فيما سبق، كان التصور السائد هو أن للغذاء علاقة بأمراض معينة دون أخرى، وكانت الأمراض النفسية والعصبية والسلوكية من الأمراض التي لا يهتم فيها بموضوع التغذية.. لكن يبدو أن علاقة الغذاء بهذه المجموعة المرضية دخلت هي الأخرى معامل البحث والتدقيق.
ومن الأمراض السلوكية والنفسية الشهيرة لدى الأطفال، مرض قلة التركيز وفرط النشاط (ADHD)، وتبدأ أعراضه في الظهور في سن الثالثة تقريبًا، ولا يوجد له سبب محدد وإن كانت أصابع الاتهام تشير إلى أن للوراثة دورًا هامًا في الإصابة به.
ويؤثر هذا المرض على أداء الطفل المدرسي والحياتي، وتظهر عليه أنماط سلوكية عنيفة ومخربة مع ضعف في التركيز ومزاج متقلب وقد تصحبه بعض العوارض النفسية وإعاقات التعليم.
ولقد ثبت أن ممارسة الأم عادة التدخين وتعاطيها الكحول أثناء فترة الحمل قد يساعد على ظهور أعراض هذا المرض. كما أن زيادة الرصاص في الدم قد تكون من ضمن العوامل المهيئة لظهور المرض. ويصل الرصاص إلى جسم الإنسان عن طريق الغذاء الملوث بهذه المادة السامة.
ويجب ألا نغفل أن الرصاص هو المكون الأساسي لمادة الكحل التي تستخدم للزينة في الكبار والصغار، كما أن الكحل يستخدم في بعض المجتمعات – ومنها السعودية – كمادة مطهرة توضع على الجروح، وكذلك على الحبل السري بعض قطعه في حديثي الولادة. وقد تتسبب عادة لعق الألعاب الموجودة عند بعض الأطفال في وصول مادة الرصاص إلى دم هؤلاء الأطفال حيث إن الرصاص يكون من ضمن مكونات بعض هذه الألعاب.
جدل أوروبي أمريكي
أما علاقة هذا المرض بغذاء الطفل فما زالت محل نقاش وجدال محتدم، فقد بدأ الحديث عن علاقة هذا المرض بالغذاء منذ أكثر من 35 عامًا؛ حيث شككت أغلب الدراسات الأمريكية المتوالية في وجود علاقة أكيدة بين المضافات الغذائية والألوان الصناعية وهذا المرض. وما زالت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، تصر على عدم إمكانية إثبات علاقة أكيدة بين مرض فرط النشاط والمضافات الغذائية.
في المقابل، تشير دراسات أوروبية إلى وجود علاقة أكيدة بين هذا المرض والإضافات الغذائية. وفى دراسة نشرت في مجلة «لانست العلمية»، جرى التأكيد على أن بعض المضافات الغذائية والألوان الصناعية التي تدخل في صناعة بعض الأغذية تؤثر سلبًا على هذا المرض وتؤدي إلى زيادة النشاط بصورة ملحوظة.
أجرى الدراسة باحثون من جامعة ساوسامبون البريطانية، وفيها تم تقييم تأثير المشروبات التي تحتوي على ألوان صناعة ومضافات غذائية على نحو 153 طفلًا في عمر ثلاثة أعوام و144 طفلًا تراوح أعمارهم بين 8 و9 سنوات، لكن 267 طفلًا فقط، أكلموا الدراسة حتى نهايتها.
وحملت المضافات محل الاختبار أرقام: E102-E104-E110-E122-E124-E129… بالإضافة إلى مادة بنزوات الصوديوم التي تستخدم في حفظ بعض الأغذية الصناعية. وتنتشر هذه المواد في أغذية الأطفال الجاهزة مثل العصائر المعلبة والمياه الغازية والآيس كريم وزبادي الفواكه والأجبان والمربات المعلبة وغيرها. كما ثبت أن مادة السالسيلات لها نفس التأثير، وهي المادة المكونة لدواء الأسبرين. وتوجد هذه المادة أيضًا في بعض الأطعمة الطازجة مثل الحمضيات والبرتقال والطماطم والتفاح والخوخ وغيرها.
ولقد أضاف البروفسور جيم ستيفنسون، أستاذ علم النفس، تعليقًا على الدراسة أن هذه المواد لا تؤدي إلى زيادة النشاط في الأطفال الذين يعانون هذا المرض فقط، بل في الأطفال الطبيعيين أيضًا.
وقد وجهت وكالة الأغذية البريطانية النصح للآباء بتجنيب أطفالهم تناول الأغذية التي تحتوي على مضافات صناعية سواء كانوا أصحاء أو يعانون فرط النشاط.
إعداد: د. نبيل حنفي زقدان – اختصاصي طب الأطفال