لا يخفى على ذي علم أن القرنين العشرين والواحد والعشرين تم فيها اختلاط كبير بين الشعوب ثقافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا فبدأ الكون وكأنه دولة واحدة وانتقلت كثير من العادات وطرائق الحياة من شعب إلى آخر. والملاحظ أن الشعوب الضعيفة غالبًا ما تكون هي الشعوب المتلقية عن الشعوب القوية، وليس أدل على ذلك ما نراه من مظاهر شبابنا وفتياتنا من شعور منفوشة، وسيقان مكشوفة، ونهود ظاهرة، وبطون عارية، وألبسة قصرت، وانسدلت من غير ترتيب ولا نظام في مظاهر تدعو إلى السخرية والهزء منها.
وكان من الأمور الوافدة على عالمنا العربي تلك الأطعمة التي طفت في حياتنا بأسمائها المختلفة من لازانيا وهمبرغر وبف ستروكانوف، والرافيولي، وكانيولوني، وكابوتشيني وبيتزا..إلخ، وبالطبع فإن هذه الأطعمة قد حلت مكان الأطعمة المحلية الأصلية أو كادت، والسبب في ذلك أن هذه الأطعمة سهلة في الحصول عليها لتوفرها في مطاعم كثيرة أنشئت خصيصًا لها. فهي معينة للنساء العاملات اللواتي لا يجدن وقتًا للطبخ على نهج الأمهات السابقات، فضلًا عن أن كثيرًا من شبابنا قد عزفوا عن طعام الآباء والأجداد والتفتوا إلى تناول هذه الأطعمة بفعل الاكتساح النفسي الذي أصابهم.
وثمة ظاهرة أخرى تبدت في انتقال الأطعمة من بلد عربي إلى بلد آخر.. إذ وفد الكشري من مصر، والكسكسي من المغرب، والكنافة النابلسية من فلسطين، ورحلت الكبسة إلى بلاد الشام وهاجرت كثير من الأطعمة الشامية إلى دول الخليج، وافتتحت المطاعم المتخصصة بتقديم الأطعمة الشامية واللبنانية.
والملاحظ أن الأطعمة الشامية والتركية طغت في الانتشار في دول الخليج،
ونحب أن نقرر أنه ما من شعب ولا أمة إلا ولها أطعمة أصيلة ففي دول الخليج مثلًا يبرز المنسف والقوزي والمضغوط والمندي والمثلوثة والقرصان والجريش والمطازيز والبامية والقرع والكبسة والسمك.. ومع ذلك فإن المجاورة بين الشعوب والتداخل إضافة إلى ما ذكرنا من طغيان القوي على الضعيف قد أثرت على كثير من الأطعمة الأصيلة فأدت إلى انقراضها أو نسيانها.
محمد سعيد المولوي