أكد الدكتور مارك غبرايل أن نتائج زراعة الكبد تحسنت بشكل مضطرد خلال العقد الماضي، ووصل معدل نجاح الكبد المزروع خلال عامٍ واحد على الأقل في 90 بالمئة من الحالات عند استخدام كبد كامل أو جزئي من متبرع متوفى.وقال الدكتور غبرايل أنه يوجد نوعان من جراحات تطعيم الكبد:
- يُعرف النوع الأول بزراعة الكبد المجزّأ، وفيها يتم أخذ الكبد من متبرع متوفى وتقسيمه بحيث تُعطى القطعة الأكبر من الكبد لمريض بالغ، وتُعطى القطعة الأصغر لطفلٍ مريض. وتكون نتائج التطعيم في هذا النوع جيدة جداً في العادة.
- أما النوع الثاني فهو تطعيم الكبد من متبرع حي. وفيه يتم أخذ ربع الكبد من متبرع بالغ وزرعه في جسم طفل مريض، وتحقق هذه الجراحة عادة معدلات نجاح ممتازة تتجاوز 90٪. ونرى اليوم تحسناً في نتائج هذا النوع من الجراحة لدى المتبرعين البالغين أيضاً.
وأضاف:
يستخدم معظم الأطباء حالياً في الولايات المتحدة الأميركية الفص الأيمن من الكبد. لكنّ قطع الفصّ الأيمن من الكبد يعرّض المتبرّع لبعض المخاطر. لذلك، فإنّ بعض المراكز في الولايات المتحدة بدأت تلجأ إلى قطع الفصّ الأيسر من الكبد (وهي عملية أسهل على المتبرع) وزرعه في المريض المتلقي. وتبقى نتائج زراعة الفص الأيمن من الكبد عموماً أفضل قليلاً من زراعة الفص الأيسر بالنسبة للمتلقي، ومع ذلك، فإن عملية زراعة الفص الأيسر تتحسن يوماً بعد يوم، وقد أصبح الأطباء أكثر خبرة ومهارة في إجرائها. وفي عمليات المتبرع الحيّ التي تجري في الولايات المتحدة، نتوقع عادةً بقاء الكبد المزروع حيا بنسبة 85٪ إلى 90٪ من الحالات. أمّا في العالم العربي، فان عمليات تطعيم وزراعة الكبد ما تزال في بداية عهدها. وفي زيارتي الأخيرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في القمة الخليجية الثانية لأمراض الكبد، والتي عقدت في دبي في مارس الماضي، سنحت لي فرصة لقاء عددٍ من الأطباء، وزيارة مركزين يجري تأهيلهما لإجراء عمليات زراعة الكبد من متبرعين أحياء. وأتوقع أننا سنرى في المستقبل القريب عدداً من المراكز الخليجية التخصصية التي تتوافر فيها الكفاءات والخبرات، بما يؤهلها لإجراء هذه العمليات بنجاح.
– ما العلاقة بين المناعة وسرطان الكبد؟
**من وظائف المناعة والجهاز المناعي بشكلٍ عام قمع الخلايا السرطانية ومنع نشوء السرطان. لكن مرض سرطان الكبد لا ينجم عادة عن خللٍ في المناعة، بل ينشأ في معظم الحالات على خلفية الإصابة بتشمّع الكبد.
وتشمّع الكبد عمليةٌ مرضية يتم فيها نشوء نسيج ليفي متندّب مكان نسيج الكبد السليم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع وظيفة الكبد. وقد ينشأ في بؤرٍ من ذلك النسيج ورمٌ يتطور إلى سرطان خبيث، ويبدأ في النمو والانتشار. وعندما تتطور الإصابة السرطانية، فإنها تصبح بحد ذاتها مرضاً يضاعف مشاكل الكبد المتشمّع، وقد تنتقل إلى أعضاء أخرى. لذلك يمكننا القول أن هذا النوع من السرطان هو نتيجةٌ للمرض الذي تسبّب بتشمّع الكبد. فمثلاً نجد الكثير من حالات السرطان عند المرضى المصابين بالتهاب الكبد الوبائي سي (HCV) والتهاب الكبد بي (HBV). ويكون جزءٌ من علاج هؤلاء المرضى موجها ًلعلاج السرطان، يتبعه الجزء الثاني وذلك باستبدال الكبد المتشمّع ، ومن ثم الجزء الثالث وذلك للقضاء على المرض الأساسي، أي التهاب الكبد الوبائي سي أو التهاب الكبد بي.
ولدينا اليوم الإمكانات اللازمة لعلاج السرطان، وزرع كبدٍ سليم البنية والوظيفة مكان الكبد المتشمّع، وعلاج التهاب الكبد الوبائي سي والتهاب الكبد بي.
– ما هي آخر نتائج التجارب السريرية والبحوث الطبية التي يجريها أو يرعاها المعهد الوطني الأميركي للصحة؟
**يجري المعهد الوطني الأميركي للصحة (NIH) أبحاثاً واسعة النطاق تغطي مجموعة متنوعة من القضايا، ومنها على سبيل المثال التهاب الكبد الوبائي سي، وهو مرض حظي بنصيبٍ وافر من الدراسات والأبحاث. وقد شهدنا مؤخراً تطورات مهمة في علاج التهاب الكبد الوبائي سي، مثل تطوير علاجات دوائية جديدة يمكنها القضاء على الفيروس في وقت قصير جداً، وينطبق ذلك أيضاً على معالجة التهاب الكبد بي.
كما أُجريَت أيضاً أبحاث على مرض التهاب الكبد الدهني غير الكحولي (المعروف أيضاً باعتلال الكبد الدهني) وتشمّع الكبد الذي قد ينجم عنه، وهو مرضٌ آخذ في الانتشار على مستوى العالم. وقد شاهدت فيلماً وثائقياً عن تطور التهاب الكبد الدهني غير الكحولي في العالم العربي، حيث ينتشر هذا المرض بسبب نقص النشاط البدني وانتشار البدانة التي أصبحت مشكلةً كبيرة في الشرق الأوسط، وقد عاينت ذلك شخصياً في دبي لدى بعض الناس. وبسبب ذلك، فإننا سنواجه مشكلة صحية جديدة هي اعتلالات الكبد الناجمة عن حالات الكبد الدهني، وهي مشكلةٌ يبذل من أجلها المعهد الوطني الأميركي للصحة جهوداً بحثية كبيرة.
كما أودّ أن أسلط الضوء على مشكلة أخرى وهي سرطان الكبد، حيث يرعى المعهد الوطني الأميركي للصحة عدداً كبيراً من البحوث لمعالجته. ففي ولاية تكساس، على سبيل المثال، يوجد بحث مشترك برعاية المعهد الوطني للصحة بين مستشفى هيوستن ميثوديست ومركز م. د. أندرسون الطبي للسرطان و 10 مراكز أخرى لاستقصاء العلاقة بين المناعة والوراثة وسرطان الكبد. وهكذا فإن أعداد البحوث التي تجري كبيرة وأعتقد أنّ نتائجها رائعة، حيث أصبحنا قادرين على علاج التهاب الكبد بي والتهاب الكبد الوبائي سي، واستطعنا تحسين نتائج معالجة سرطان الكبد بشكل كبير، ونحن نستقصي التطورات الجديدة الناشئة عن أمراض الكبد، مثل اعتلال الكبد الدهني، ونحاول معالجتها.
– ما النصيحة التي تقدمها للمرضى المصابين بالتهاب الكبد الوبائي سي؟
**نصيحتي لكل من يتم تشخيص إصابته بالتهاب الكبد سي ألّا يهمل أو يتأخر في تلقي العلاج. فلدينا اليوم الأدوية التي يمكنها القضاء على هذا المرض في غضون 12 أسبوعاً فقط. وهي أدوية حديثة جداً تم اعتمادها في العام الماضي، وتتوافر في الولايات المتحدة وأوروبا، وأعتقد أنّ بعضها أصبح متوافراً في منطقة الشرق الأوسط وبأسعار أقل بكثير بالمقارنة مع الولايات المتحدة الأميركية.
وأوجّه نصيحتي الثانية لكل مريض يُصاب بسرطان الكبد، وأقول له: “لا تستسلم”. ففي هذه الأيام، يتم اكتشاف سرطان الكبد في وقت مبكر، مما يتيح علاجه عبر مزيجٍ من الطرق، مثل الزراعه والدم وطرق أخرى (المعالجة الموضعية للورم).
كما أشدد على أهمية المسح الاستقصائي لالتهاب الكبد بي والتهاب الكبد الوبائي سي وسرطان الكبد (حيث يتم تحرّي سرطان الكبد عبر التصوير بالموجات فوق الصوتية وفحص ألفا فيتو بروتين AFP في الدم).
– هل يمكن الوقاية من التهاب الكبد؟ وكيف؟
**تتفاوت طرق العدوى بالتهاب الكبد الوبائي سي من بلد إلى آخر. ففي الولايات المتحدة، نجد أنّ نقل الدم هو الوسيلة الأكثر تواتراً لنقل عدوى التهاب الكبد الوبائي سي (سواء بنقل الدم لأسباب طبية، أو باستخدام الإبر في الوشم، أو تعاطي المخدرات وغيرها)، ولهذا فقد أصبحت عملية نقل الدم تستوجب إلزامياً فحص الدم للتحري فيما اذا كان المتبرع يعاني من التهاب الكبد الوبائي سي قبل أن يتم نقل الدم.
ولا بد من التركيز على قضية النظافة والتعقيم في مرافق الرعاية الصحية (الإبر والمعدّات المعقمة). وقد أثمرت الجهود في هذا الصدد عن خفض حالات العدوى الجديدة بالتهاب الكبد سي. لكننا ما نزال بحاجة لمعالجة حالات العدوى التي حدثت خلال الأعوام الثلاثين الماضية من التهاب الكبد الوبائي سي وحالات تشمّع الكبد ، وهكذا فما زال علينا معالجة المرضى الذين نشأت لديهم حالات تشمّع الكبد بعد إصابتهم بالتهاب الكبد الوبائي سي.
وباعتقادي ، فان دول الشرق الأوسط تعاني من معدل مرتفع للإصابة بالتهاب الكبد الوبائي سي، والتي ربما تكون قد نتجت عن حملات التطعيم الكبيرة التي تم تنفيذها منذ عدة سنوات. ولا بد من مواجهة مضاعفات الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي سي، سواء منها تشمّع الكبد أو سرطان الكبد. لكنني أعتقد أننا نستطيع اليوم الوقاية من حدوث حالات جديدة للعدوى بالتهاب الكبد الوبائي سي. ومن أبسط الطرق لتحقيق ذلك هي توخي الحذر عند نقل الدم أو استخدام الإبر، وتجنب المخدرات والوشوم.
مارك غبرايل
زميل كلية الجراحين الأميركية، وزميل كلية الجراحين الملكية البريطانية (أدنبره)، ومدير مركز أمراض وزراعة الكبد في مستشفى هيوستن ميثوديست، رئيس جراحة زراعة الكبد في مركز بحوث علم المناعة، وأستاذ الجراحة في كلية ويل كورنيل الطبية.
