إقصاء التلفاز والكمبيوتر والألعاب الإليكترونية من حياة الطفل المتلهف لما يشبع فضوله ويشغل أوقات فراغه، ذلك أن الطفل في هذه المرحلة يحتاج إلى تنمية مداركه وخياله وفضوله، لذا يكون من الضروري التوفيق بين وسائل الإعلام المرئية ووسائل الترفيه الأخرى مثل الألعاب التي تنمي الخيال والإدراك كالمكعبات وألعاب الفيديو والرياضات الخفيفة مثل تنس الطاولة، كرة القدم والسباحة، مع تحقيق المتابعة الدائمة للتدخل عند الحاجة لتقويم أي مفاهيم مغلوطة، وذلك حتى يمكن تنشئة الطفل اجتماعيًا بما يتوافق مع نفسه وأسرته ومجتمعه، وبغير أن تتسرب العدوانية والعصبية إلى سلوكياته.

ويشير إلى ألعاب أخرى يمكن أن يجد الطفل فيها منفذا لتفريغ طاقاته وشغل أوقات فراغه، منها التعرف إلى هواياته المحببة والعمل على تدعيمها، فإن كان يهوى الرسم على الأسرة أن توفر له الأدوات اللازمة ليمارسها في جو من التشجيع والاهتمام بما يرسم، وعدم السخرية منها، وكذلك إن كان ممن يهوون تنمية مداركهم من خلال ألعاب الفك والتركيب التي تقوي الذاكرة، فعلى الأسرة أيضا أن تساعده في ذلك، ولا تستسهل ممارسته للألعاب الإليكترونية دونما متابعة أو رقابة، أو محاولة لتقويم وتصحيح ما تحوي أفكارا أو مفاهيم خاطئة منها.

خيارات أخرى

يرى الدكتور خالد بن سعود الحليبي أشار إلى عدد من الحلول التي يمكن أن تتغلب على مخاطر الألعاب الإليكترونية وفي الوقت نفسه تسهم في شغل فراغ الطفل، منها:

  • توجيه أطفالنا وترغيبهم في شراء الألعاب المربية للذوق، والمنمية للذاكرة.
  • تشجيع الطفل على مزاولة الألعاب الجماعية، وتفضيلها على النشاطات الفردية، وتشتمل على ألعاب رياضية وأساليب ترفيهية وقصص مسلية تمتاز بالجدة والتنوع، وتهدف غرس حب الخير والفضيلة في نفوس الأطفال، وإعطاءهم ثقة في نفوسهم من خلال مشاركتهم في التعليق والحوار.
  • توجيه الطفل إلى الألعاب ذات الطبيعة التركيبية والتفكيرية وإلى ألعاب الذكاء، والبناء، والمسابقات الثقافية في برامج الحاسب، والألعاب التعليمية.
  • توجيه الطفل إلى هواية مفيدة ودعمه بالمال والأدوات والمكان والتشجيع المستمر.
  • حدد ساعات معينة للعب في الألعاب المختارة بعناية بحيث لا تزيد على ساعة أو ساعتين على الأكثر.
  • وجه طفلك للمشاركة في حلقة لتحفيظ القرآن الكريم، أو مركز اجتماعي، أو زيارة قريب أو صديق أو مريض، أو القراءة المفيدة.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم