تختلف توصيفات الإرهاق من شخص لآخر. فهذا يشكو من أن أعضاء جسمه مفتتة وكأنه قام بمجهود عضلي جبار.. وهذا يشعر في الصباح بالتصاق جسمه في الفراش كأنه ربط به ربطًا أثناء الليل.. وذاك يشعر بألم في عموده الفقري ومفاصل جسمه وكأنه وصل سن الشيخوخة منذ زمن بعيد.. وآخر يشعر باكتئاب بسبب وبدون سبب..
فماذا يحدث؟ وما هو السر؟ إنه الإرهاق الذي يعاني منه الكثيرون خاصة السيدات بين الثلاثين والستين.
أسباب مجهولة
أسباب الإرهاق كثيرة: منها كثرة الأعمال وزيادة المسؤوليات، وقلة وقت الترفيه والراحة.
ورغم أن الأسباب في كثير من الأحوال تكون غير معروفة، ولكن هناك عوامل عضوية يمكن ربطها بالإرهاق.
فالإصابة بعدوى فيروسية تشبه أعراضها نزلة برد عادية قد تستمر فترة زمنية يعاني فيها الشخص من إرهاق لا يطاق.
وأحيانًا تكون العدوى الفيروسية بسبب فيروسات معينة مثل فيروس EBV أو عدوى بميكروبات وفطريات مختلفة، لكن الأبحاث لم تثبت وجود علاقة مباشرة لهذه الفيروسات بالإرهاق. ومن الجدير بالذكر أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض الحساسية معرضون للإصابة بالإرهاق بنسبة أكبر من غيرهم.
ومن الأسباب المرضية التي ترتبط بالإرهاق وجود اختلال في الجهاز العصبي الإرادي الذي يتحكم في ضغط الدم وسرعة النبض. فقد يشعر المريض عند استيقاظه بدوار شديد ناتج عن انخفاض ضغط الدم وتسارع النبض، تصاحبه أعراض مثل زغللة العينين، قد يصل الأمر إلى غياب مؤقت عن الوعي.
وهؤلاء الأشخاص يعانون من إرهاق وتعب متزايد خاصة عند الوقوف لفترة طويلة، بسبب انخفاض في هرمونات مثل هرمون الكورتيزول أو الهرمونات المنظمة له مما يؤدي إلى ضعف قدرة الجسم على مواجهة الأعباء اليومية.
وقد يتولد الإرهاق عن سبب مرضي بحت مثل الإصابة بعدوى فيروسية. وأحيانًا يسبق بعض الأمراض أو بمثابة نذير بقدومها. مثل الإنفلونزا والتهاب الرئتين والتهاب الكبد وأمراض القلب وأمراض الأوعية الدموية والأمراض النفسية، وفي بعض الأحيان الأمراض الخبيثة.
جيد وسيئ
الإرهاق هو شعور بالإعياء وضعف القدرة على القيام بالمجهود العادي، وهبوط القدرات الذهنية مثل ضعف التركيز والتوتر العصبي.
ويؤدي الإرهاق إلى العصبية والاكتئاب، ويؤثر في القدرة على التواصل مع الآخرين وأداء الأعمال بطريقة سليمة وفعالة، ويشكل تهديدًا مزعجًا للصحة الجسدية والنفسية والعاطفية.
والإرهاق مؤشر يدل على أن الجسم متعب، وأن الأعصاب متوترة. وأن أعضاء الجسم انتبهت إلى وجود شيء ما يؤذيها أو خطر ما يحدق بالجسم والحياة. بسبب اختلالات هرمونية تتعلق مثلاً بتزايد استهلاك مادة الأدرينالين، مما يؤدي إلى أعراض مثل الشعور بالوهن العام وكثرة النوم والصداع والتوتر وقلة التركيز وسرعة الاستثارة والانفعال، واضطراب الشهية والشعور بالدوار واضطراب النوم. وبذلك يكون التعب ردة فعل فسيولوجية طبيعية ناتجة عن حاجة الجسم للراحة والهدوء.
وهذا النوع من التعب يوصف بالتعب الجيد، لأن الجسم حين يصل إلى مستويات عالية من استهلاك الطاقة والأكسجين، وحين تصل عضلاته إلى أقصى مستوى يمكن أن تؤديه، يبدأ التعب بالظهور لكي ينبه الشخص بأنه على وشك تخطي الحدود الطبيعية لجسمه، وإلى حاجة جسمه للراحة والاسترخاء لإعادة تكوين قواه واستعادة طاقته.
أما التعب السيئ فهو مؤشر خطر على بداية انهيار جسدي. وقد يأتي نتيجة زحمة الأعمال وزيادة المسؤوليات وقلة الوقت المخصص للترفيه والراحة. وأحيانًا يكون للضجيج دور كبير في حدوث الإثارة العصبية المستمرة بدرجات عالية تؤدي إلى التوتر ومن ثم الإرهاق.
ويترافق ذلك مع نمط عيش ضار مثل كثرة تناول أغذية ذات محتوى عال من السعرات الحرارية، والجلوس لفترات طويلة في العمل أو أمام التلفزيون أو غير ذلك. مما قد يؤدي إلى أمراض مثل السمنة وارتفاع الكولسترول والسكري وارتفاع الضغط وتصلب الشرايين، فتضعف حيوية الجسم ويميل الشخص إلى الكسل.
وحتى حينما يخرج بعضهم للترفيه عن نفسه تجده يجلس ساعات طويلة بدل أن يحرك عضلات جسمه. وهذا بشكل عام يؤدي إلى ارتخاء العضلات وهبوطها فتقل القدرة على القيام بجهد عضلي، وتتزايد الشكوى من التعب والإرهاق عند بذل مجهود قليل.
احذروا السكريات
ويؤدي كثرة تناول السكريات إلى التعب، فمن المعلوم أن الماء يكون ثلثي جسم الإنسان، ويحتاج هذا السائل المكون لخلايا الجسم (والموجود أيضًا بين الخلايا في الدم) إلى جرام واحد من السكر يوميًا. وتسيطر الغدد الصماء على هذه النسبة بحيث تحفظها دون زيادة أو نقصان. ولكن عند تناول كمية كبيرة من السعرات الحرارية، خاصة السكريات، ترتفع هذه النسبة لمدة ساعتين أو ثلاث بعد تناول الوجبة، ثم تبدأ بالانخفاض تدريجيًا حتى تعود إلى الوضع الطبيعي. وفي مرحلة الانخفاض التي تتبع تناول السكريات بكثرة يشعر الإنسان بالتعب والإرهاق.
أما مريض السكري فيكون لديه نقص في الهرمونات التي تنظم نسبة السكر في الجسم، خاصة هرمون الأنسولين، ومن ثم ترتفع نسبة السكر خارج الخلايا في الأوعية الدموية وخارجها، وتكون الخلايا في حالة جوع إلى السكر الذي لا يدخل داخلها نتيجة لنقص الأنسولين، فيشعر المريض بالإرهاق.
ولأن التدخين يؤثر على كافة أعضاء الجسم، فإنه يزيد من الشعور بالتوتر ويحدث الإرهاق. ويزداد الأمر سوءًا عند محاولة التغلب على ذلك بالإفراط في تناول المنبهات أو المشروبات المحرمة. وبالرغم من أن القهوة تشعر الإنسان بالنشاط وتقلل من الإرهاق، إلا أنها تقلل من الإحساس بالتعب فقط، وبمجرد ذهاب تأثيرها ينفجر التعب إرهاقًا حادًا قد يصل بصاحبه إلى حافة الانهيار العصبي. وهذا الأمر يظهر بشكل خاص لدى الذين يشربون القهوة بكميات كبيرة، ولا يعطون أنفسهم فرصة للراحة عند التعب. وهو ما يحصل مع مدمني العقاقير المنبهة والمنشطة.
ولهذا النوع من الإرهاق مظاهر، منها سوء النوم والإرهاق الفكري والجسدي التام عند الاستيقاظ من النوم، فتنقلب حياة الشخص رأسًا على عقب لانقلاب مزاجه وتوتر أعصابه، ويعاني من آلام في أماكن عديدة في الجسم. ويعبر عن ذلك بقوله مثلا: (إنني تعب جدًا مع إنني نمت عشر ساعات متتالية). لأن نومه لا يجلب له الراحة المطلوبة، إذ يساعد النوم عادة في القضاء على التعب، ولكن الذي يعاني من توترات شديدة في حياته ينقلها إلى نومه فتتحول أحلامه إلى إعادة تكوين واستعراض لكل ما حفل به النهار من متاعب، فيتعرض الشخص للهياج العصبي والتوتر النفسي.